سنة جديدة من العمر تسقط بسرعة مذهلة، مثل شهاب يهبط من السماء إلي الأرض في رحلة أخيرة يصبح بعدها مجرد «ماضي» نصلي عليه بدموع من فقد صديقاً عزيزاً انتهي إلي ذكري وتذكار.
سنة وليس العمر إلا عدد من السنوات بين قوسين، علينا أن نملأها بالأفكار القابلة للتنفيذ.. أو التي نتمني أن تصبح كذلك، وكان المفكر العربي المنفرد ابن رشد يقول: لا يقاس عمر الإنسان بعدد السنوات التي يعيشها.. إنما بحجم الأفكار التي يصنعها لتحلق كالعصافير بين أيام العمر.
خُلق الإنسان ليفكر، ليبتكر، ليملأ الحياة انجازاً بعد آخر، ليخترق الصعب والمستحيل، ليخترع من العمر أشياء جميلة، ليسرق الوقت.. لا ليسرقه الوقت.
الوقت.. قيمة مهمة في حياتنا، ثروة لا تقدر بثمن، الورق الأبيض الذي نسجل عليه تاريخنا الإنساني.. ونرسم عليه صورتنا ونحن سعداء.. ونحن أقوياء.. ونحن أقرب إلي الله.
والكــسالي وحدهم هم الذين لا يؤمنون بقيمة الوقت، ولا يقدرونه كما يجب أن يكون، وحدهم يملأونه فراغاً.. ويطلقون عليه عمداً «وقت الفراغ» ثم يخترعون ما يشغل هذا الوقت في لذة أقرب إلي الجهل والتفاهة.
عن الوقت قرأت دراسات كثيرة لعل أهمها ما نشر مؤخراً في كتاب فرنسي مهم يؤكد أن الإنسان السعيد هو من يستطيع أن يجعل الوقت مرصعاً بالانجازات المهمة المتوازنة، والمعني هنا أن نستخدم الوقت في خلطة منتقاة بين العمل الجاد والمتعة اللذيذة.
تشير الدراسة أن من أكثر الشعوب استخداماً لقيمة الوقت هم الفرنسيون، حيث يتقاسمون اليوم الواحد في القراءة والحب والعمل والفن واكتساب مهارات وعلاقات جديدة وجيدة، والياباني يجيد استخدام الوقت ـ بشكل آخر ـ في الإنتاج ويعمل 15 ساعة في اليوم.. علي حساب إنفاق الوقت في أشياء أخري مهمة للحياة.
وتنصح الدراسة أن نتعامل بحزم ودقة مع الوقت، ولا مجال هنا لاستهلاكه دون استفادة وبغير توازن.
بالتطبيق علي مصر.. نحن من أكثر شعوب العالم التي لا تعترف بقيمة الوقت، وفيه قلنا أمثالاً وأقوالاًً مأثورة مثل: «ساعة الحظ ما تتعوضش»، ولأنها كذلك فنحن نمد ساعة الحظ ولو التهمت أية ساعات أخري من العمر، وقلنا: «يا مستعجل.. عطلك الله»، و«اللي ما يتعملش النهارده.. مسيره بكره يتعمل»، و«يا خبر النهارده بفلوس.. بكره يبقي ببلاش»، وما سبق هو بعض ما يوحي بعدم أهمية الوقت في حياتنا ويرسم صورة كاريكاتيرية لاستسلام مفرط في قيمته وهكذا نلحق دائما بالقطار وهو يتحرك علي رصيف الحياة، نحرز الأهداف في الوقت بدل الضائع، نعيش علي هامش الحياة، لا داخل الصفحة.
قرأت دراسة طريفة تؤكد أننا نستعمل الوقت بالطريقة التالية: ثماني ساعات للنوم ـ ثلاث ساعات للمواصلات ـ ساعتان للتليفون ـ ساعتان للأكل ـساعة للحمام ـ ثلاث ساعات للرغي ـ نصف ساعة لقراءة الجرائد ـ أربع ساعات للتليفزيون.. ويبقي نصف ساعة للعمل إذا وجد لها مكان.
والدراسة للتأمل، وهي تنعي متوسط الساعات كما يجب ألا نعيشه، لكننا بالفعل نعيشه ونحن مستغرقون في المشكلات والأزمات والتفاصيل والفرجة والتفاهة، فلا نحن أنجزنا.. ولا استمتعنا.. ولا كأن الوقت مر بنا.. أو علينا.
والبقاء لله في الوقت الذي ندوسه في لا مبالاة، كما لا عزاء في العمر الذي يمضي من أجل لا شيء.
فعندما تمتلك الوقت.. أنت تمتلك نفسك.. والإنسان الذكي هو من يستطيع استثماره كما يريد.. بدقة ولا ينخدع في قيادة الوقت إلي الاتجاه الخطأ.
الروابط المفضلة