قال تعالى
(ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها).الشمس(6,7الأيات)
النفس البشرية ... ذلك اللغز الكبير الذى احتار
العلماء فى حله ، فلا هى تخضع للقياس
بمقاييس البشر ، ولا تستطيع أن تمسك
بها لتحللها ، وتكشف سرها . ومن أدق أسرار النفس ذلك الشعور الذى
يكتنف بني البشر فيحيل الطمأنينه إلى قلق
وحسرة وحقد ! :أنه شعور الغيرة الذى ينطلق
فى النفس كالنار فى الهشيم فلا يترك أخضر
ولا يابسا ،ويحيل حياة صاحبه جحيما إن لم يتدارك نفسه ويدفع غيظ قلبه
ويتساءل البعض لم يشعر الإنسان
بالغيرة ؟؟ ولماذا خلق الله فينا هذا الشعور
من البداية
وجواب ذلك: أن النفس البشرية قد جبلت على
حب الرفعه ، فلا تحب أن يعلوها جنسها ، فإذا علا
عليها شق عليها ذلك وكرهته وأحبت زوال ذلك
ليقع التساوى
، ولأن ليست كل الغيرة مذمومه
فقد جعلها الله فى بنى ادم لتدور عجلة الحياة
ويرقى الجنس البشرى ,, فالغيرة رغم مساوئها
إلا انها تدفع إلى التنافس فى الدنيا والآخرة أيضا ،
فالإنسان قد يغار من نجاح أحدهم فيتحمس
لذلك ،وتثور نفسه فيخلق المعجزات وقد يتفوق
على من سبقه ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون).
والله عز وجل عندما خلق فينا الغيرة فقد وضع
ضوابطها , فأرسل رسوله بالهدى المبارك
ليقطع الطريق على النفس الأمارة بالسوء ،
فقد قال النبى الكريم بأبى هو وأمى (عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم) :
(لاتباغضوا ,ولا تقاطعوا , ولا تحاسدوا , ولا تدابروا ,كونوا عباد الله إخوانا) اخرجه مسلم
تصبح الغيرة نارا تأكل صاحبها إذا أعاقت صاحبها عن الاندماج فى
الحياة وأوصلته إلى الحقد والحسد . فإذا تمكنت منه حركت جوارحه
ليرتكب ابشع الجرائم على وجه الأرض (القتل) وكلنا سمع ورئى وشاهد كثيرا من
الجرائم التى كان الدافع وراءها الغيره ,فمن منا لم
يتابع القضيه التى هزت الرأى العام بين اثنين
من رجال الاعمال فى فندق شهير من فنادق
القاهرة حيث قتل أحدهما الأخر بدافع الغيره
والحقد , وأخر مسكين قتله خطيب زوجته
السابق بدافع الغيره ليس إلا ... وحدث ولا حرج عن حالات الطلاق
التى تحدث بسبب غيرة الأم من زوجة ابنها !!!
وعن الجيران الذين يكرهون لبعضهم بعضا الخير بلا سبب إلا
الغيرة !!! ولا زلت أتذكر الجريمه البشعه التى هزت مدينتنا الهادئه
حين قتلت امرأه طفلة جارتها الصغيرة غيرة وحسدا !!!!
ولماذا نذهب بعيدا ؟؟ أو ليست أول جريمه فى
التاريخ كان دافعها الغيره والحقد ؟ ألم يغار قابيل فقتل أخيه هابيل ثم
أندلع الحزن فى قلبه فأحرقه الندم ؟؟
وأخوة يوسف عليه السلام ألم يخبرنا الله تعالى في محكم التنزيل
بخبرهم و ماذا فعلت الغيره بهم ؟؟
قال تعالى (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن
أبانا لفى ضلال مبين*اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم
وتكونوا من بعده قوما صالحين)يوسف 9
ولهذا يدعوا المخلصين المؤمنون بهذا الدعاء الصادق .... قال تعالى :
(ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم),الحشر 10
نعم , فالغل والغيرة وجهان لعملة واحدة يغذيهما النظر لما فى أيدى
الناس وعدم الرضا عن الله عز وجل.
وعلاج ذلك :
* أن يعلم من شعر بهذا الشعور أن من غار منه ليس له فضل فى
نفسه إنما هو عطاء من ربه سواء كان (مال , جمال , أولاد , رفعه)
(ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) فهو ليس له حول ولا قوة ,إنما هو
رزق من العلى القدير. -أن يتذكر نعم الله التى من عليه بها,فتذكر
النعمه يبعث على الشكر والرضا بما قسمه الله له.
* أن ينظر دائما إلى من هو أقل منه فى الدنيا
,فيرى مقدار ما أكرمه الله به من نعم ,ويدفع عنه الخاطر بالذكر والدعاء لمن
رأى فى نفسه الغيره منه ,ولا بأس من أن يدعو لنفسه بالخير ..
وفى النهاية تأملوا معى هذه الأيه قال تعالى :
(ونزعنا ما فى قلوبهم من غل إخوانا على سرر متقابلين
*وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله) الحجر 47
نعم صدق ربى جل وعلى,فكل هذه المشاعر البغيضه لن نجدها فى الجنه
حيث الرضا كل الرضا, فمن تغلب على نفسه ونزع منها الغل فى
الدنيا .. إنما هو من أهل الجنه يمشى على الأرض ،
رزقنا الله وأياكم الجنه بغير حساب ولا سابقة عذاب
اللهم أمين والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .
الروابط المفضلة