المبحث الخامس: الوضوء
ما يجب له الوضوء
يجب الوضوء لأمور ثلاثة
الأول: الصلاة مطلقاً سواء كانت فرضاً أو نفلاً حتى صلاة الجنازة؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ“؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه: ”لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول“ ولحديث علي رضي الله عنه يرفعه: ”مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم“.
الثاني: الطواف بالبيت؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الطواف بالبيت صلاة..“ الحديث؛ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم، لعائشة رضي الله عنها: ”افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري“.
الثالث: مس المصحف؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام وابن عمر رضي الله عنهم: ”لا يمسَّ القرآن إلا طاهر“.
فضل الوضوء
للوضوء فضائل كثيرة منها على سبيل المثال ما يلي:
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: ”إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء“.
ب – وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال حينما توضأ وضوءاً كاملاً: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، توضأ نحو وضوئي هذا وقال: ”من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه“.
جـ - وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: ”لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء، فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها“.
د - وعنه أيضاً: ”ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءَهَا، و خُشوعَها، وركُوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ كبيرة وذلك الدهر كله“
هـ – وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه يرفعه: ”ما من مسلم يتوضأ فيُحسن وضوءهُ، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة“.
و - وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيّاً من الذنوب“.
ز - وعن عثمان رضي الله عنه يرفعه: ”من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره“.
ح – وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات! قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط“.
صفة الوضوء الكامل وكيفيته
صفة الوضوء الكامل المشتمل على الفروض والواجبات والمستحبات كالتالي:
1 – ينوي الوضوء بقلبه؛ لحديث عمر رضي الله عنه: ”إنما الأعمال بالنيات“. ولا ينطق بالنية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لم ينطق بها؛ ولأن الله يعلم ما في القلب، فلا حاجة إلى الإخبار بما فيه.
2 – يقول: بسم الله ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه“.
3 – يغسل كفيه ثلاث مرات؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وحديث حُمران عن عثمان رضي الله عنه.
4 – يتمضمض ويستنشق من كف واحد بيده اليمنى، ويستنثر بيده اليسرى. يفعل ذلك ثلاث مرات بثلاث غرفات بكفه؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه. ويسبغ الوضوء ويبالغ في الاستنشاق إلا أن يكون صائماً؛ لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه ويستاك؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه.
5 – يغسل وجهه ثلاث مرات من الأذن إلى الأذن عرضاً، ومن منابت شعر الرأس إلى أسفل اللحية والذقن طولاً؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وحديث حمران عن عثمان رضي الله عنه، ويخلل لحيته؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
6 – يغسل يده اليمنى ثلاث مرات من رؤوس الأصابع إلى المرفق، ويدلك ذراعه، ويغسل مرفقه(، ويخلل بين الأصابع(. ثم غسل يده اليسرى مثل ما غسل اليمنى.
7 – يمسح رأسه مرة واحدة، يبل يديه بالماء ثم يمرهما من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم يدخل أصبعيه السبَّابتين في أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهر أُذنيه.
8 - يغسل رجله اليمنى ثلاث مرات من رؤوس الأصابع إلى الكعب، ويغسل كعبه ويخلل بين الأصابع، ثم يغسل رجله اليسرى مثل ما غسل اليمنى.
9 – ثم يقول: ”أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله“. ”اللهم اجعلني من التوَّابين، واجعلني من المتطهرين“. ”سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك“.
10 – من توضأ مثل هذا الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه؛ لحديث عثمان رضي الله عنه، وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: ”ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة“؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر: ”يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دفّ نعليك بين يديّ في الجنة“؟ قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً [تامّاً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطّهور، ما كتب الله لي أن أصلي]“.
فروض الوضوء وأركانه
فروض الوضوء هي أركانه؛ لأن هذه الفروض هي التي تتكون منها ماهية الوضوء، وكل أقوال وأفعال تتكون منها ماهية العبادة فإنها أركان(وفروض الوضوء ستة:
أولا: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق والاستنثار؛ للآية؛ ولحديث لقيط رضي الله عنه: ”وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما“؛ ولحديثه أيضاً: ”إذا توضأت فمضمض“؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”من توضأ فليستنثر“. ولِمواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم المضمضة والاستنشاقثانياً: غسل اليدين إلى المرفقين، اليمنى ثم اليسرى، للآية؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم“.
ثالثاً: مسح الرأس كله ومنه الأذنان؛ للآية؛ ولحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: ”الأذنان من الرأس“. ولمواظبته صلّى الله عليه وسلّم على مسح الأذنين.
وللمسح على الرأس ثلاث صفات:
أ – مسح جميع الرأس؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدَّم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه“.
ب – المسح على العمامة المحنّكة وحدها؛ لحديث عمرو ابن أمية عن أبيه قال: ”رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، يمسح على عمامته وخفَّيه“.
ويشترط للمسح على العمامة وحدها أو عليها مع الناصية ما يشترط للمسح على الخفين. واختار العلامة ابن باز رحمه الله، وابن تيمية رحمه الله تعالى.
جـ – المسح على الناصية والعمامة المحنّكة؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، توضأ، ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه“؛ ولحديث بلال ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، مسح على الخفين والخمار“.
رابعاً: غسل الرجلين إلى الكعبين، مع العناية بالعقبين؛ للآية؛ ولحديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم: ”ويل للأعقاب من النار“؛ ولمواظبته صلّى الله عليه وسلّم على ذلك.
وما تقدم من الفرائض هو المنصوص عليه قي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}.
خامساً: الترتيب؛ لأن الله تعالى ذكر الوضوء مرتباً، وأدخل المسموح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، توضأ مرتَّباً؛ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”أبدأ بما بدأ الله به“.
سادساً: الموالاة: وهي عبارة عن الإتيان بالطهارة في زمن متصل، فلا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفرٍ على قدمه فأبصره النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فقال: ”ارجع فأحسن وضُوءَك“ فرجع ثم صلى. وعند أبي داود، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، ”فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يعيد الوضوء والصلاة“. فلو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط.
الروابط المفضلة