الحمد لله المعز لمن أطاعه و اتقاه ، المذل لمن خالف أمره و عصاه ، أحمد ربي و أشكره على ما أولاه ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له و لا إله سواه ، و أشهد أن نبينا و سيدنا محمدا عبده و رسوله اصطفاه ربه و اجتباه ، اللهم صلِّ و سلم و بارك على عبدك و رسولك محمد و على آله و صحبه و من والاه .
أما بعد : فإن أكبر الذنوب و السيئات ما عظُم ضرره ، و استطار شرره ، و عم شره ، و تضرر به البلاد و العباد و الشجر و الدواب ، و أفسد الحياة ، و دمر الدين و الدنيا ، كالشرك بالله تعالى و قتل النفس التي حرم الله و غير ذلك من كبائر الذنوب و الآثام ، قال الله تعالى : (( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )) [الرعد : 25] .
و لقد أكد النبي صلى الله عليه و سلم على حرمة المسلم ، و نهى عن ترويعه و تخويفه و التعرض له بما يؤذيه ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما )) رواه أبو داود و حسنه الألباني .
و عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه و إن كان أخاه لأيه و أمه )) رواه مسلم .
قال النووي - رحمه الله تعالى – قوله عليه الصلاة و السلام : (( و إن كان أخاه لأبيه و أمه )) مبالغة في عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه و من لا يتهم ، سواء كان هزلا و لعبا أم لا ، لأن ترويع المسلم حرام بكل حال ، .... إلى أن قال : (( و لعن الملائكة له يدل على أنه حرام )) . شرح النووي لسلم 5/476
فإذا كان هذا كله في النهي عن تخويف المسلم أو ترويعه ، فما بالنا بحرمة دمه ؟!.
أخوة الإسلام ، إن من سنة الله تعالى و رحمته أن الذنوب و الجرائم العظام يهيئ الله لها من شرعه و قدره ما يقضي عليها ، و يوقف أصحابها عند حدِّهم ، مثل القصاص للقاتل ، و قطع يد السارق ، و إذا سلم المجرم من عقوبة الشرع ، فإنه لا ينجو من عقوبة القدر أبدا ، و الجزاء من جنس العمل ، و لا يظلم ربك أحدا ، و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )) . رواه البخاري و مسلم
أيها المسلمون : إننا أمة تدين بالإسلام و هو الاستسلام لله عز و جل ظاهرا و باطنا في عباداتنا و معاملاتنا و في كل شئون حياتنا ، و قتل النفس بغير حق قد نهانا الله عنه , و حذرنا منه ، فقال سبحانه و تعالى : ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ))[النساء : 93]
و قال تعالى : (( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )) [الأنعام : 151]
و قال سبحانه : ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً )) [الإسراء : 33]
و قال عز وجلَّ : ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً)) [النساء :29, 30]
و قال جل و علا : ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً )) [الفرقان : 68] .
و في السنة ما يؤكد على معاني الآيات بل و يزيد البيان في حرمة الدماء و الترهيب من قتل النفس بغير حق .
فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً )) . رواه البخاري
و كان ابن عمر يقول : من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها ، سفك الدم الحرام بغير حله .
و ثبت عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء )) رواه البخاري و مسلم
و قد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق في السبع الموبقات – أي المهلكات - ، و لعظيم حق هذه النفس المؤمنة كان زوال الدنيا أهون من قتلها , ففي حديث بُريدة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )) رواه النسائي و صححه الألباني
و عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( لو ان اهل السماء و أهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار )) رواه الترمذي و صححه الألباني
و روى عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالكعبة و يقول : (( ما أطيبك , و ما أطيب ريحك , ما أعظمك و ما أعظم حرمتك ,و الذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك ِ .... الحديث )) رواه ابن ماجه و صححه الألباني .
و ثبت عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركا أو يقتل مؤمنا متعمدا )) رواه أبو داود و صححه الألباني .
و أما موقف القاتل يوم القيامة فقد ذكره أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( يخرج عنق من النار يتكلم يقول : و كلت اليوم بثلاثة : ... و ذكر فيهم : و من قتل نفسا بغسر حق ... يقول : فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم )) رواه أحمد و صححه الألباني .
هذا و صلِّ اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم .
الروابط المفضلة