بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد .. أحق ما قال العبد .. وكلنا لك عبد .. ،
والصلاة والسلام على نبيّ أمتنا وحبيبنا وقائدنا ومعلِّمنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وبعد .. ،
مِنْ مُذَّكرات العُمر [ أعْمَقُ ] دَرسْ !
أصدُقُكم أمراً .. إن سيرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أخّاذة لِلروح والنفس والقلب ! وإنه و الله لمَحروم مَن لمْ يَعْرفها ويلِج في حناياها ! وإنها والله لذَّة وأي لذّة أن تعيش معه - صلى الله عليه وسلم - حياته .. لحظة بلحظة .. تتبسم لمبسمه ، وتئن لألمه ، وتبكي لدمعته ، وتهفو لِلقياه إن غاب ، وتخشى عليه أن يؤذى .. ولكأنكَ تنظر إليه يخطب على منبره .. يوصيك .. يُحدّثُك ! ولكأنّ عينيك بعينيه .. ! ولكأنك تبايعه معهم .. ولكأنه يُعاتبك على تقصيرك .. ! أو يأمرك .. أو يوصيك .. وأي ألم ذاكَ وأي حُرقة حين تودّعه .. وكأنه مات بين يديك ! - صلى الله عليه وسلم -
يقول- صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : " إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب " وصدق .. والله صدق ** لكن أين القلوب الصادقة التي تستشعر عِظَم المُصيبة به ؟ وأنّى لِقلوبٍ لم تَعرِفه أن تستشعِر مصيبة فقده ! وأنّى لِنفوسٍ ما أدْرَكت عِظَم سعيه وصبْره .. أن تَفهم عُمقَ مَحبته ! [ يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله شوقا إليه لمكانه من الله عز وجل فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه ] !
في الجامعة كان أحد أساتذتي - أحسبه والله حسيبه ولا أزكّي على الله أحداً - مِن خيرةِ الرِجال ! الرجال الذين يَحمِلون همّ الدّين .. وَيَسعون مُجاهدين لِرفع رايته والنصح له وفيه .. كان هذا الأستاذ كثيراً ما يُوصينا بقراءة السيرة النبوية .. و القراءة في الأحاديث والصحاح .. وكان كثيراً ما يقول : يعني أنتم كم قرأتم من الكتب ؟ .. أليس المفروض أن تكونوا أعرف بنبيكم - صلى الله عليه وسلم - ؟ من منكم قرأ البخاري كاملاً ؟ .. وكثيراً ما كرر هذا الحديث .. وكان هذا الكلام ، وأسلوبه ، وطريقة عرضه .. يشعرني فعلياً بالخجل ! كيف لم أقرأ في هذه الأصول ؟ كيف لم أقرأ في السيرة النبوية ؟ أليست أحاديث النبيّ أولى بالقراءة من كلام الناس ؟ أليست حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمعرفة من حياة الناس ؟ وقد تحَمّست للأمر كثيراً .. وشَرعتُ فيه - وإن كنت قصّرت ! - لكنّي حقاً أدركت أهمية الأمر ..
... و مرّت الأيام .. ويُسِّر لي أن أدرس في الصيف ، وبقيت في السكن الداخلي شهر ونصف مِن عجائب العمر .. ياااه ** اكتشفت هناك .. أن محبتي له - صلى الله عليه وسلم - ما كانت إلا ادّعاء .. وأني ما صدقت فيها ! عرفتُ هناك أختين لي في الله .. رؤيتهما فقط .. كانت تؤجج مشاعر البكاء في قلبي .. وإني قد رأيت - وأحسبهما والله حسيبهما ولا أزكي على الله أحداً - مِن حُبّهما له - صلى الله عليه وسلم - ما لم أُبصّر به إلا على أيديهما .. [ لأوّل مرّة صِدقاً أجاور أحداً أشعر بِمحبته للنبي - صلى الله عليه وسلّم - ، وهنا عرفت الفرق بين السمع والمشاهدة ! ] كلتاهما .. كانتا على قدر كبير من الخلق والأدب .. وقد أحببتهما كثيراً لحسن معاملتهما معي .. ولم أتفطّن أنه اقتداء واقتفاء به صلى الله عليه وسلم .. في ابتسامته وترحيبه ولطفه وكرمه وعدله و عزمه وصبره !
بعد فجر كل يوم .. يُعرض لنا درس في السيرة النبوية للشيخ نبيل العوضي .. ( البرنامج المُصوّر الذي قام الشيخ بعرضه في أحد الرمضانات الفائتة ) .. وكانت إحداهما المسؤولة عن عرضه .. و في المرات القليلة التي حضرتها .. عجبت منها فقد كان تأثرها كبيراً .. ولساني حالي يقول : " يا أختي هذا ما يبكّي .. ليه تبكّي ؟ " و بعد أيام عَرَفت أن قسوة قلبي هي التي أعمت عليّ صِدق الحُب .. فالحب الصادق المتغلغل في القلب .. يجعل ذكر الحبيب .. فقط ذكر الحبيب مبكياً ! وأي حبيب هو ! أي حبيب ** - صلى الله عليه وسلم -
والأخرى لا أطيل الحديث عنها لأن شأنها في الأمر شأن .. لكني إذ يوم سألتها .. كيف تحبونه - صلى الله عليه وسلم - ؟ ( صِدقاً شعرت بأني غريبة بينهم .. محبتهم للنبي - صلى الله عليه وسلّم - عجيبة وأنا بينهم لاشيء ) .. فابتسمت ورنت بنظرها بعيداً .. فألححت عليها .. أن تعلمني كيف أحبه ! فوعدتني أن تدلّني وتخبرني قريباً .. وأتى موعدي فما كان إخبارها إلا : " اعرفيه بقلبكِ ثم أسقطي معرفتكِ له على واقعك "وكُنت صامتة .. ما ارتويت ! وبعد أخذ في الحديث ورد عرفت أن لها بين حين وحين جلسة .. تتأمل فيها مواقف للنبي - صلى الله عليه وسلم - .. ترى صنعه .. تعيش لحظته .. تتأسى به ..
