همسة في أذنك يا ولي الأمر

أخي ولي الأمر..
لا شك أنك مسئول أمام الله عن الأمانة التي ولاك إياها، سواء أكنت أبًا أم أمًا أم زوجًا أم أخًا أكبر أم أختًا كُبرى، ولا يجوز لك أن تضيع هذه الأمانة وقد استرعاك الله إياها.

وسأوجه لك أيها الأب ولكِ أيتها الأم بعض النصائح التي أرجو منكما أن تتفكرا فيها.. ثم تتذكرانها في التعامل مع بناتكم.

أولاً: من المفترض عليك أيها الأب أن تحمي ابنتك من الانحراف قبل حصوله، فتربيها على الحياء والستر، وتبين لها أن العلاقة السليمة بين المرأة والرجل لا بد أن يكون الطريق إليها سليمًا وشرعيًا.. فلا يصلح أن تربي ابنتك على الاختلاط بالرجال، وعلى الحفلات الراقصة، والملابس الفاضحة، والأفلام والقصص الغرامية، ثم تستغرب إن هي طبقت ما رأته وما قرأته على أرض الواقع.. خصوصًا في مرحلة المراهقة فهي مرحلة التقليد الأعمى.. ويجب عليك أن تربيها على مراقبة الله في السر والعلن, وأن تزرع فيها هذه الحقيقة: إن غبتِ عن عيني فإنكِ لن تغيبي عن عين الله..
كذلك يجب أن تقوم بإفهام ابنتك- عندما تصبح فتاة راشدة- أن الارتباط بالرجل لا طريق له إلا الزواج، وأن البعد عن مواطن الشبهة والشك أسلم لها ولعائلتها.. علمها أن الوسيلة الخبيثة لا يمكن أن تستخدم لنيل غاية طيبة، فلا يمكن لها ولا لغيرها من الفتيات أن تحصل على الأولاد والبيت السعيد باستخدام وسيلة محرمة.

ثانيًا: لتكن علاقتكِ أيتها الأم بابنتكِ علاقة الصديقة بصديقتها، واحرصي على أن تكوني أنتِ مستودع أسرارها.. ولا تهمليها فتبحث عن غيركِ ليكون بديلاً لكِ، فالبديل اليوم غالبًا ما يكون سيئًا. وكثيرًا ما تخطئ الأم خطئًا شنيعًا، فتهمل ابنتها وتتركها لرفيقات السوء وللمجلات والأفلام والأسواق وما ينتج عنها من مكالمات غرامية وغير ذلك… وتنشغل الأم بعملها أو بصديقاتها ولا تنتبه لخطئها إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس.

ثالثًا: احذر أيها الأب، واحذري أيتها الأم من ترديد كلمة “أنا كنت”، فهذه طريقة عقيمة في التربية لأنها ليست واقعية أبدًا، فعجلة الزمن تدور، والأجيال تتغير تغيرًا تامًا في عشرين أو ثلاثين سنة، فكيف تقيس الأم نفسها على ابنتها؟
في السابق- في المجتمع القروي القديم- كان الجميع يربي الولد والبنت: الوالدان، الجيران، الشارع، المسجد الخ.. ولم يكن هناك فساد كالذي نراه اليوم.. ولم تكن الفتاة تتجاوز الرابعة عشرة- وربما أقل- إلا وهي في بيت زوجها.. ولم تكن الفتاة تخرج من البيت ولا تختلط بالرجال إلا نادرًا.. فهل هذا ما يحصل اليوم؟

إننا لا نستطيع أن نقيس أنفسنا على الجيل السابق لنا، ولا على الجيل اللاحق.. فلكل جيل ما يناسبه ولا يناسب غيره. إن كثيرًا من الشباب والفتيات يعيشون في أجواء شهوانية محمومة بسبب الأغاني الماجنة والأفلام الخليعة التي يسهل وصولها لهم في المجتمع المدني المفتوح.. وهذا ما لم يكن يعيشه المجتمع سابقًا في عهد أمهاتنا وآبائنا، فمتى يكف الوالد والوالدة عن ترديد هذه الكلمة “كنت”، ويحاولان تفهم مشاكل أبنائهم التي لم تكن على عهدهم؟ ولماذا لا ينتقل الآباء والأمهات من عالم الماضي إلى الواقع؟

