(9)
هل تعلمون أن إدعاء المرض يجلبه!
أنا طريحة الفراش منذ أيام ثلاث .. لا أقو على تحريك أى جزء من جسدى .. أنا ضعيفة تماماً .. وهشة كرضيع لا يملك من أمره شىء .. أنام أغلب الوقت نوماً مرهقاً أصحو منه أكثر وهناً .. نوماً قاسياً بلا أحلام
لقد بخلت علىّ الحياة بهديتها الوحيدة لى .. لم تعد تهدينى الأحلام الجميلة .. لقد جفت الأشياء الجميلة كلها واستحالت رماداً .. بتلات ورود ذابلة فقدت حتى ذرات عطرها .. يالكِ من قاسية .. لم تخبئينه منى؟ .. ذلك الغريب الطيب .. هو كل ما تبقى لى من أوهام السعادة .. لم لا تدعينى أقابله فى حلمى لأسأله هل كنت فى عالمى حقاً .. هل أتيت من أجلى .. وهل ستعود مرة أخرى؟ .. أم تلك كانت المرة الأخيرة .. وفرصة لقاؤنا المستحيلة ضاعت تحت قدميك حيث سقطت من روعة المفاجأة وقسوتها .. سأجن حتماً لو بقيت فى هذه الحالة من التساؤلات المفرغة التى لا إجابة لها
طرقات رقيقة على باب غرفتى ثم طلت رأس صغيرة بضفيرتين من فرجة الباب تنظر نحوى وتبتسم
- حنين
- سلامتك يا طنط فاتن
جلست صديقتى الصغيرة جوارى على الفراش .. ابتسمت لها بوهن
- شكرا لزيارتك حبيبتى
- لقد افتقدتكِ كثيراً
- وأنا أيضاً يا صغيرتى
مدت حنين يدها الصغيرة فى جيبها وأخرجت بعض الحلوى ووضعتها أمامى
- لقد اشتريتها من مصروفى لم يكفى سوى لتلك فقط
مسحت دمعة كانت تعبث فى عينى وقلت
- شكرا لكِ يا حنين .. خذيها يا صغيرتى .. فلا رغبة بى للحلوى الآن
- لا يا طنط فاتن .. هى من أجلك وحدك .. ماذا بكِ؟ .. هل أنتِ مريضة جداً؟
- لا يا حبيبتى أنا بخير .. حسناً سآخذ واحدة لأجلك
مددت يدى وتناولت احدى الحلوى .. تذوب بفمى سكراً مراً .. لا أدرى ماذا حل بى .. لا أدرى حقاً
كانت حنين تسرى عنى وتروى لى ما فاتنى من حكايات الحى فى الأيام الماضية .. ترى ماذا كانت حياتى ستبدو لولا وجودكِ غاليتى .. وجود صديق صغير لك هى نعمة من الله ولمحة فرح لقلب لم يذق سوى الحزن
سألتها من دون تفكير
- كيف تجعلين شخصاً ما يزورك فى الحلم يا حنين؟
نظرت لى صامتة بضع لحظات ثم شردت عينيها وقالت
- كنت أحب جدى كثيراً .. وحين صعد للسماء هو أيضاً...
مسحت دمعة أوجعتنى كثيراً ثم قالت
- حزنت لأجله وكنت أبكى كل يوم .. لكنى رأيته فى الحلم وطلب منى ألا أبكى وقال أنه سيزورنى كلما أردت .. فقط علىّ أن أفكر به وأكتب كلمات له فى ورقة صغيرة وأضعها بجانبى قبل النوم
سألتها بلهفة
- وهل نجحت تلك الطريقة يا حنين؟
- نعم .. وفى كل مرة أراه فى حلمى
- تكتبين رسالة له؟
- بل رسالة إلى السماء
- ......
- السماء لا تُضيع الرسائل أبداٍ
- كم أنتِ طيبة يا حنين
قامت ومنحتنى قبلة على جبينى وهى تقول
- بل أنتِ أطيب من عرفت فى حياتى .. شفاكِ الله يا طنط فاتن .. سأترككِ لترتاحى الآن
قامت من مكانها وتوجهت نحو الباب ثم توقفت ونظرت حولها فى أرجاء الغرفة .. واتجهت بسرعة نحو دفتر صغير وقلم وحملتهما واقتربت منى وهى تمد يدها بهما إلىّ وتقول
- من أجل الرسالة
ابتسمت لها وشكرتها من قلبى على تلك اللحظات السعيدة
غادرتنى حنين وأنا بحال أفضل بكثير
تعرفون ربما الحياة ليست بذلك السوء
عذراً الآن
لدى رسالة لأكتبها لــ ...... لمن؟
اممممم للغريب طبعاً
وسأرسلها للسماء!!
يُتبع
إن شاء الله
الروابط المفضلة