الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة:281]
أيها المسلمون:
كان ذاك شيئا من تاريخ غدر النصيريين بالمسلمين في القديم، وأما في العصر الحديث فبعد سقوط الدولة العثمانية،
واحتلال فرنسا للشام انضم النصيريون إليهم، وكانوا عيونا لهم على المسلمين،
ورفعوا عريضة للمحتل الفرنسي جاء فيها: هل يجهل فرنسيي اليوم أن حملات الصليبيين ما كان لها أن تنجح،
وما كان لحصونها أن تبقى إلا في القسم الشمالي الشرقي من سوريا أي في بلاد النصيرية..
إننا أكثر الشعوب إخلاصا لفرنسا.
وكافأهم الفرنسيون بدولة أقيمت لهم في عشرينيات القرن العشرين سميت الدولة العلوية دامت ثلاثين سنة،
ولما انتصر المسلمون في الشام على الاستعمار وأثخنوه بالجراح، وهم بالخروج؛
استمات النصيريون أن تبقى لهم دولتهم لكن الاستعمار الغربي لما رأى كفاءتهم في الغدر والخيانة وإلحاق الأذى بالمسلمين
أراد أن يسلمهم الشام كلها وهو ما لم يكن بحسبانهم، فهيأ الاستعمار ذلك،
وتسلق النصيريون إلى حكم سوريا عبر سلم حزب البعث الاشتراكي العلماني،
فلما تمكنوا ذاق المسلمون منهم في داخل سويا أشد العذاب، وفي خارجها الغدر والخداع.
وقبل ست وثلاثين سنة من الآن، حين كانت الحرب الأهلية في لبنان على أشدها،
ودحر الفلسطينون وسنة لبنان الكتائبيين وأعوانهم من الموارنة تدخل الجيش السوري النصيري ليسحق سنة لبنان مع الفلسطينيين،
وقتل من المسلمين خمسين ألفا، وبعدها بأشهر تآزر اليهود مع النصيريين والموارنة على الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر،
ودخله الموارنة بعد دكه بالمدافع النصيرية، فذبحوا الأطفال والشيوخ، وبقروا بطون الحوامل،
وهتكوا أعراض الحرائر، فكانت حصيلة المذبحة ستة آلاف، ودمر المخيم بأكمله.
وكان تدخل النصيريين في لبنان انتهاكا لسيادته لكن لأن المهمة كانت ذبح الفلسطينيين وأهل السنة في لبنان سكت عنها العالم الحر،
ورحب بها اليهود مع أنهم يظهرون عداوتهم لما يسمى بدول التصدي، ووقتها قال زعيم اليهود رابين:
إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع البعث السوري من التوغل في لبنان، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين،
وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين،
فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحقة بالنسبة لنا.
ومما نقله القادمون من بيروت آنذاك أن الأوغاد كانوا إذا اعتدوا على كرامة الأبكار من الفتيات
تركوهن يعدن إلى أهلهن عاريات كيوم ولدتهن أمهاتهن.
ووقتها طلب الفلسطينيون المحاصرون في لبنان فتوى من علماء المسلمين تبيح لهم أكل جثث الموتى بعد أن أكلوا القطط والكلاب،
وأطعموها أسرهم.
وبعد هذه المذبحة بخمس سنوات تقريبا نفذ النصيريون مذبحة في سجن تدمر بخيرة شباب أهل السنة
ممن يحملون الشهادات العليا فأبادوهم جميعا في نصف ساعة وكان عددهم زهاء سبع مئة شاب.
وفي صيف ذلك العام كان النصيريون يجوبون الشوارع فينزعون حجاب العفيفات بالقوة
حتى كتبت صحفية سويسرية رأت ذلك: إن عملية الاعتداء على المحجبات في سوريا هي إحدى الطرق التي يحارب بها الأسد الإسلام.
ثم بعد عامين فقط كانت مذبحة حماة أبشع مذبحة في التاريخ المعاصر؛
إذ حوصرت بالمدرعات والدبابات، وقطعت عنها الكهرباء والمياه، ودكت دكا شديدا،
حتى أبيدت عشائر كاملة بالمئات لم يبق منها فرد يحمل اسمها، ثم اقتحمها النصيريون فاغتصبوا النساء،
ونحروا الأطفال، وأبادوا الرجال، فكان القتلى زهاء أربعين ألف نفس، واعتقل خمسة عشر ألفا من خيرة الشباب أعدم جلهم بعد ذلك..
مذابح في إثر مذابح، وعذاب مهين لقيه كرام أهل الشام خلال أربعين سنة، فيا لله العظيم ما أعظم نكبتهم!
وما أفدح مصيبتهم، وما أشد خذلان المسلمين لهم..
ومنذ أشهر ثمانية وأهل الشام يبادون، ويساق شبابهم إلى معتقلات التعذيب والإبادة،
وتغتصب نساءهم، ومنهن كثيرات حُبليات،
وصرخت إحداهن في المسلمين تقول:
لا نريد أي معونة سوى حبوب منع الحمل،
فأي عار لحق أمة محمد صلى الله عليه وسلم، سيدون في هذه الحقبة من التاريخ بمداد العجز والخذلان..
بمداد الذل والعار.. بمداد الخزي والهوان.. ولنسألن يوم القيامة عنهم فاللهم خفف عنا الحساب،
وأرفع عن إخواننا العذاب.
اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوة المسلمين، وقلة حيلة المستضعفين،
وهوانهم على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربنا إلى من تكل إخواننا،
إلى بعيد يتجهمهم أم إلى عدو ملكته أمرهم، اللهم لا نصير لهم إلا أنت، فقد خذلهم العالم كله، وأسلموهم إلى عدوهم.
اللهم الطف بهم وارحمهم وأنزل السكينة والأمن والثبات على قلوبهم، وزلزل بالرعب قلوب أعدائهم يا رب العالمين.
اللهم ضعف الناصر إلا بك، وقلت الحيلة إلا بك، وانقطعت حبال الرجاء إلا حبل الرجاء فيك..
اللهم فلا تخذلنا في دعائنا كما خذلنا إخواننا، فأنت الرب الكريم،
ونحن العصاة العبيد، فعاملنا بكرمك وجودك، واستجب دعاءنا في إخواننا، وأغثهم بنصرك فلا مغيث لهم سواك، ولا ناصر لهم إلا إياك، يا رب العالمين..
ربنا ورب كل شيء ومليكه ارفع البلاء عن إخواننا، وأنزل رحمتك عليهم..
ارحم ربنا أطفالا تذبح لا حول لهم ولا قوة، وارحم نساء تغتصب لا حافظ لهن إلا أنت، واحفظ رجالا ضاقت عليهم بلاد الشام بما رحبت،
اللهم صن أعراض العفيفات، واحفظهن من لئام الرجال، وصن دماء المسلمين، وفرج كربهم، وانصرهم على عدوهم.
اللهم أرنا في النصيريين وسائر الباطنيين حيلك وقوتك، وأنزل بهم بأسك، اللهم اكسر شوكتهم،
ونكس رايتهم، وأعدهم إلى الذل والهوان كما كانوا،
وانصر أمة محمد عليهم، اللهم اشف صدور المؤمنين منهم،
يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا سميع يا قريب يا مجيب.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
الروابط المفضلة