أقبل الليل .. وتراكمت على ليلا الهموم كعادتها .. فهي تخشى قدوم الليل عليها كل يوم .... وترى فيه بوابة لاندفاع الأحزان والآلام إلى قلبها .. حيث بظلمته وسكونه وهدوءه وخلود الخلق إلى مضاجعهم كما هي سنة الله فيهم يقودها بأن تختلي بنفسها مع تلك الأحزان .. فتعمد جاهدة إلى السلوى بما يريحها وفق ما تظنه مزيلاً لهمها ... ولكن دون جدوى .. غير أنه في هذه الليلة قد اشتدت عليها الآلام ودكت قلبها الأحزان فارتمت في ركن من غرفتها وأخذت تبكي بحرارة .. رفعت رأسها إلى تلك الأشرطة الغنائية المتراكمة هنا وهناك .. وبحركة اعتيادية .. مدت يدها وتناولت واحداً منها .. لتضعه في جهاز التسجيل .. ثم تصغي إليه بسمعها وعقلها عله يمتص ولو شيئاً يسيراً مما تعانيه .. فإذا بتلك الغموم تعلوا .. وعلى قلبها ترسوا .. كلما استغرقت في السماع .. قذفت بذلك الشريط جانبا .. وتناولت آخراً ثم ثالثاً ورابعاً وخامساً .. لكن .. لم تزدها سوى غم وهم على همها .. ألقت بنفسها على الأرض .. ودموعها من الحزن تسيل بغزاره .. ونفسها تكاد من الحسرات تقطع .. حانت منها التفاتة مفاجئة .. فإذا به تراه .. يقبع فوق أحد الأدراج .. وقد غطاه الغبار .. وأتى عليه الزمان .. أحست بصوته يناديها ونظرات العتاب تلفها .. فاعتلاها حنين دفين يشدها إليه .. وبخطوات وجلة هادئة .. سارت نحوه .. وبكلتا يديها تناولته .. ثم أخذت تمسح ما عليه من الغبار .. وضمته بشوق المحب إلى فؤادها .. وقد اشتاقت لأن تغوص في بحر آياته .. تطهرت .. وبيديها المرتعشتين .. فتحته .. وأخذت تترنم بصوت شدي ندي .. تتلوا آياته .. لتعلو في الآفاق .. تبدد سكون الليل البهيم .. ودموع كصفاء الدر .. تسيل من عينيها .. فتجرف معها كل ما تربع على قلبها من هموم وأحزان .. وتسكن في محلها الراحة والسكينة والاطمئنان .. فتهتف بروحها وقلبها قائلة .. ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ...