زغلول النجار غني عن التعريف
وهو مفخرة للمسلمين في هذا الزمان
فماذا قال في الألوان
الألوان والنور والظلام
الأصل في الكون هو الظلام وأن نور النهار القادم مع أشعة الشمس, وأشعتها المنعكسة نورا من علي سطح القمر, وأضواء النجوم المشتتة نورا في ظلمة الليل هي من نعم الله تعالي علي أهل الأرض, وإن بقي ضوء الشمس هو أهم تلك المصادر جميعا, فبدونها ما كانت الحياة علي الأرض ممكنة لأنها مصدر الدفء والنور والحياة علي هذا الكوكب.
والشمس عبارة عن كتلة هائلة من غاز الهيدروجين الذي أداره الله( تعالي) حول ذاته, فكدسه تكديسا شديدا مما رفع درجة حرارته إلي ملايين الدرجات المئوية, فبدأت بين نوي ذراته عملية اتحاد تعرف باسم عملية الاندماج النووي تتحد فيها أربع نوي من نوي ذرات الهيدروجين لتكون نواة واحدة من نوي ذرات الهيليوم وتنطلق الطاقة التي تقدر بنحو4,6 مليون طن في كل ثانية.
وقدر الله( سبحانه وتعالي) كمية الطاقة التي تصلنا من الشمس بتحديد بعد الأرض عنها.
وأشعة الشمس تصلنا علي هيئة موجات كهرومغناطيسية مكونة من سلسلة متصلة من مجموعات تلك الأمواج التي لا تختلف إلا في تردداتها أو أطوال موجاتها الذي يمتد بين نحو السنتيمتر الواحد وعدة كيلومترات بالنسبة للموجات الراديوية, وبين جزء من عشرة آلاف مليون من المتر وجزء من مليون مليون جزء من المتر10-12 بالنسبة لأشعة جاما, وبين هذين الحدين تمتد الأشعة تحت الحمراء بعد أشعة الراديو, ثم أطياف الضوء المرئي, ثم الأشعة فوق البنفسجية, ثم الأشعة السينية التي تأتي قبل أشعة جاما مباشرة, ويمتد الطول الموجي لهذه الأشعات الوسطي بين10+10,2-2 ميكرون( والميكرون جزء من مليون جزء من المتر).
وأغلب أشعة الشمس هي أشعة غير مرئية, بالنسبة لعين الإنسان, والجزء الذي تستطيع عين الإنسان رؤيته جزء ضئيل للغاية لا يكاد طول موجته أن يتعدي الميكرون الواحد, وتميز عين الإنسان في هذه الحدود من الأطياف سبعة هي الأحمر, والبرتقالي, والأصفر, والأخضر, والأزرق, والنيلي, والبنفسجي وهي نفس الألوان التي تميز قوس قزح الذي يزين السماء الصافية بعد سطوع الشمس في يوم مطير, والطيف الأحمر هو أطول موجات الطيف المرئي وأقلها ترددا, بينما الطيف البنفسجي هو اقصرها واعلاها ترددا وهذه الأطياف السبعة بتردد انعكاسها وتشتتها علي هباءات الغبار وقطيرات الماء وجزيئات الغاز التي تكون الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض تعطي لهذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض المحيط بنصف الكرة الأرضية المواجهه للشمس( إلي ارتفاع مائتي متر فوق مستوي سطح البحر) نور النهار الأبيض الناصع. والواقع أن بالطيف المرئي أعدادا لا نهائية من الألوان المتدرجة في التغير, وإن كانت عين الإنسان لا تستطيع التمييز منها إلا علي هذه الألوان السبعة فقط, وبدرجات متفاوتة من فرد إلي آخر.
والألوان الرئيسية الثلاثة من الطيف المرئي هي الأحمر, والأخضر, والأزرق, والتي بخلطها بنسب متعددة يمكن الحصول علي اعداد لا حصر لها من الألوان, وبإضافة اللون الأصفر إليها ينتج اللون الأبيض, وكذلك الألوان الثلاثة الأحمر, والأصفر, والأزرق وهي الألوان الرئيسية الثلاثة للأصباغ والتي إذا خلطت بنسب محددة فإنها تعطي اللون الأسود, وألوانا وسطي عديدة منها الأحمر المائل إلي الزرقة(Magenta), والأخضر المائل إلي الزرقة(Cyan).
