القرآن هدى ونور
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : ( أما بعد ألا أيها الناس ،إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ) فحث على كتاب الله ورغب فيه.
وفي لفظ آخر قال: ( ألا وإني تارك فيكم ثقلين : أحدهما كتاب الله عز و جل هو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على ضلالة).
أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الفضائل ، باب فضائل علي رضي الله عنه ( 2408)
و( خما ) اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة ، غدير مشهور يضاف إلى الغيضة فيقال غدير خم.
وسبب تسمية القرآن والعترة ثقلين : لعظم شأنهما وشرفهما ، وقيل : لثقل العمل والوفاء بحقهما .
والحديث يوضح لأمة الإسلام أن القرآن هدى ونور ، وهما وصفان للقرآن نطق بهما القرآن ، وجاءت السنة مقررة لهذين الوصفين في الحديث الذي معنا ، فما معنى هذين الوصفين ؟
أولا : وصف القرآن بأنه هدى:
الهدى والهداية في اللغة بمعنى واحد، وهو الإرشاد والدلالة ، لكن خص الله عز وجل لفظة (الْهُدَىَ) بما تولاه وأعطاه ، واختص هو به ، دون ما هو إلى الإنسان نحو (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [ سورة البقرة / 2 ] (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ) [ سورة الأنعام / 71 ]
أما الإهتداء ن فهو يختص بما يتحراه الإنسان على طريق الاختيار ، إما في الأمور الدنيوية ، أو الأخروية ، قال تعالى (َهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [ سورة الأنعام / 97 ]
ووجه وصف القرآن بأنه (هُدَى) لأن فيه دلالة وإرشادا إلى الحق ، وتفريقا بينه وبين الباطل ، ولاشتماله على الآيات الواضحات ، والدلائل البينات ، والمعالم الجليات ، الهادية والدالة إلى خيري الدنيا والآخرة ، ولا غرو فإن من أنزله ، وتكلم به ، وأمر بالإيمان به ، هو خالق الخلق ، والعالم بما يصلح عباده ، وبما يقوّم حياتهم ومعيشتهم في الحياة الدنيا ، ويوم يرجعون إليه .
" ولا يشك مسلم ولا يرتاب عاقل ، بأن القرآن الكريم هو الهدى ، هو الهدى من الضلالة والعمى ، والهدى من الكفر والنفاق ، والهدى من اللم والاعتداء ، والهدى من الحيرة والارتباك ، والهدى من الفسق والفجور ، والهدى من الفساد والشقاء ، ومن كل محنة وبلاء ....."
ثانيا : وصف القرآن بأنه نور .
النور : هو الضوء أيا كان، وقيل : هو شعاعه وسطوعه ، وهو ما يبين الأشياء ، ويعين على الإبصار ، وهو ضربان ك دنيوي وأخروي ، والدنيوي ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة كنور القرآن ، وضرب محسوس بعين البصر وهو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمرين ، أما الأخروي فمنه قوله تعالى : (فَالْتَمِسُوا نُوراً)(1) [ سورة الحديد / 13 ]
ووجه وصف القرآن بأنه ( نور ) لأنه يضيء للسالكين المتمسكين به طريقهم ، وينير لهم دروبهم ، ويدلهم على أفضل وأعلى الأعمال والأقوال والأخلاق ، التى فيها عزهم ونجاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة ، حتى يصبحوا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ... وهو يهدي التائهين ، ويرشد الضالين عنه ، المعرضين عن نوره ، المتخبطين في ظلمات الكفر والجهل والضلال ، حتى يستنيروا به ، ويستبصروا بنوره ، ويهتدوا بهداه .
وقد ورد وصف القرآن بأنه ( نور ) في أربعة مواضع من كتاب الله تعالى ، جاء معرفا في موضعين ، قال تعالى : (وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ) [ سورة الأعراف / 157 ] وقال تعالى : (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) [ سورة التغابن / 8 ]
وجاء بصيغة التنكير في موضعين ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً) [ سورة النساء / 174 ] وقال تعالى : (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ) [ سورة الشورى / 52 ] ، وذلك لبيان عظمة ذلك النور ، وشموليته لجميع جوانبه ، وشتى نواحيه ، فأخباره نور ، وأحكامه نور ، وشرائعه نور ، وتلاوته نور .. ولكن لا يتجلى هذا النور إلا لمن آمن به واتبعه وصدقه ، حتى ينعكس هذا النور على نفسه وبصيرته فيصبح يرى الأمور على حقيقتها ، ويبصر الأشياء على طبيعتها ، لأنه نور مبين في نفسه ، منور لغيره بإظهاره الحقائق وكشفه عنها ، فهو كله نور ، وأي نور " نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة؛ ويبدو مفرق الطريق بين الحق والباطل محددا مرسوما . . في داخل النفس وفي واقع الحياة سواء . . حيث تجد النفس من هذا النور ما ينير جوانبها أولا؛ فترى كل شيء فيها ومن حولها واضحا . . حيث يتلاشى الغبش وينكشف؛ وحيث تبدو الحقيقة بسيطة كالبديهية ، وحيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق وهو بهذا الوضوح وبهذه البساطة؟!
وحين يعيش الإنسان بروحه في الجو القرآني فترة؛ ويتلقى منه تصوراته وقيمه وموازينه ، يحس يسرا وبساطة ووضوحا في رؤية الأمور . ويشعر أن مقررات كثيرة كانت قلقة في حسه قد راحت تأخذ أماكنها في هدوء؛ وتلتزم حقائقها في يسر؛ وتنفي ما علق بها من الزيادات المتطفلة لتبدو في براءتها الفطرية ، ونصاعتها كما خرجت من يد الله . .
ومهما قلت في هذا التعبير : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } . . فإنني لن أصور بألفاظي حقيقته ، لمن لم يذق طعمه ولم يجده في نفسه! ولا بد من المكابدة في مثل هذه المعاني! ولا بد من التذوق الذاتي! ولا بد من التجربة المباشرة!"
المصدر : شبكة السنة النبوية وعلومها
الروابط المفضلة