بسم الله الرحمن الرحيم
احبتى فى الله اعرض اليوم عليكم تجربة خاصة لم امر انا بها ولكن مرت بها اعز الناس على قلبى وهى اختى الكبرى نسرين كان ذلك منذ نحو اربعة عشر عاما كنت انا فى الصف الاول الاعدادى وكانت اختى نسرين فى الصف الثالث الثانوى ولكنى اتذكر فصول القصة كانها تمر امام عينى الان.
ولكن اسمحوا لى ان اعود بكم الى ابعد من تلك السنوات الاربعة عشر ساعود بكم الى نسرين الطفلة المتميزة بذكائها *** والتزامها بفروض صلاتها *** ونضج افكارها *** عمن فى مثل عمرها فقد كانت نسرين تحرص على قراءة الجريدة يوميا وهى لا تزال فى المرحلة الابتدائية وكانت تقراها بطلاقة وتعى ما تقرا ويمكنها ان تناقش من حولها ممن هم اكبر منها بكثير فكان اقرباؤنا عندما يتحدثون معها يقولون لابى ابنتك ليست بنت عادية والله انها لفتاة ناضجة ربما فى العشرين من عمرها.
وقد كان حلم نسرين منذ نعومة اظافرها ان تصير طبيبة والحمد لله كانت الاسبق دائما بين زملائها فكانت الاولى على مدرستها فى المرحلة الابتدائية والاعدادية وكانت تنعم بحب واحترام اساتذتها لها وجاءت مرحلة الحسم *** وقفت امام بوابة تحقيق حلمها التى تريد ان تعبر منها بثبات نحو كلية الصيدلة فكانت فى الصف الثالث الثانوى فتاة ملتزمة كعادتها ملتزمة فى مدرستها وملتزمة باستذكار دروسها والى جانب ذلك كانت تحرص على مساعدة والدتى فى اعمال المنزل دون ان يؤثر ذلك على استنفاذ بعض الوقت بعيدا عن المذاكرةومر النصف الدراسى الاول بسلام وعلى ما يرام.
ولكن دوام الحال من المحال *** فجاة ودون سابق انذار تصاب اختى الغالية بفيروس لم يعرف الاطباء مصدره اوسببه هاجم الفيروس اعصابها وتسلل الى جسمها بسرعة مخيفة وكان تاثيره ان اختى لم تعد تستطيع الحراك او الجلوس الا لبضع دقائق معدودة ثم تشعر بالام رهيبة تجعلها تستلقى على ظهرها وبدات رحلة العلاج وتناول العقاقير وممارسة جلسات العلاج الطبيعى ومع ذلك كله لم نلمس اى تحسن فى صحتها بل بالعكس كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم وبقدر ما يكون المرض محنة بقدر ما هو نعمة وابتلاء من الله يصيب به احبته فالبرغم من كل تلك الالام التى كانت تشعر بها وعدم قدرتها على الحركة الا انها كانت ملتزمة باداء فروض صلواتها وهى مستلقاة على ظهرها وكانت والدتى الحانية تساعدها فى الاستذكار فكانت تمسك لها الكتاب وهى تقرا وتستذكر وهى مستلقاة على ظهرها وحينما تذهب لاداء اختبار فى احد المواد الدراسية كانت تصطحب معها اختنا الوسطى لكى تكتب لها فى الاختبار ولا تزال الالام مستمرة بل تزداد يوما بعد يوم الى ان اكتشفنا انها لم تكن تتناول العقاقير الطبية المناسبة وان جلسات العلاج الطبيعى زادت من التهاب الاعصاب لديها ومر النصف الثانى من العام الدراسى بالامه وصبر اختى وتحديها للمرض وايمانها الشديد بقدرة العلى القدير بانه لا يضيع اجر المحسنين وقبيل بدء الامتحانات اجرى ابى عدة محاولات لكى تتمكن نسرين من اداء الامتحانات فى لجنة خاصة وتكتب لها اختنا الوسطى التى كانت فى الصف الثانى الثانوى نظرا لان نسرين لم تكن تستطيع الجلوس او الكتابة الا لبضع دقائق فكيف يمكن لها ان تجتاز اختبار لمدة ثلاث ساعات متواصلة ولكن للاسف باءت جهود ابى بالفشل نظرا لانه من شروط اللجنة الخاصة ان من يكتب عن الطالب لابد ان لا يتعدى المرحلة الابتدائية فكيف يمكن لطالب فى الابتدائية ان يكتب ما تمليه عليه اختى وبالسرعة المطلوبة الى جانب بعض المواد العلمية التى تقتضى بعض الرسومات وعاد ابى وكله حزن على غاليته وكيف يواجهها بانه بالرغم من تحديها للالام والتزامها بالمذاكرة والدروس انه لا يمكن لها ان تؤدى الامتحانات وسط ذلك كله وبالفعل فاتحها ليلة اول امتحان لها بفكرة تقديم اعتذار عن اداء