[دورة: كيفية الإيمان بالقدر]
الدرس: العاشر
س1: اذكر لنا بعض الأخطاء التي وقع فيها بعض الناس في هذا الباب المهم لنحذرها ونحذر منها .
ج1: لقد ذكر جمع من أهل العلم - رفع الله نزلهم في الفردوس الأعلى - عددًا من الأخطاء في هذا الباب وقد ذكرنا بعضها في ثنايا الأسئلة السابقة ، ولكن أعيدها مختصرة وأزيد عليها ما لم يذكر ، فأقول :
منها : وهو أعظمها الخوض في هذا الباب بلا علم ولا برهان والنزاع فيه ، فإن هذا زلل عظيم ومزلق وخيم ، وهاوية كبيرة قل من يسلم منها إذا وقع فيها ، ولذلك وردت الأدلة والآثار محذرة من ذلك كل التحذير ، فقد روى أحمد وابن ماجه بإسناد حسن عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله خرج على الصحابة وهم يتنازعون في القدر ، هذا ينزع آية وهذا ينزع آية ، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان ، فقال : ((بهذا أمرتم - أو بهذا وكلتم - أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض انظروا إلى ما أمرتم به فاتبعوه وما نهيتهم عنه فاجتنبوه)) . وروى الطبراني وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن مسعود t مرفوعًا : ((وإذا ذكر القدر فأمسكوا)) وحسن إسناده الإمام العراقي وابن حجر والسيوطي والمباركفوري ، وقد قال الله تعالى : }ولا تقف ما ليس لك به علم{ وإن الخوض في القدر بلا علم ولا برهان قد أورث كثيرًا من الأسئلة الاعتراضية التي لا ينبغي أن يسأل عنها وقد أورث أن بعض الناس يبحث في الجوانب الخفية في هذا الباب ، وأفضى أيضًا إلى ترك التسليم والإذعان لله تعالى في قدره ، وكثير من الناس أقحم عقله الضعيف العاجز في اكتشاف مسائل هذا الباب من غير اهتداء بنور الكتاب والسنة ، وهذا أدى إلى التنازع والافتراق في هذا الباب ، وكل ذلك سببه الكلام في هذا الباب بلا علمٍ ولا نورٍ من الله ، فاحذر من ذلك الأمر الخطير ، والله يحفظنا وإياك .
ومنها : الاحتجاج به على فعل المعائب أي المعاصي وقد تقدم لنا الحكم فيه والأجوبة عنه .
ومنها : الاتكال على ما كتب وترك تحصيل الأسباب الشرعية وغيرها اعتمادًا على ما سبق به العلم وهذا خطأ فادح ومدخل شيطاني لابد من سده بمعرفة منهج أهل السنة وقد قدمنا الجواب عن ذلك .
ومنها : عدم الاهتمام بشأن الدعاء ويرى أنه لا حاجة له ؛ لأنه لو دعا ثم دعا فلن يأتيه إلا ما قدر له ، فما قدر له فإنه يأتيه بلا دعاء وما لم يقدر له فلن يأتيه ولو استفرغ جهده في الدعاء ، وهذا فرع من فروع الاتكال على القدرة وتعطيل الأسباب الشرعية ، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : ((ولا يرد القدر إلا الدعاء)) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه الألباني - رحم الله الجميع رحمة واسعة - . وقال - عليه الصلاة والسلام - : ((من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئًا يعطى أحب إليه من أن يسأل العافية ، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء)) وحسنه الألباني أيضًا . وقال e : ((لا يغني حذر من قدر وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة)) وحسنه الألباني أيضًا .
وأما ما يتردد على لسان الصوفية من قولهم عن إبراهيم الخليل e : ((حسبي من سؤالي علمه بحالي)) فإنه كلام لا أصل له ، قاله أبو العباس شيخ الإسلام وغيره من أئمة الحديث .
ومنها : نسبة المشيئة إلى الظروف أو الأقدار فيقول : شاءت الظروف وشاءت الأقدار ، وهذا خطأ لأن الظروف والأقدار لا مشيئة لها وإنما الذي يشاء هو الله تعالى كما حققه الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - .
ومنها : دعاء بعض الدعاء بقوله : اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه ، وهذا دعاء لا ينبغي ؛ لأنه قد شرع لنا ما هو خير منه وأفضل وهو الدعاء برد القضاء إذا كان فيه سوء ، ويكفيك قوله e : ((تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء)) رواه البخاري .
ومنها : سب القدر واتهامه والتسخط عليه ونسبة السوء إليه - والعياذ بالله تعالى - ، وهو منافٍ للأدب مع الله تعالى ، وعلامة للجزع النافي للصبر الواجب ، ومفضٍ بصاحبه إلى سخط الله تعالى كما في الحديث : ((ومن سخط فعليه السخط)) والجزاء من جنس العمل .
ومنها : ما يفعله بعض الناس من استطلاع القدر المستقبلي عند الكهنة والمنجمين ، وهذا ضلال مبين في باب القدر ؛ لأن القدر من الغيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، ويدخل في ذلك من يصدق بتأثير الأسماء والأبراج فيما يجري للإنسان في حياته .
ومنها : إنكار علم الله تعالى السابق أو إنكار الكتابة السابقة أو إخراج أفعال العباد أن تكون مخلوقة لله تعالى كما تقوله القدرية .
ومنها : سلب العبد قدرته ومشيئته كما هو قول الجبرية .
ومنها : زعم أن الإنسان مخير مطلقًا أو مسير مطلقًا .
ومنها : قول العبد ( لو ) أو ( ليت ) عند نزول الأمر المؤلم وقد قدمنا ذلك سابقًا .
ومنها : تمني الموت بسبب ما نزل به من الضر ، هذا حرام لا يجوز ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيًا فليقل اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)) متفق عليه .
ومنها : قتل نفسه ، وهو المعروف بالانتحار ، وهذا جريمة عظيمة وعقوبتها وخيمة ، قال تعالى : }ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كـان بكم رحيمًا ومن يفعـل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا{ . وقال - عليه الصلاة والسلام - : ((من وجأ نفسه بحديدة فقتل نفسه فحديدته في يده يجأ بها في بطنه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، ومن تحسى سمًا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)) متفق عليه .
وقتل النفس دلالة صريحة على التسخط على القدر ، والمخيف أنه فالآونة الأخيرة بدأ يكثر ، فنعوذ بالله من الخذلان والله أعلم .
فهذه بعض الأخطاء في هذا الباب المهم فاحذر وحذر منها ، عافانا الله وإياك من كل سوءٍ وبلاءٍ ، والله أعلم .
* * *
س2: ما ثمرات الإيمان بالقدر ؟
ج2: ثمراته كثيرة ، وأذكر منها ما يلي :
الأولى : حصول الهداية وزيادة الإيمان .
الثانية : خفة حدة المصائب النازلة والأقدار المؤلمة .
الثالثة : راحة النفس وطمأنينتها لأنها تعلم أن كلاً بقضاء وقدر وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها وما أخطأها لم يكن ليصيبها .
الرابعة : أن الإيمان بالقدر يربي النفس على الصبر وقوة الاحتمال .
الخامسة : محاربة اليأس والقنوط والعجز والكسل .
السادسة : الشجاعة والإقدام واطراح الخور والجبن .
السابعة : تربية النفس على القناعة .
الثامنة : سد باب الدجل والخرافة وتحرير العقول من ربقتها لأن المؤمن بالقدر لا يعتمد على خبر دجال ولا عراف ولا كاهن ولا يستطلع إلى مستقبله إلا بالبناء الصحيح بالجد والعزيمة الصادقة والاجتهاد في العمل ، والله تعالى أعلى وأعلم .
__________________________________________________ ____
ها قد وصلنا... لآخر دروسنا في دورة : [كيفية الإيمان بالقدر]أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل حجة لنا لا علينا..وينفعنا بما تعلمنا.. وأن يرزقنا العمل بما تعلمنا، ويتقبل منا..
الروابط المفضلة