وفي تلك الأيام أدركت شناعة تقصيري .. وسعيت في معالجتهِ .. ولازلت ساعية فعلياً لأن أعرفه - صلى الله عليه وسلم - .. والطريقُ طويلٌ .. ولازلت في أوّله .. لكنه جميل جميل ! وأي حياةٍ تلكَ بصحبته - صلى الله عليه وسلّم - ** أوصيكم بمعرفته .. اعرفوه حقاً .. عُمقاً صِدقاً ! اعرفوه .. ثُمّ اعرفوه .. ألا تحُبّ أن تعرفه وقد أحبّك واشتاق إليك ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : " وددت لو أني لقيت إخواني فقال له أصحابه : أو ليس نحن إخوانك قال : أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني " أفلا تُحرّك هذا القلب.. فتحب من يستحق الحب .. وتشتاق إلى مِن يستحق الشوق ؟
يقول الله – تعالى - : " وَ لا تَسْتَوِي الحَسَنَة وَ لا السَيِّئة ادْفَعْ بِالتي هِي أحْسَن فإذا الذي بَيْنَك وَ بَيْنَه عَدَاوةٌ كأنَّه وَليٌّ حَميم" [ فصِّلت : 34 ]
نحتاج إلى وقفة !
في زَمن .. اختلطت فيه المفاهيم !
زمنٌ ما مُيَّزَ فيه الأصل من الفصل ..
حيثُ لُفِّقت فيه التُهم زوراً للإسلام لأخطاء نرتَكِبها في مُعاملاتنا وسُلوكياتنا !
زمن نرى فيه أبناءنا يتهافتون إلى كلمات وسلوكيات نمّقها لهم أعادينا ..
إيهٍ يا بشر!
أغدا [ الإتيكت ] .. تِرياقاً نتلقّفه نعلِّمه ونتعلمه ونسعى أن نُطبقه !
أنفعل هذا وفينا سيرةُ من علّمه الله و شهد له – عز وجل – في كتابه : " و إنك لعلى خلق عظيم" [ القلم : 4 ] .. ؟!
خيرُ من مشى على الأرض .. وخير من تكلم .. وخير من سكت .. وخير من عبد الله .. وخير من أحسن إلى الناس .. وخير معلّم ومؤدّب – صلوات ربي وسلامه عليه – !
" أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير " ؟ [ البقرة :61 ]
[معاملات نبويّة .. وآفاق للتطبيق]
هي عدّة مشاهد ..نقتبسها من حياته - صلّى الله عليه وسلم - ..
مَشاهد تُوِّجّت بوصايا ربانيّة !
فتحلّت وقُلِّدت بأرفع أوسِمة المجْد والأدب ..
حَتى ليتجلى فيها طُهرٌ ونقاءٌ عجيب !
فيُؤخذُ القلب بِمحبّة ذاكَ المعلّم ..
وأَصْدَقُ الحُبّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلّم - لا يكونُ إلا بِحسن اقتداءٍ واقتفاء ..
يَقول الله - جلَّ في علاه - : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " [الأحزاب:21]
معاملتنا للآخرين ..
رسائل نحمل فيها قيم ديننا الحنيف ..
رسائلٌ لا تتجلى إلا بحسن الفعال !
رسائلنا تلك نهديها ولسان الحال يقول بحبٍ كبير :
هذا ما علمناه نبينا – صلوات الله وسلامه عليه – ..
إنه نبينا محمدٌ ..
نحبّه .. ونفاخر به ..
ونقتدي به .. ونقتفي أثره !
لأننا - أبداً - لن نَجِدَ له نَظيراً في دماثة خلقه !
يقول د . عبد اللطيف بن إبراهيم الحسين : إن منهج الإسلام يحتاج إلى بشر يحمله ويترجمه بسلوكه وتصرفاته، فيحوِّله إلى واقع عملي محسوس وملموس،
ولذلك بعث الله - عز و جل - ، النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- بعد أن وضع في شخصيته الصورة الكاملة للمنهج - ليترجم هذا المنهج ويكون خير قدوة للبشرية جمعاء ..
ولأن الله - عزّ و جَل - أمره أن يقول لنا :
" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [آل عمران:31]
فأيُّ موعودٍ .. وأيّ وعد !
شاركونا بتجاربكم وآرائكم وتعليقاتكم !
و لِنعش معه - صلى الله عليه وسلّم - في عِدّة موَاقِف من حياته ..
نَرقُبُ فعله ومُعاملته ونسْعى للاقتداء به ..
ثم نُورِد بعضاً مِن تَجاربنا الشخصية .. ونُعلِّم غيرنا ما تعلّمناه ..
أُمنيّة : أتمنى حقيقة أن يكون هذا الموضوع باباً تنطلِقون إثره في رحابِ سيرته وشمائله .. لتعرفوه صادق المعرفة .. وتُحبوه صادق الحب ..
أسأل الله أن يرزقنا محبته ومحبة نبيه - صلى الله عليه وسلّم - ، وأن يُعلّمنا ما ينفعنا ، وينفعنا بما علمنا ~
ستوضع المواقف في مواضيع منفصله وسيتم وضع روابطها هنا في الموضوع الأصلي .. =)
انتظروا الدرس الأوّل خلال يومين إن شاء الله ~
نسأل الله القبول .. والله وليّ التوفيق ..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ..
الروابط المفضلة