الامتحانات ذلك العام على ان تؤديها العام المقبل بمشيئة الرحمن بعد ان تتماثل للشفاء ولكن نسرين انهارت امام تلك الفكرة التى رفضتها بقوة وقالت والله لن يثنينى المرض عن تحقيق حلمى وساجتاز الامتحانات والله خير ولى وخير نصير ولن يضيع اجرى فهو العالم بحالى وهو من ابتلانى والقادر على تثبيتى وبالفعل اصطحب ابى نسرين صبيحة اول يوم للامتحانات لاداء امتحان اللغة العربية ولكن بعد ان تناولت نسرين جرعة من العقاقير المسكنة تكفيها لمدة ثلاث ساعات هى فترة الاختبار وكان ابى ينتظرها خارج باب المدرسة والقلق يعتصره ويشعر بين اللحظة والاخرى انه سياتى شخص يقول له تعال لتاخذ ابنتك انها لا تستطيع ان تواصل ولكنه هو الله الرؤوف الرحيم بعباده فانتصرت اختى على الالم وواصلت الاختبار لمدة ثلاث ساعات متواصلة وبقدر فرحة ابى بقدر قلقله فلم تنته الاختبارات بعد وان كانت نسرين قد صمدت ذلك اليوم فهل تستطيع ان تصمد الى نهاية الاختبارات وانتهى الاختبار وخرجت نسرين بعده وقد عاودتها الالام مرة اخرى نظرا لانتهاء مفعول العقاقير المسكنة واصطحبها ابى الى البيت وسط قلقنا الشديد عليها وهل تمكنت من الصمود والمثابرة ام لا واستلقت مرة اخرى على ظهرها ووالدتى تساعدها فى المذاكرة ومرت الاختبارات على هذا النحو.
ولا اخفى عليكم بان تلك الفترة كانت من صعاب الفترات التى مرت على بيتنا الدافئ الذى ينعم بالحب والسكينة بين افراد اسرته ولم ينته قلق ابى او قلقنا فعلى الرغم من اجتياز نسرين للاختبارات لكن يبقى سؤال
هل اجتازتها بالتفوق المطلوب لتحقيق حلمها والالتحاق بكلية الصيدلية ؟
وانتظرنا لحظة اعلان نتيجة الثانوية العامة وكانت المفاجاة بل لم تكن مفاجاة بقدر ما كانت لحظة شكر وايمان اكبر برحمة العلى القدير وانه لا يضيع اجر المحسنين فكانت الطالبة نسرين بالرغم معاناتها الشديدة مع المرض هى* الاولى على المدرسة * *** حق اصدق هذا ام خيال؟ *** لا والله انه صدق برحمة رب العالمين ولا استطيع ان اصف لكم مدى الفرحة التى غمرت بيتنا الذى طالما خيم عليه الحزن الفترة التى تسبقها والحمد لله جاءت نتيجة التنسيق وتحقق الحلم والتحقت نسرين بكلية الصيدلة.
ولم تكن تلك النهاية فلا تزال الالام مستمرة وجاء العام الدراسى المقبل الذى طالما انتظرته اختى منذ الصغر ذلك العام الذى تخترق فيه اسوار الجامعة بثبات متجهة نحو مبنى كلية الصيدلة واصطحبها ابى الى المدينة الجامعية واول يوم فى الدراسة ثم تركها وعاد الى محافظتنا التى تبعد ساعتين عن المحافظة التى التحقت نسرين بجامعتها وبعد مرور اسبوع اتصلت نسرين بوالدى واخبرته بانها لا تستطيع ان تواصل الالتزام بالمحاضرات والوقوف لمدة ساعات فى المحاضرات العملية وذهب ابى اليها مرة اخرى واتخذ القرار بانه لا مفر من تقديم اعتذار عن ذلك العام الدراسى ووافقت نسرين وعادا الى البيت .
وبدات رحلة العلاج من جديد ولكن مع طبيب اخر وهو الدكتور امل توفيق والذى كان له كل النصيب فى اسمه فقد اعطانا الامل وانعم الله علينا بالتوفيق فى علاجه وكان الدكتور امل يتعامل مع نسرين كابنه وليس كمريضة ومنذ بداية العلاج الحمد لله لمسنا تحسننا ملوحظا لم نلمسه من قبل طيلة العام الماضى والتزمت نسرين بالعلاج الى ان تماثلت تماما بقدرة الجبار الذى يجبر خاطر عباده الى الشفاء والتحقت بكليتها مرة اخرى العام المقبل والحمد لله تخرجت بتفوق وتمتلك الان صيدلية خاصة بها وتزوجت بالدكتور محمد وانعم الله عليهما من البنين بالطفلين عمر واحمد ادعو الله العلى القدير ان يجعلهما قرة اعين لى ولوالديهما وان يكونا من الذرية الصالحة.
واسال الصحة والعافية للجميع والثبات والايمان بقدرة الخالق والصبر عند الابتلاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الروابط المفضلة