"عشبة بتشفي" .. وعشبة تدخل "عمار" الى المستشفى
التداوي بالأعشاب أو الطب البديل ظاهرة موجودة منذ قديم الأزمان ولكنها انتشرت بشكل ملفت للانتباه في الآونة الأخيرة ,
فالعديد من الوسائل الإعلانية تحفل بإعلانات عن مستحضرات عشبية تعتبر الدواء الساحر لأمراض مستعصية، مثل السكري والضعف الجنسي والأكزيما والصدف والأمراض الجلدية والتناسلية وحتى ثمة إعلان لمستحضر يشفي من السرطان ببعض أنواعه .
عمار والعشبة التي كادت أن تقضي عليه
" عمار . ق " طالب السنة الأولى في قسم الترجمة من التعليم المفتوح والمصاب بمرض السكري الشبابي منذ ما يقارب السنة رأى في الإعلان الذي قرأه في إحدى الصحف الإعلانية عن " عشبة تشفي " الحل في الخلاص من الأنسولين الذي يضطر لتناوله مدى الحياة لكن ما حصل معه كاد يخلصه من الحياة ذاتها .يروي عمار لنا حكايته فيقول " قرأت في إحدى الصحف عن إعلان لعشبة تشفى فاتجهت إلى العنوان الذي يحدده الإعلان , هناك استقبلني شخص في العقد الرابع من العمر وسألني عن مرضي طالباً مني إجراء تحليل للسكر والخضاب وبعد إطلاعه على نتيجة التحاليل أعطاني علبتي أعشاب مخلوطة واصفاً لي طريقة الاستخدام بغلي الأعشاب بالماء ثم تناول كأس من هذا المغلي بعد تبريده مرتين يومياً " .
مضاعفات لم تكن بالحسبان
يكمل عمار في لقاءنا معه على سريره في قسم الغدد بالمشفى الوطني بحمص " خلال شهرين من أخذي الدواء لم يتغير على وضعي الصحي أي شيء مما دفع بصاحب المكتب لوصف دواء من الصيدلية وهذا الدواء له مضاعفات جانبية طالباً مني ترك الأنسولين مما دفع بحالتي الصحية للتدهور " .
" أم عمار" تصف لنا ما أصاب ابنها بقولها " كانت تصيبه حالة إقياء بعد تناوله أي نوع من المشروبات مما اضطرنا لجلبه للمشفى حيث أعطوه سيروم وشوية أدوية بعد تحليل السكر , وهلّق النا ثلاث أيام ويمكن اليوم يخرجوه " .
الكادر الطبي الذي كشف عن حالة عمار
في الاضبارة المحفوظة في قسم الغدد الخاصة بالمريض عمار كتب ما يلي " حمّاض كيتوني مريض سكري منذ سنة , معالجة بالأنسولين المختلط , توقف عن تناول الأنسولين منذ حوالي اليومين بسبب مراجعته لطبيب أعشاب حيث أعطاه معالجة بالأعشاب . راجع المشفى بآلام شرسوفية , إقياءات متكررة وتسرع بالتنفس , لا توجد سوابق مرضية أخرى . ضغطه ضمن المعدل الطبيعي والنبض كذلك , نسبة السكر في الدم عالية جداً , حالياً وضعه غير مستقر " .
الدكتور " إيلي سركيس " من قسم الغدد يخبرنا عن وضع عمار بمزيد من التفصيل بقوله " حالة المريض هي السكر الشبابي وهذا يعني أنه يجب أن يبقى على الأنسولين
مدى الحياة وقد ثبتت له جرعتين صباحية ومسائية بانتظام لتبقى نسبة السكر في الدم مستقرة . انقطع عمار عن تناول الأنسولين وبدء بتناول بعض الأعشاب مما أوصله لحالة الحماض الكيتوني والتي تعني ارتفاع نسبة السكر في الدم فوق المعدلات الطبيعية " .
في البحث عن العشبة التي تشفي
نتوجه إلى العنوان المذكور في الصحيفة الإعلانية والتي دفع عمار فيه مبلغ خمسة ألاف ليرة سورية ثمنا لعشبة كادت تودي بحياته .
العنوان الطابق الثاني في أحد الأبنية وسط المدينة , وعلى اللوحة الإعلانية في واجهة البناء عبارة " عشبة بتشفي " , أمّا على باب المكتب فثمة لوحة طولانية تحمل أسماء بعض الأعشاب والأمراض التي يمكن أن تشفى بها .
في قسم الاستقبال من المكتب تجلس فتاتين وتطلبا معرفة سبب الزيارة فأعلمهما أنني صحفي طالباً لقاء مدير المكتب أو الطبيب الموجود .
