التفسير : { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ } أي فلنخبرنهم بما فعلوا عن علمٍ منا قال ابن عباس: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون { وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } أي ما كنا غائبين عنهم حتى يخفى علينا شيء من أحوالهم قال ابن كثير: يخبر تعالى عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير: وجليل وحقير، لأنه تعالى الشهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } أي والوزن للأعمال يوم القيامة كائن بالعدل ولا يظلم ربك أحداً { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } أي فمن رجحت موازين أعماله بالإِيمان وكثرة الحسنات { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي الناجون غداً من العذاب الفائزون بجزيل الثواب { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } أي ومن خفت موازين أعماله بسبب الكفر واجتراح السيئات { فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم } أي خسروا أنفسهم وسعادتهم { بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } أي بسبب كفرهم وجحودهم بآيات الله، قال ابن كثير: والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال وإِن كانت أعراضاً إِلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساماً يروى هذا عن ابن عباس، وقيل: يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة، وقيل: يوزن صاحب العمل كما في الحديث " يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة " والكل صحيح فتارةً توزن الأعمال، وتارةً محالها، وتارة يوزن فاعلها والله أعلم أقول: لا غرابة في وزن الأعمال ووزن الحسنات والسيئات بالذات، فإِذا كان العلم الحديث قد كشف لنا عن موازين للحر والبرد، واتجاه الرياح والأمطار، أفيعجز القادر على كل شيء عن وضع موازين لأعمال البشر؟ { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي جعلنا لكم أيها الناس في الأرض مكاناً وقراراً قال البيضاوي: أي مكناكم من سكناها وزرعها والتصرف فيها { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } أي ما تعيشون به وتحيون من المطاعم والمشارب وسائر ما تكون به الحياة { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } أي ومع هذا الفضل والإِنعام قليل منكم من يشكر ربه كقوله { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [سبأ: 13] { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } أي خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصوَّر ثم صورناه أبدع تصوير وأحسن تقويم، وإِنما ذكر بلفظ الجمع تعظيماً له لأنه أبو البشر { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } أي ثم أمرنا الملائكة بالسجود لآدم تكريماً له ولذريته { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } أي سجد الملائكة كلهم أجمعون إِلا إِبليس امتنع من السجود تكبراً وعناداً، والاستثناء منطقع لأنه استثناء من غير الجنس وقد تقدم قول الحسن البصري: لم يكن إِبليسُ من الملائكة طرفة عين
الروابط المفضلة