رابعًا: ذكرنا سابقا الفرق بين نظرة الشاب والشابة للعلاقة المحرمة بين الرجل والمرأة، وقلنا إن الفتاة تبحث عن الحب، والشاب يبحث عن الجنس. وهذا يقودنا إلى سؤال، وإجابة هذا السؤال سيبين لنا أن الوالدين هما من يتحمل المسؤولية الكبرى في فساد بناتهم.. والسؤال هو:
لو كانت الفتاة تجد الحب في منزلها، فهل ستخرج للشارع وللسوق، وهل ستكلم الشباب بالهاتف لتبحث عن هذا الحب؟!
طبعا لا، إلا عند من انتكست فطرتها من الفتيات.. ولهذا نقول أن من تعف نفسها لا يشترط أن تكون ملتزمة بالدين، بل ربما تكون من أعداء الالتزام بالدين ومع ذلك تكون محافظة على شرفها.
إن مجتمعنا جاف جدًا، والعواطف قد تكون مختفية في البيوت إلا القليل منها.. وعندما تبحث الفتاة عن مكان تفرغ فيه عاطفتها فلا تجد إلا والدًا مشغولاً بعمله، ووالدة مشغولة بأعمال البيت وبزيارة الصديقات..! أفعندما تبحث عن شخص يبادلها الشعور بالحب ولا تجده في البيت، ثم تتاح لها الفرصة في إيجاد البديل في غيبة من الدين والعقل نستغرب إذا انحرفت مشاعرها عن طريقها الصحيح؟
يجب على الوالدين أن يظهرا مشاعرهما لابنتهما، وإظهار المشاعر يكون بالكلام الجميل (أحبكِ، حبيبتي، اشتقت إليكِ… الخ)، ويكون بالقُبلة واللمسة والضمّة الأبوية الحانية..
وليتأكد الوالدان أن ابنتهما إن وجدت عندهما ما يغنيها عن الحرام فإنها في مأمن من ألاعيب المعاكسين، ولا يعني هذا أنها ستكون في غنى عن الزوج.. ولكنها ستكون أكثر صمودًا أمام الإغراءات من تلك التي لم تتعود على الكلام الجميل وعلى الاهتمام بها في البيت.

وقد ضرب لنا أحد التربويين هذا المثال:
فتاة لم تتعود في بيتها من والديها إلا على الصراخ والشتائم، وعلى أحسن الأحوال السكوت المطبق والتجاهل التام لمشاعرها.. سمعت في يوم من الأيام على الهاتف عبارة غزلية رقيقة من شاب غريب لا تعرفه، ولكنها عبارة رائعة تدغدغ مشاعرها الأنثوية.. ولهذا لم تستطع أن تقاوم هذا الإغراء وبقيت لتستمع مع أنها لا تفكر أبدًا في إكمال هذا المشوار، ولكنها كانت ترتوي بعد ظمأ عاطفي شديد، فلم تكن لتترك هذا الكأس الذي مدته لها يد ذلك الشاب.. ويومًا بعد يوم توثقت صلتها به حتى جاءتها الكلمة السحرية ( أحبكِ ) بعد أيام أو أسابيع، ففتحت الفتاة الأبواب لهذا الغريب الذي عوضها عن الحب المفقود.
أما الفتـــــاة الأخرى فهي محبوبــــــة والديها: لا تراها أمها إلا وتقبلها مرة، وتضمّها مرة، وتتغزل بجمالها مرة.. وأبوها كذلك لا يقابلها إلا بالكلام الجميل الذي يعجب كل فتاة في مثل سنّها.. سمعت يومًا ما صوت الهاتف، فرفعت السماعة وإذا بكلمات الحب تنهمر عليها من أحد الشباب.. فلما انتهى قالت له: “يا أخ .. أهذا كل ما عندك؟! إن عندي في البيت أكثر من ذلك” وأغلقت خط الهاتف في وجهه.
ولهذا أقول لكما أيها الأب و أيتها الأم: لا تكونا عونًا للشيطان على ابنتكما، ولتجد منكما الحب والعاطفة قبل أن تبحث عنهما في الخارج، وإذا حصل وأن انحرفت ابنتكما، فوجها اللوم لأنفسكما أولاً.. ثم وجهاه لابنتكما ثانيًا.


تأليف أ/ أحمد بن محمد الهرفي
جامعة الإمام محمد بن سعود

قد يعجبك أيضاً ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *