حينما تبدأ الحياة الزوجية ، يصــبو كل طرف فيها إلى أن يحيى سعيــداً
يبنيــان عشهمــا ...
و يتعاهد كل منهمــا على البذل لإسعاد الآخــر،
فيتشاركان الحياة بحلوها وعلقمها،والذي لا تخلو منه أي حياة.
العــبرة هنــا في جدية السعي لإنجاح الزواج بكل السُبــل والوسائل المشروعة.
لا ندب الحظ ، والبكــاء على اللبن المسكوب.
ولا تنجح زيجة إلا بالعطــاء ، لا بالأخــذ فقط.
وما نناله يكون له طعم آخر جميل إن قُدم إلينــا عن طيب خاطر وسماحة نفس،
ولم نأخذه عنوة ولا استجداء ، أو شفقة.
فالحياة الزوجية هي سكن ومودة ورحمــة
قال الله تبــارك وتعالــى :
( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًإِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (الروم " 21 " )
ما أبــدع هذه العلاقة الساميــة ، التي تُبنى على السكن والمودة والرحمــة،
ما أكرمك ربــي.
كلامي اليوم أوجهه لكلا الزوجيــن.
في معرض حديثنــا،
أريد أن أنوه أنه لا يوجد في كل البيوت خادمات ،
والكثيرين من النساء ليس لديهن خادمة تساعدها في قضاء مهام بيتها.
إذن ، ومن هذا المنطلق ،وجب علينا إلقاء الضوء على سلوك حسن لا يعيب أي رجل ،
وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقوم به في بيتــه.
ألا وهو معاونته لزوجاته في قضاء حوائجهن.
فقد كان – صلوات ربي وسلامه عليه – يخيط ثوبه ، يخصف نعله، يحلب الشاة ، ويكون في مهنة أهل بيته.
روي عن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ( عائشة ) رضي الله عنها أنها قالت :
( أنه كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة )
وفي رواية أخرى للإمام أحمد :
(كان رسول الله يعمل في بيته ويحلب شاته ويخدم نفسه).
وفي هذا وغيره قال - صلى الله عليه وسلم:
( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ).
إذن ، لماذا كثير من الرجال يقتدون بالرسول – صلى الله عليه وسلم – ويطبقون الكثير من السنن ، سيراً على نهجه ،
ولا يقتدون بمثل سلوكه وخلقه الكريم في معاونة زوجاته؟!
الكثير من الرجال يظنون أنه عيباً إن ساعد زوجته بشئ يسير ،
لا أدري من أين يأتون بمثل هذه الثقافة.
أهي عادات بالية أم تقاليد موروثة ؟،
أستغرب كيف يفكرون!
لكننا يجب أن نستقي خلقنا من قدوتنا رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم -
لله درك يا من إقتديت بالحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليــه.
عزيزي الرجل....
عندما تجد زوجتك مشغولة بتجهيز الغذاء لك ، وبكى طفلكما، ما رأيك في أن تحمله وتداعبه حتى تنتهي - هي – من تجهيز الغذاء؟
فكما ذكرتُ آنفاً، معظم العائلات لا توجد بها خادمة تساعد المرأة، فهلا ساندت زوجتك " قليلاً " ؟
مساعدتك لأبنائك في مراجعة دروسهم يعني لها ولهم الكثير ، فلا تحرم نفسك من قربهم ، وشارك في بناء مستقبلهم وأحلامهم.
وكم هو مؤثر أن توقظ رفيقة دربك في أحد الأيام على كلمة حنونة ولمسة دافئه رقيقة ،
وتقول لها :
زوجتي الحبيبة تفضلي هاهو فطورك ، أنتِ اليوم في أجازة من إعداد الفطور!
إفعلها وسوف ترى ماذا ستفعل بقية اليوم ،
تصرف بسيط لكنه سوف يبعث فيها طاقة عطاء هائلة ، وروح معنوية عالية ، تنعكس عليك وعلى أولادكما.
أوليس هذا مبتغاك؟
أن تحيا حياة سعيدة ، لا تعاني فيها من " زوجة نكدية "
أو لا تدري أنك من ضمن ما يسبب هذا النكد والعبوس في البيت ، كرد فعل منها ؟
بدلاً من تذمرك وبحثك عن تقصيرها وهفواتها ،
إلتمس لها العذر ،
وأعِنْهَا على إسعادك،
ببثك جو من التعاون وغض الطرف – قليلاً – عند تقصيرها الغير مقصود.
فمهما كانت ، هي إنسانة لها طاقة قد تزيد وتفتر في بعض الأحايين.
هي تعمل في البيت ولا تأخذ يوم راحة،
فحاجات البيت وأنت والأبناء لا تنتهي.
خاصة لو كانت إمرأة عاملة ، تشقى وتكد وتساهم معك في مصاريف البيت.
عزيزي الرجل،
لن ينقص قدرك عند زوجتك بل على العكس منه ؛ سوف يعلو قدرك في نظرها وتزداد حباً لك وتأسرها بتصرفاتك الكريمة.
أنت تتعب وتكد في عملك ، أو ربما تجلس على مقعد طوال النهار،
لا يضيرك في بعض الأيام أن تساعدها في إنجاز شئ يسير مما يثقل كاهلها ،
فلوكنت تعلم كم هو مرهق عمل المرأة في بيتها ، لما كنت تلومها.
وإليك هذه :
قال أنس رضي الله عنه :
( خدمت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، لم يقل لشئ فعلته لِمَ فعلت، ولا لشئ لَمْ أفعله لِمَ لَمْ تفعل).
لا أتجنى على الرجال ، لأنه حدثت كثير من الجرائم بسبب عدم تقدير الزوج لتعب زوجته، فسمعنا وقرأنا قصص يشيب لها الولدان :
زوج يقتل زوجته لتأخرها في إعداد العشاء!!
زوج يحرق زوجته لتأخرها في إعداد الشاي!!
زوج يعتدي بالضرب المبرح على زوجته لأنها نسيت وضع الملح في الطعام!!
ومثل هذا كثير.
هناك ملابسات لكل حادث منهم ، لكن لا شئ – إطلاقاً – يجعل الرجل يقتل زوجته لهذه الأسباب " التافهه ".
عملها هذا الذي يستهين به كثير من الرجال ، عده الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يعادل جهادك في الحرب!
وكما قال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم –
( عمل المرأة في بيتها وحسن تبعلها لزوجها يعادل الجهاد في سبيل الله )
عليك عزيزي الزوج توجيهها ، لا توبيخها.
إذا كانت زوجتك تقصر في واجباتها في " بعض الأحيان "
فبتوجيهك وثناءك وتشجيعك لأدائها ؛ سوف يشيع جو من الود والرضــا والتفاني.
وسوف تشعر زوجتك بالإمتنان والإطمئنان ،
مما يدفعها إلى الإبداع و الإتقان .
ويسود في بيتكما الوئام.تلكم هي مندوحتكم ومنتهى آمالكم.
فالمرأة ليست مسئولة وحدها عن تحقيق السعــادة،
أنت أيضاً في يدك مفتاح سعادتكمــا...
على المجتمع ككل أن ينفض عنه غبار الأفكار البالية ،
ولكن كيف ؟
تعالوا معي لنرى بعضاً مما يشجع الرجل على معاونة زوجته والإقتداء بمن لا ينطق عن الهوى ، على سبيل المثال لا الحصــر:
أن يتعود الطفل في بيت أهله على مساعدة أمه ،
من الحكمة أن نعلم أطفالنا إعتمادهم على أنفسهم منذ الصغر ،
ولا ننهج منهج الكثير من الأمهات التي تعلم ابنتها فقط ، وتنكر على " الولد " مساعدتها بقولها : عيب أنت ولد!!
لم تضع في حسبانها أنه ربما حكمت الظروف عليه أن يعيش بمفرده ،
يضطر إلى خدمة نفسه بنفسه.
لذلك اطلبي منه بأن يرتب فراشه مثلاً. وأقترح عليكِ أختي أن تلحقي ابنك الغالي بفرقة الكشافة ،
لكي يستطيع الإعتماد على نفسه في أحلك الظروف.
رسخي خلق التواضع ونميه فيه، لكي لا يشعر بكبر ويأنف معاونة زوجته.
- وكما قال صلى الله عليه وسلم :
( وما تواضع أحد لله إلا رفعه )
وأنتِ عزيزتي الزوجة ، لكي تنالي ما تتمنين ، "تدللِ" على زوجك واجعليه هو من يبدي رغبته في مساعدتك بدون ما ترهقي نفسك،
كأن تقولي له – مثلاً - : الله يخليك ساعدني في حمل غرض ما – يكون ثقيل نوعاً – فأنت تقدر وأنا لا أقدر على حمله.
سوف يسعد بذلك ، فزوجك يحب هذه الأنوثة فيكِ
ويشعر أنه " شمشون الجبـار " ، أو " سوبر مـــان "...
وأنتِ الضعيفة المحتاجة له دائماً
قليل من مكر الأنثى المحمود لن يضيرك عزيزتي.
مثال آخر: بعد الإنتهاء من الطعام قولي له : ربي يحفظك ساعدني في نقل الأطباق إلى المطبخ.
لا اقصد بكلامي أن تتقاعس المرأة عن أداء واجباتها ، بحجة أنها في حاجة لكلمة تشجيع ،
أو مساعدة من زوجها .
بل أقصد أن تؤدي ما عليها أداؤه ، ولكن شتان بين أن تؤديه وهي محبطة ،
وبين أن تؤديه بكل أريحيــة وتفاني.
فمجرد تربيتة على كتفها ، وكلمة حلوة مُشجِعَة ؛ تنسيها تعب وأرق ساعات طوال.
عزيزي الزوج
كن فطناً حكيماً و على خلق عظيم.
ولا تلوم زوجتك كثيراً أوتعاتبها على تقصيرها ،دون مراعاة لظروفها ، إن كانت مرهقة أو مريضة.
فمن لا يرحم لا يُرحم.
فهلا أخذت عزيزي الرجل، رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، قدوة حسنة فيما جاء عنه؟
وتنفيذ وصيته التي كانت من أواخر وصاياه في حجة الوداع:
(استوصوا بالنساء خيراً ...)
وهو الذي قال فيه ، الله عز وجل :
( وإنك لعلى خلق عظيم )
أخيراً ....
جدير بالذكر أنه أجريت دراسة حديثة عن تأثير مساعدة الرجل لزوجته في البيت ،
كانت نتيجتها أن مجرد مساعدة بسيطة من الرجل لزوجته في أحد الأمسيات ينتج عنه علاقة زوجية أفضل مما لو لم يساعدها.
ليس عيباً كما يظن البعض ولا انتقاص من كرامته
فـ ( خادم القوم سيدهم ) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا اقصد بكلامي أن يخدم الزوج زوجته إن كانت صحتها جيدة وتستطيع القيام بهذه المهام
بل مجرد مساعدة ( إن استطاع )
هو تفضل منه وليس فرض عليه وإنما مروءة ،وإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم
وختاماً أقول : بقليل من التغافل والتضحية في حق زوجتك ،
مع الرفق واللين في نصحها ؛ سوف ترى منها حماسة لم تعهدها من قبل،
وسوف تبيت السعادة وتستقر عندكم.
وذلكم هو مبتغاكم من رب العالميــن.
وبذلك تكون حققت هدفك...
تَـــذكِـــرة صغــيرة :
لا تنسي أختي الغاليــة تسابيح قبل النوم التي تُعينك على قضاء مهامك في اليوم التالي ،
سبحان الله 33 مرة
الحمد لله 33 مرة
الله أكــبر 34 مرة
كما لقنها الرسول صلى الله عليه وسلم لإبنته فاطمة رضي الله عنها ، وعلي كرم الله وجهه.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغه أنه جاءه رقيقٌ ، فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة ، فلما جاء أخبرته عائشةُ . قال : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال ( على مكانكما ) . فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدتُ بردَ قدميه على بطني ، فقال ( ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبِّرا
أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم )
(ملتقى أهل الحديث )
الروابط المفضلة