سبب النزول :عن ابن عباس أن " أبا سفيان " و " الوليد بن المغيرة " و " النضر بن الحارث " جلسوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية فأنزل الله { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ.. } الآية.
التفسير : ثم وصف تعالى حال المشركين حين استماع القرآن فقال { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } أي ومن هؤلاء المشركين من يصغي إِليك يا محمد حين تتلو القرآن { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } أي جعلنا على قلوبهم أغطية لئلا يفقهوا القرآن { وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً } أي ثقلاًَ وصمماً يمنع من السمع قال ابن جزي: والمعنى أن الله حال بينهم وبين فهم القرآن إِذا استمعوه وعبّر بالأكنَّة والوقر مبالغة { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } أي مهما رأوا من الآيات والحجج البيّنات لا يؤمنوا بها لفرط العناد { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي بلغوا من التكذيب والمكابرة إِلى أنهم إِذا جاءوك مجادلين يقولون عن القرآن ما هذا إلا خرافات وأباطيل الأولين { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } أي هؤلاء المشركون المكذبون ينهون الناس عن القرآن وعن اتباع محمد عليه السلام ويُبعدون هم عنه { وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } أي وما يهلكون بهذا الصنيع إِلا أنفسهم وما يشعرون بذلك قال ابن كثير: فهم قد جمعوا بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون ولا يدعون أحداً ينتفع ولا يعود وباله إِلا عليهم وما يشعرون { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } أي لو ترى يا محمد هؤلاء المشركين إِذ عرضوا على النار لرأيت أمراً عظيماً تشيب لهوله الرءوس قال البيضاوي: وجواب { لَوْ } محذوف تقديره لرأيت أمراً شنيعاً وإِنما حذف ليكون أبلغ ما يقدره السامع { فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا } أي تمنّوا الرجوع إِلى الدنيا ليعملوا عملاً صالحاً ولا يكذبوا بآيات الله { وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي إِذا رجعنا إِلى الدنيا نصدّق ونؤمن بالله إِيماناً صادقاً فتمنوا العودة ليصلحوا العمل ويتداركوا الزلل قال تعالى ردّاً لذلك التمني { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } أي ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا يخفون في الدنيا من عيوبهم وقبائحهم فتمنوا ذلك { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي لو ردّوا - على سبيل الفرض لأنه لا رجعة إلى الدنيا بعد الموت - لعادوا إلى الكفر والضلال وإِنهم لكاذبون في وعدهم بالإِيمان { وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } أي قال أولئك الكفار الفجار ما هي إِلا هذه الحياة الدنيا ولا بعث ولا نشور { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } أي لو ترى حالهم إِذ حُبسوا للحساب أمام رب الأرباب كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده للعقاب وجواب { لَوْ } محذوف للتهويل من فظاعة الموقف { قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } أي أليس هذا المعاد بحق؟ والهمزة للتقريع على التكذيب { قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } أي قالوا بلى والله إِنه الحق { قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون } أي ذوقوا العذاب بسبب كفركم في الدنيا وتكذيبكم رسل الله،
الروابط المفضلة