الرجل الذي تدهشك أناقته يعرّف بنفسه بالخبير , والخبير كما يقول " هو من يعرف الأعشاب وخصائصها عن طريق الدراسة أو الوراثة " .
نسأله عن قانونية ممارسة مثل هذا العمل فيجيب " نحن لدينا تراخيص من وزارة الاقتصاد وسجل صناعي وسجل تجاري وسجل حرفي كما أن من يحضر الأعشاب هو دكتور من اللاذقية حائز على الميدالية الذهبية وهذا كرت فيزت تعريفي به " .
نطلع على ما هو مكتوب على الكرت لنقرأ التالي " الدكتور أحمد .ط . أستاذ علم السموم والأدوية واللقاحات – أستاذ علم وظائف الأعضاء الفيزيولوجية – باحث ورئيس قسم النباتات الطبية " ويتخذ من اللاذقية عنواناً له . كما أن ثمة سطر كتب فيه " والباحثة أولغا .ط . الحائزة على الميدالية الذهبية " .
ونسأل عن هذه الذهبية فيما أخذت ومن أي جهة ومتى ........؟؟ فيتصل " الخبير " بالدكتور ليخبره أن ثمة صحفي في المكتب يسأل عن الميدالية الذهبية فكان الجواب " من أوكرانيا " .
بالتدقيق في العبوات التي تحوي المستحضرات العشبية الموجودة في المكتب ( الخالي من أي شهادة علمية ظاهرة ) يكتب " اسم المستحضر التجاري , والمكونات , ودواعي الاستعمال , وطريقة الاستعمال , والآثار الجانبية , طريقة الحفظ , صلاحية الاستخدام , تاريخ التحضير " إضافة على عبارة تحمل الأحرف الأجنبية التالية " بمراقبة وحضور D-P-H-A-H-T " وأخيراً " ST30998 / SS2 " .
" الخبير بدر الدين .م " يقول لنا أن أعداد المرجعين له يصل إلى"الخمسين"مراجع أحياناً فالعلاج " مضمون ونحن نعطي المريض بطاقة مراجعة ومن لم يشفى نعيد له أمواله التي دفعها , وخلال السنوات الثلاثة الماضية أعدنا لأربعة أشخاص فقط ما دفعوه " .
ويعلل " الخبير " كثافة المراجعين بالقول " إن المواطنين لديهم ثقة بالأعشاب المحضرة علمياً لأن الأعشاب إذا ما نفعت مابتضر " .
مديرية الصحة ونقابة الأطباء
الدكتور محمد أبو الخير مدير الصحة بحمص وفي اتصال هاتفي معه علّق على الأمر بقوله " نحن طالبنا أكثر من مرة بدراسة تنظيم هذه المهنة الموجودة والتي تنحرف عن غايتها , فالمفترض أن الأعشاب دواء يحضر في المعامل الدوائية ويباع في الصيدليات " .
أمّا الدكتور عبد القادر الحسن نقيب أطباء حمص فيقول " نحن كنقابة لا سلطة لنا على من يمارس مهنة التداوي بالأعشاب إذا لم يكن طبيباً , وقد أغلقنا عيادة أحد الأطباء الذين مارسوا التداوي بالأعشاب في العام الماضي , المشكلة هي أن هؤلاء الأشخاص يحصلون على تراخيص تجارية كبائعي زهورات ".
الترخيص التجاري وبيع الأعشاب
بالإمكان الحصول على ترخيص تجاري أو صناعي أو حتى حرفي لتزاول مهنة بيع الأعشاب وتحضيرها والدليل أن المكتب الذي قمنا بزيارته ليده ثلاثة تراخيص هي صناعية وتجارية وحرفية وجميعها نظامي تحت بند " تحضير وتعبئة الزهورات والأعشاب الجافة والمحضرات الغذائية وتحضير الكريمات من الزيوت العطرية المستخلصة من النباتات الطبية يدوياً " .
الإعلان والمضمون
نسأل عن الجهة المسؤولة عن مضمون الإعلانات التجارية الموجودة في وسائل الإعلان المنتشرة بكثافة .
يقول لنا أيمن محمود مسؤول التسويق بإحدى الوسائل الإعلانية المسموعة " في الإعلان عن السلع المعروفة في السوق لا يوجد مشكلة كون المنتج يعرّف عن نفسه , أما المنتجات الجديدة فنحن نطلب التراخيص النظامية التي تسمح بتداول هذا المنتج " .
وهذا يعني عدم وجود مشكلة في الإعلان عن أعشاب تشفي طالما أن من يريد يستطيع الحصول على التراخيص اللازمة دون المرور على وزارة الصحة المعنية بالدرجة الأولى والأخيرة عن صحة المواطنين .
أحمد ح صطوف، حمص – سيريانيوز
الروابط المفضلة