حديث مع الشيخ سلمان العودة

في مقابلة نادرة و في ليلة عيد الفطر المبارك، جلس دوقلاس جل الصحفي في صحيفة النيويورك تايمز –ثاني الصحف الامريكية اهمية- مع فضيلة الشيخ سلمان العودة في لقاء امتد إلى ساعة متاخرة من الوقت، و قد نشرت المقابلة في الجريدة يوم 27 ديسمبر 2001 ، بانتقائية غير مستغربة.

و يسرنا في موقع "الإسلام اليوم" ان نخص قرائنا بالنص الأصلي العربي للمقابلة، و التي قدمت على شكل أسئلة
مكتوبة، تم الإجابة عليها كتابة أيضا كما يمكن لقرائنا الحصول على
النص الأصلي باللغة الإنجليزية من القسم الإنجليزي بالموقع. تبدا الاسئلة بسؤال يقول:

 هل تقر بجميع ما تضمنته مذكرة النصيحة التي وقعت عليها في 1992 أنت ومجموعة من العلماء ؟ وإن لم تقرّ بجميع ما فيها فما هي الأمور التي لا تؤيدها الآن ؟

ج1:لا يبدو أن هناك مشكلة تتعلق بمضمون مذكرة النصيحة لدى أي جهة منذ ذلك الوقت ، وإنما كان الاعتراض على مسألة النشر الإعلامي الخارجي .
والمذكرة هي مجموعة رؤى واجتهادات لا يفترض أن تكون حلولاً حاسمة بقدر ما هي افتتاحية لحوار جاد .

 هل ترى أن مذكرة النصيحة كان لها أثر إيجابي ؟ هل كانت المذكرة سبباً في تغيير تصرفات الحكومة في أي مجال معين ؟

ج2 : المذكرة جاءت في سياق أسباب ومتغيرات كثيرة يصعب معها القول بأن أثراً ما هو نتاج هذا السبب أو ذاك .

 ما رأيك في سبب القبض عليك ؟ هل ارتكبت جريمة ؟

ج 3: ربما كان السبب يعود إلى درجة حرارة اللغة التي كنا نعتمدها والتي أصبحت اليوم بحكم المتغيرات أمراً مألوفاً .

 هل كان عليك أن تقبل شروطاً مقابل إطلاق سراحك ؟ هل تتمتع بحرية الكلام والمخاطبة والاجتماع ؟ هل يتمتع المشايخ مثلك بحرية الكلام الكافية ؟

ج4: لقد تم إطلاق سراحنا دون شروط ، بل بتفاهم مطمئن فيما يتعلق بوضعنا المستقبلي ، ولكن الاجراءات الإدارية لحد الآن لم تمكن من إلقاء المحاضرات والدروس العامة في المساجد والمؤسسات .
أما نشاطي في المنزل المتمثل في دروس منتظمة وكذلك النشاط الإلكتروني المتمثل بصفة أساسية في موقع " الإسلام اليوم " وكذلك المحاضرات عبر الهاتف فهي تتم بصورة سليمة ، ولم نواجه فيها أي مضايقة .

 هل ترى أن الحكومة السعودية تتفق مع الشريعة الإسلامية على الوجه المطلوب ؟ وهل هناك إصلاحات تنصح بها ؟

ج5:هناك جوانب عديدة وكثيرة في الدولة والمجتمع تنطلق من الشريعة ، وتعمل بموجبها ، ولكن هذا لا يعني التوقف فالشريعة نظام يحث على نشدان الكمال ، والرقي في التطبيق والفهم .
والتدين هو العامل الأهم في وحدة البلد وأمنه واستقراره وهو المكون الأهم لشخصية الإنسان فيه ، ولذلك فإن من المهم مراجعة الصيغ المنقولة عن الغرب وتطويعها للنظام الإسلامي ، سواء في مجال الاقتصاد أو غيره .
وأظن أن تحقيق المزيد من الرقابة على المال العام ومصارفه ، وتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية ، وتحقيق المزيد من فرص التعبير الرشيد ، وإعطاء فرصة الحوار المثمر والبناء مع جميع المخلصين الذين يهمهم أمر هذا البلد .. هذا كله داعم أساسٌ للاستقرار .
وإجمالاً فكثير من الأنظمة هو جيد في محتواه ، لكن تبقى المشكلة في صيغته العملية على أرض الواقع . وهناك وعود مأمولة في الإصلاح .

 هل وجود الجنود الغير مسلمين في أرض المملكة العربية السعودية يمثل مشكلة من ناحية الإسلام ؟ هل يعتبر وجودهم اعتداء ؟ هل ترى أن الوقت قد حان لخروجهم من المملكة ؟

ج6: أعتقد أن التدخل في شؤون الآخرين ، سياسياً أو عسكرياً ، لن يكون أمراً مرحباً به لدى تلك الدول والمجتمعات لأنها تريد المحافظة على سيادتها ، وتستطيع الدفاع بنفسها عن نفسها .

