إن مرحلة الطفولة تعتبر أهم مرحلة في حياة الإنسان، ففيها بداية التشكيل والتكوين وعليها سيكون الإنسان بعد ذلك: سوياً أو مريضاً، فجميع الأمراض النفسيه -تقريباً- تنشأ نتيجة لسوء فهم طبيعة هذه المرحلة ومتطاباتها، فالغضب والخوف والإنطواء والتوبل اللإرادي والشجار والكذب والسرقة وغير ذلك من أمراض تنشأ في بداية هذه المرحلة إن أسئ إلى الطفل فيها ولم يعامل المعاملة التربوية السليمة.
هناك خصائص غير مصطنعة عند بعض الأطفال، بل إنها تدل على أن هذا الطفل سوي وطبيعي، وإن أتى ذلك على المربى ببعض الضرر، فمثلا الطفل حتى 6 سنوات لا يميز بين الصواب والخطأ فلذلك قد تجده يضع يده في الماء الساخن ليستكشف المجهول بالنسبة له، فلا بد أن يعامل الطفل على أنه طفل غير مدرك وأن ما يفعله طبيعي في هذه السن فعلينا فقد أن نرشد ونهذب هذه الصفة، ونحاول هنا التعرف على هذه الصفات وتلك الخصائص المميزة للأطفال:

1- كثرة الحركة وعدم الاستقرار
فالطفل يتحرك كثيراً ولا يجلس في مكان واحد لفترة طويلة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (عراقة الطفل في صغره زيادة في عقله عند كبره)
أي أن الحركة الكثيرة واللعب الدائم وعدم الاستقرار والصعود والنزول وغير ذلك يزيد من ذكاء الطفل وخبرته بعد أن يكبر، أما الآخر الذي لا يتحرك ويجلس دائماً وحيداً في أحد الأركان فهو غير سوي، وغالباً ما سيصاب بعد ذلك بالانطواء والكبت والخوف والخجل نتيجة ذلك.
ولكن هناك بعض الأشياء التي تساعد على تهذيب وترشيد حركة الطفل الكثيرة في هذه المرحلة ومنها:
أ- أن تحاول الأم أن تشغل فراغه معها في أعمال البيت لأن النفس عموماً إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، والطفل كذلك إن لم تشغله بما هو مفيد سيفرغ طاقته فيما هو غير مفيد، فالأم تحضر طبقاً صغيراً وتطلب منه أن يرتب ألعابه مثلا ليتعود على الاعتماد على النفس، وكذلك يرتب أدواته المدرسية وحجرته قدر الإمكان.
ب- الاشتراك في أحد الأندية ليفرغ الطفل طاقته في لعبة ما تعوده الشجاعه والثقة بالنفس.
جـ- زيارة الأقارب والأصدقاء والجيران ممن لهم أبناء في مثل هذه السن فيلعب الطفل مع أصدقاء له في سنه ويفرغ معهم طاقته على أن يراعى اختيار الأقارب والأصدقاء والجيران الصالحين الذين يربون أبناءهم على القيم السليمة والأخلاق الفاضلة لئلا يسمع ما تمنعه عنه من ألفاظ بذيئة وغيرها من فساد الأخلاق، ولذا يمنع الطفل من اللعب مع أقران السوء أو سماع التلفزيون دوما، لأن ذلك يفسد ما تحاول إصلاحه.
د- الفسحة والخروج للمتنزهات ولو مره كل أسبوع على الأقل.

2- شدة التقليد
فالطفل يقلد الكبير خاصة الوالدين والمدرسين في الحسن والقبيح، فالأب يصلي فيحاول الابن تقليده، ويشرب الدخان فيحاول الابن تقليده وهكذا، ومن طرق علاج ذلك ما يلي:
أ- نحكي له حكايات الصحابة والصالحين والعلماء والنماذج الطيبة ليقلدهم.
ب- نصطحبه في كل ما هو حسن ليقلد كالذهاب مع والده للمسجد او لزيارة الصالحين من اصدقاءه.
جـ- لا يجلس أمام التلفزيون ليشاهد غريندايزر و النينجا و سوبر مان لئلا يصاب بالكبت والإحباط نتيجة فشله في تقليدهم، أو أن يرمي بنفسه من الشباك ليقلد سوبر مان مثلاً.
د- شرائط الكاسيت والفيديو الإسلامية والتي تحكي قصصاً وتراجم للقادة المسلمين الفاتحين تساعدهم في ذلك مثل أفلام: محمد الفاتح والسندباد ورحلة الخلود و الرسالة وغيرها.