الألوان والإبصار
يكون نور النهار الأبيض الناصع من عدد هائل من الأطياف التي تستطيع عين الإنسان تمييز سبعة منها أطولها الطيف الأحمر الذي تبلغ طول موجته(0,0007-- مم) وأقصرها البنفسجي ويبلغ طول موجته(0,0004 مم), وحول حدود الضوء المرئي توجد الأشعة تحت الحمراء التي لا نراها ولكن ندرك حرارتها, وكذلك الأشعة فوق البنفسجية وهي أيضا أشعة غير مرئية, ولكن لطاقاتها العالية فإنها تفكك الروباط بين جزيئات المادة ولذلك تتسبب في العديد من سرطانات الجلد, والتهابات العيون, ولذلك سخر الله( تعالي) لنا صبغة الميلانين لحماية الجلد من هذه الأشعة الضارة عند التعرض لأشعة الشمس علي مدي ساعات طويلة, فتلون البشرة بالألوان المائلة إلي الاسمرار.
وتستطيع عين الإنسان, وعيون بعض الحيوانات رؤية الألوان. ولذلك جاء الخطاب موجها إلي الإنسان في الآية الكريمة التي نحن بصددها والتي يقول فيها ربنا تبارك وتعالي مخاطبا ذلك المخلوق المكرم:
وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون.( النحل:13)
ويرجع الفضل في ذلك إلي الله الخالق( سبحانه وتعالي) الذي بطن تجويف العين بطبقة حساسة للضوء تعرف باسم شبكية العين وبهذه الطبقة نوعان من المستقبلات للضوء علي هيئة خلايا دقيقة جدا بعضها عضوية والأخري مخروطية الشكل, ويوجد في شبكية العين الواحدة(120 مليون) خلية عضوية و(7 ملايين) من الخلايا المخروطية. وتركز عدسة العين الشعاع الساقط عليها فوق تلك الخلايا المكونة للشبكية الحساسة للضوء. والخلايا العضوية تفرق بين اللونين الأبيض والأسود, وتعمل بكفاءة عالية في النور الخافت ولذلك تستخدم للرؤية في الليل, أما الخلايا المخروطية فتعمل في النور الساطع ولذلك تستخدم للرؤية في النهار.
ويري بعض علماء البصريات وطب العيون أن قدرة الإنسان علي رؤية الألوان راجع إلي وجود ثلاثة أنواع من هذه الخلايا المخروطية, يحتوي كل منها علي صبغة حساسة للون واحد فقط من الألوان الرئيسية الثلاثة: الأحمر, والأخضر, والأزرق, وباختلاط نسب محددة من هذه الألوان الثلاثة يمكن إنتاج أي لون آخر من الألوان التي تدركها عين الإنسان.
ولكن كيف يفسر المخ الألوان المرئية لا يزال أمرا غامضا تماما, وإن كان يعتقد بأن كل مجموعة من الخلايا المخروطية تنتهي إلي خلية عصبية مزدوجة القطب تجمع الإشارات من خلاياها المخروطية وترسلها إلي مركز الإبصار في المخ عبر عصب واحد, فيبني المخ صورة واحدة من تلك الإشارات العصبية المجمعة, وإذا حدث خلل ما بالخلايا المخروطية ينتج عن ذلك مرض يعرف باسم عمي الألوان.
وعين الإنسان لا تري الأشعة تحت الحمراء بينما تراها عين الثعبان, وتشير الإحصائيات إلي أن8% من الرجال, و10% من النساء لا يستطيع التمييز بين الألوان الثلاثة: الأحمر, والأخضر, والرمادي, وأن غالبية الأنعام( من مثل البقر) لا تري ألوان الطيف المرئي علي الإطلاق, وكذلك الأحصنة, والقطط, والكلاب, وعين النحلة تري الأشعة فوق البنفسجية التي لا يراها الإنسان, ولكنها لا تستطيع أن تري من أطياف الضوء المرئي إلا اللونين الأصفر والأزرق فقط, بينماكل من الطيور والأسماك والزواحف لها قدرة هائلة علي تمييز الألوان, أما الحيوانات التي ليست لها هذه القدرة فقد عوضها الله( تعالي) بتنمية حواسها الأخري من مثل السمع والشم لتستعيض بها عن حاسة الإبصار.
والنباتات الخضراء تبدو بهذا اللون المبهج الجميل لأنها تمتص كل أطياف النور الأبيض ما عدا الطيف الأخضر الذي تعكسه واذا جف ويبس بدي باللون الأصفر, وهو الطيف الوحيد الذي يعكسه, أما ثماره وازهاره فقد اعطاها الله( تعالي) القدرة علي عكس قدر هائل من الألوان المبهجة التي تسر الناظرين, وكذلك فإن جميع الأشياء التي نراها لا نعرف لونها الحقيقي لأننا لا نري إلا الطيف المنعكس منها, وهذا جانب من جوانب الغيب الذي لم يستطع حس الإنسان الوصول إليه بعد, وذلك لأنه عندما يسقط الضوء علي جسم, ما فإنه يمتص قسما من الطيف المرئي, ويعكس الباقي الذي يتحد مع بعضه البعض ليعطينا اللون الذي نري به ذلك الجسم, فإذا امتص الجسم جميع أطياف الضوء المرئي فإننا نراه أسود, وإذا عكسها جميعا فإننا نراه أبيض, وحقيقة اللون في الحالين غير معروفة لنا تماما.
وكذلك الألوان في مختلف العناصر, والمعادن, والصخور, وفي مختلف المخلوقات من أدقها إلي أكبرها, وفي مختلف الأوساط والبيئات الأرضية والمائية والهوائية, وتحت مختلف المناخات. في الصحاري والقفار, وفي الغابات الاستوائية, وفوق قمم الجبال وفي السهول والمنخفضات الأرضية, وفي المناطق القطبية المتجمدة وفي المناطق الاستوائية الحارة الرطبة, في كل ذلك تتعدد الألوان لتملأ الأرض تنوعا وتعددا وجمالا فطريا خلابا, ولولا ذلك لكانت الحياة كئيبة شاحبة, لا تدخل في العين بهجة ولا علي القلب انشراحا. لذلك جاءت الإشارة في هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها إلي نعمة الألوان في الأرض, وإلي ما تحتويه من أسرار الغيب, وإلي القدرة الإلهية المبهرة في خلق خاصية الأشياء في التعامل مع الأشعة الضوئية وانعكاس الألوان من أسطحها, وخلق حاسة الإبصار عند الإنسان بهذا القدر الهائل من التعقيد, وإعطائها القدرة علي التمييز بين الألوان إمتاعا للإنسان وإدخالا للبهجة علي قلبه وفي حياته, ولذلك قال( عز من قائل):
وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون( النحل:13)
وما كان لأحد في زمن الوحي( منذ أكثر من أربعة عشر قرنا مضت), ولا في القرون المتطاولة من بعده إدراك لشيء من هذه المعارف والعلوم التي أكدت طبيعة الألوان, وأهميتها للحياة, والمعجزة الإلهية في بناء حاسة الإبصار وإعطائها القدرة علي إدراك الألوان, وتمييزها حتي يمتن علينا بها ربنا( تبارك وتعالي) وهو صاحب الفضل والمنة ـ ويجعل منها آية مؤكدة للذين يتأملون في خلق الله بعين البصيرة والتدبر فيشهدون للخالق( سبحانه وتعالي) بالألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد), ثم يقرأون هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها وغيرها من آيات هذا الكتاب الحكيم فيشهدون بأنه كلام الله الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) دون أن يضاف إليه حرف واحد, أو أن يحذف منه حرف واحد علي مدي يزيد علي الأربعة عشر قرنا وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها, ويشهدون للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة, فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, والحمد لله رب العالمين.
الروابط المفضلة