بسم الله الرحمان الرحيم
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
صدق الله العظيم
يخبر تعالى عباده المسرفين "أي: المكثرين من الذنوب" بسعة كرمه
ويحثهم على الإنابة, قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال: " قُلْ " يا أيها الرسول ومن قام مقامه, من الدعاة لدين اللّه, مخبرا للعباد عن ربهم: " يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ " بإتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب, والسعي في مساخط علام الغيوب. " لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ " أي: لا تيأسوا منها, فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة, وتقولوا قد كثرت ذنوبنا,وتراكمت عيوبنا, فليس لها طريق يزيلها, ولا سبيل يصرفها, فتبقون بسبب ذلك, مصرين على العصيان, متزودين ما يغضب عليكم الرحمن. ولكن اعرفوا ربكم, بأسمائه الدالة على كرمه وجوده. واعلموا " إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا " من الشرك, والقتل, والزنا, والربا, والظلم, وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. " إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " أي, وصفه المغفرة والرحمة, وصفان لازمان, ذاتيان, لا تنفك ذاته عنهما, ولم تزل آثارهما, سارية في الوجود, مالئة للموجود. تسح يداه من الخيرات, آناء الليل والنهار, ويوالي النعم والفواضل على العباد في السر والجهار, والعطاء أحب إليه من المنع, والرحمة سبقت الغضب وغلبته. ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما, أسباب إن لم يأت بها العبد, فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة, أعظمها وأجلها. بل لا سبب لها غيره, الإنابة إلى اللّه تعالى بالتوبة النصوح, والدعاء, والتضرع, والتأله, والتعبد. فهلم إلى هذا السبب الأجل, والطريق الأعظم.
وعن ابن عباس أنها نزلت في وحشي قاتل حمزة؛ لأنه ظن أن الله لا يقبل إسلامه: وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: أتى وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد كنت أحب أن أراك على غير جوار فأما إذ أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله) قال: فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله وزنيت، هل يقبل الله منى توبة؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون" [الفرقان: 68] إلى آخر الآية فتلاها عليه؛ فقال أرى شرطا فلعلي لا أعمل صالحا، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله. فنزلت: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: 48] فدعا به فتلا عليه؛ قال: فلعلي ممن لا يشاء أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله. فنزلت: "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" فقال: نعم الآن لا أرى شرطا. فأسلم. اعلم يا صاحبي ان رحمة الله واسعت كل شيء: "وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم" [الرعد: 6] واعلم ان السعادة ما جاء في قول. رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن جابر أنه قال: (من السعادة أن يطيل الله عمر المرء في الطاعة ويرزقه الإنابة، وإن من الشقاوة أن يعمل المرء ويعجب بعمله).
قال علي رضي الله عنه : أي آية في القرآن أوسع ؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء: 110]. ونحوها، فقال علي: ما في القرآن آية أوسع من: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}