السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" إلهي لا تعذب لسانا يُخبر عنك ولا عينًا تنظر إلى علوم تدلّ عليك , ولا يداً
تكتب حديث رسولك , فبعزتك لا تدخلني النار "
هكذا كان ابن الجوزي _رحمه الله _ يناجي ربه , وربما ابتهل إلى ربه
قائلاً :" ارحم عبرة ترقرق على مافاتها منك , وكبداً تحترق على بُعدها عنك "
.
إن الانكسار والانطراح بين يدي الله _تعالى_ أعظم العبادات وأجلّ القربات ؛ فالدعاء هو
العبادة ؛ حيث يتضمن أنواعاً كثيرة من العبادات كإسلام الوجه لله تعالى , والرغبة إليه ؛
والاعتماد عليه والتذلل والافتقار .
يقول مطرف بن عبدالله بن الشخِّير _رحمه الله _ تذاكرت : ما جماع الخير ؟ فإذا الخير
كثير الصيام والصلاة , وإذا هو في يد الله , وإذا أنت لا تقدر على مافي يد الله إلا أن
تسأله فيعطيك , فإذا جماع الخير الدعاء "
ولما كان الله _تعالى_ لا يخلق شراً محضاً , فإن المحن المتتابعة على أمة الإسلام في
هذا العصر من أعظم أسباب اللجوء إلى الله تعالى , والابتهال إليه . وتحقيق التوحيد كما
حرر ذلك ابن تيمية _رحمه الله _ بقوله :" فمن تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن
ينزل بهم الشدة والضر وما يلجئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين , ويرجونه لا
يرجون أحداً سواه , وتتعلق قلوبهم به لا بغيره , فيحصل لهم من التوكل عليه والإنابة
إليه , وحلاوة الإيمان وذوق طعمه والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال
المرض والخوف , أو الجدب , أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة ؛ فإن ذلك لذّات
بدنية ونعم دنيوية قد يحصل الكافر منها أعظم مما يحصل المؤمن .
وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله الدين فأعظم من أن يعبر عن كنهه مقال , أو
يستحضر تفصيله بال , ولكل مؤمن من ذلك نصيب بقدر إيمانه , ولهذا قال بعض السلف :
ياابن آدم , لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب سيدك .
إن الناظر إلى حالنا يرى غفلة عن الدعاء , فقد ندعوه سبحانه دون إلحاح وافتقار مع
ضعف ثقة ويقين بإجابة الدعاء , ولذا تغيب حلاوة المناجاة ولذّة الابتهال إلى رب
العالمين .
ومما يحقق ذلك أمرين :
• أن نستحضر أسماء الله الحسنى وصفاته العلا فنتعبد الله _ تعالى _ بأسمائه وصفاته .
* وأن نستصحب في مناجاتنا فقرنا وضعفنا ومسكنتنا وكثرة ذنوبنا , وظلمنا وتفريطنا .
.
.
.
" اللهم إنك تسمع كلامي , وترى مكاني , وتعلم سري وعلانيتي , ولا
يخفى عليك شئ من أمري وأنا البائس الفقير , المستغيث المستجير , الوجل
المشفق , المقر بذنبه , أسألك مسألة المسكين , وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ,
وأدعوك دعاء الخائف الضرير , من خضعت لك رقبته , وذل لك جسده , ورغم لك أنفه ,
اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياّ وكن بي رؤوفاً رحيماً .. ياخير المسؤولين , وياخير
المعطين " *
..............................
* أخرجه الطبراني .
الروابط المفضلة