 هل ترى أن الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان اعتداء على الإسلام ؟ ما واجب المسلمين في هذه الحالة ؟
هل ترى أن الذين يدعمون أو يؤيدون الكفار في هذه الحالة يصيرون بسبب ذلك كفاراً أيضاً ؟

ج7: الحملة العسكرية على أفغانستان هي اعتداء على شعب مسلم ، والمشاهد المأساوية التي رآها الناس وسمعوها هناك كأنها وقعت في كل بيت مسلم ، ولقد شعر الناس أن أمريكا تغسل الدم بالدم .
الناس يستغربون أن تتسرع أمريكا بالاتهام وتتخذ القرار وتضرب بينما هي تبحث عن أدلة . هل هناك سابقة لمثل هذا العمل ؟ ولهذا لا يستغرب تعاطف المسلمين مع الشعب الأفغاني ، ووقوفهم معه في محنته واحتجاجهم على هذه الحرب .
أن من الواجب على المسلمين أن يوصلوا احتجاجهم إلى صاحب القرار الغربي وإلى رجل الشارع أيضاً ، وألا يسمحوا بتكرار ما حدث .
أما عن تكفير أولئك الذين يشاركون في الحرب من المسلمين فإنه أمر لا بد من التفصيل فيه : فإن من يحارب المسلمين كراهية للإسلام وأهله يكون كافراً ، لكن من يحاربهم بنوع من التأويل أو الحجة ، ولو كانت غير صحيحة ، لا يلزم أن يكون كذلك .
والتكفير من الأحكام التي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التسرع فيها بدون تثبت .

 خرج آلاف من السعوديين من المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة ، وذهبوا إلى بلاد مثل الشيشان وأفغانستان والبوسنة ، هل ترى أن تصوّر أكثر هؤلاء الجهاديين للإسلام تصوّر صحيح ؟ أو هل أضلهم مضل ؟ والذين قتلوا منهم أتراهم شهداء ؟

ج8: الإسلام دين يقوم على شمولية التغيير في كل مناحي الحياة ، وهو دين يطالب المسلمين بحماية أراضيهم ومقدساتهم وطرد المستعمرين والغازين والمحتلين ، وأن ينصر بعضهم بعضاً في ذلك ، وهو في الوقت ذاته يأمر أتباعه بالجهاد للإصلاح الأخلاقي والسياسي والاقتصادي ، وهنا لا بد من التوازن بين جوانب الإصلاح الحياتية المتنوعة ، وبين المواقع والمناطق الإسلامية .
والذين ذهبوا لمساعدة المسلمين في مناطق يحتلها عدو ظالم هم راشدون واقفون إلى جانب الحق ضد الظالم المغتصب.

 ما هو الدافع الرئيسي للجهاديين ؟ هل لهم تأثير إيجابي أم سلبي للمملكة العربية السعودية وللإسلام ؟ هل ينبغي للحكومة وللعلماء أن يثبطوا عزيمة الجهاديين ؟

ج9: الدافع الرئيسي فيما أحسب هو الحماسة الدينية والشعور بالقهر ، وملاحظة التخلي العالمي ، بل التواطؤ العالمي ، ولك أن تسأل : كم مرة استخدمت أمريكا حق الفيتو لصالح المسلمين ، وكم مرة استخدمته لصالح إسرائيل ؟
إن الانحياز الأمريكي السافر لإسرائيل ليس موضع جدل بين المسلمين حتى لو كانوا من أصحاب الاتجاهات التغريبية ، ولكن يبدو أن صناع القرار الأمريكي غير قادرين على تصور هذا الانحياز ، أو غير قادرين على تصوّر أثاره البعيدة في نفسية العرب والمسلمين ، أو غير قادرين على تعديل هذه السياسة .
إن الإنسان المعتدل يدرك أن الحصول على مطالبه بالوسائل السياسية هو الأفضل ، لكن قد يجد هذه القنوات مغلقة أو يجد أنها تحولت إلى متاهات واستنزاف للوقت .
أما أولئك الذين يذهبون لمقاومة المحتل ونصرة المظلوم في المناطق الإسلامية فكانوا يجدون الدعم والتشجيع من الدولة ومن العلماء ومن المجتمع ، وكان من المناسب جداً استيعابهم في المؤسسات المدنية بعد زوال الأزمة .

 أي أفكار مما يعلنها أسامة بن لادن وجدت القبول عند بعض السعوديين ؟

ج10 : ربما كانت فكرة رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني تضرب على وتر حساس لدى أي مسلم ، وإذا لم يستطع المرء أن يعبر عن حقيقة تعاطفه وتأييده بشكل واضح فسيكون مسروراً بوجود من يؤدي هذه الرسالة عنه ، بغض النظر عن الأمور الأخرى .
إن ظلم الفلسطينيين محور فاعل ومؤثر وحاضر في معظم التفاعلات التي تقع في ديار الإسلام ، والكل يتساءل : ماذا تستفيد أمريكا من انحيازها لإسرائيل ؟

 إذا قتل أسامة بن لادن كيف سيذكر فيما بعد ؟ هل ترى أنه قد نجح في بعض أهدافه ؟ إذا قبض عليه هل ترى أن الأفضل أن تتم المحاكمة في الولايات المتحدة أو في دولة أخرى غير إسلامية أو في دولة مسلمة ؟

ج11: التاريخ عادة يكتبه الأقوياء المنتصرون .
لقد قاتل ابن لادن السوفيت في أفغانستان طويلاً وكان أحد صناع هزيمتهم، ووقتها كان الأمريكان مغتبطين بما يحدث ، وإن كنت لا أرى المبالغة في وصف الدور الأمريكي في أفغانستان أيام الغزو السوفيتي .
ثم قاتل الامريكيين في الأرض ذاتها ، ولكن في ظروف مختلفة ، ويبدو أنه تبعاً لذلك اختلفت النتائج .
لقد كتب منتصراً التاريخ الأول ، فهل تكتب أمريكا التاريخ الثاني ؟
أما عن المحكمة : فلا أشك أن محاكمة إسلامية في دولة إسلامية هي الخيار الأمثل .. ولست أدري هل تقبل الولايات المتحدة أن يحاكم أحد رعاياها في دولة أخرى ؟
والأكثر أهمية هو عدالة المحاكمة ، فإن النزاهة غير مضمونة في ظل التوتر النفسي والتشبع العاطفي ضد الشخص المتهم .