3- العنــــاد
فالطفل يتميز بالعناد الشديد فلا نتعجب من ذلك ونتهم الطفل بتعمد العناد مع أبويه ومدرسيه، بل علينا أن نشجعه ونحفزه على فعل النقيض ونذكر له من القصص والحكايات ما يجعله ينفر من العناد، كأن نشبه الذي يعاند بالشيطان الذي عاند الله ولم يطع أوامره فغضب الله تعالى عليه وأدخله النار ومثله الكافر القبيح وغير ذلك مما يجعل الطفل يبتعد عن هذه الصفة، ولكن في النهاية نتأكد تمام التأكد من أن الطفل العنيد غير المرض وغير عاق لوالديه، ولكن هذا العناد يرجع إلى طبيعة سنه، فإذا صعد على الفراش برجله المتسخه ورفض النزول أو رفض النوم وصمم على الرفض أو عاند في أي شئ فالتحفيز والتشجيع لا الإهانة والتعذيب.

4- عدم التمييز بين الصواب والخطأ
فالطفل قد رأى أمه تشعل الكبريت فحاول تقليدها فلسعته النار، ووضع يده في الماء الساخن وهو لا يعرف ضرره، ويريد أن يضع يده بين ريش المروحة وهي تعمل، وغير ذلك من أمثلة تدل على عدم تمييز الطفل بين الصواب والخطأ، فلا يحاسب الطفل على ذلك بالضرب والإهانة كما يحاسب الكبير المدرك لأن عقل الطفل لم ينضجع بعد، وإن ميز شيئاً لا يميز الآخر، لكن علينا أن نبعده عما يضره كالسكين والكبريت والمروحة والدفاية والماء الساخن.

5- كثرة الأسئلة
فهو يسأل عن أي شئ وفي أي وقت وبأي كمية؟ ومنها الأسئلة التي يريد منها المعرفة كسؤاله: أين الله؟ ومنها الأسئلة التي يريد منها إحراج الأبوين او غيرهم كسؤاله لماذا أنت سمين يا بابا؟ ومنها الأسئلة التي تدل على قلقه وخوفه فيقول: هل ستموتين يا ماما؟ وغير ذلك من أنواع الأسئلة التي سيأتي الحديث عنها مفصلا بإذن الله في موضوع آخر، ولكن قبل ذلك نحذر من الكذب على الطفل، ولا نجيب عن أسئلته بما لا يحتمله عقله، ولنضبط ردود أفعالنا عند المفاجأة بسؤال غير متوقع، ولا نقول له: أنت ما زلت صغيراً ولا تتكلم في هذه الأمور، لأن الطفل عنيد وسيزيده ذلك شغفاً لمعرفة الإجابة عن سؤاله وسيظطر لأن يسأل حد أقاربه أو المدرسه، وقد يجيبوه إجابة خاطئة تعلق ذهنه ولا تستطيع محوها أو تصويبها بسهولة فلنفتح قلوبنا وعقولنا لأسئلة أبنائنا.

6- ذاكرة حادة آلية:
فالطفل ذاكرته ما زالت نقية بيضاء لم تدنسها الهموم والمشاكل، فهو -لذلك- يحفظ كثيراً وبلا فهم، وهذا معن الآلية، أي أن يحفظ بلا وعي وبلا إدراك، وتستغل هذه الحدة والآلية في الذاكرة في: حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف والأدعية والأذكار وفي المذاكرة والأناشيد، ويصعب نسيان ما يحفظه في هذه السن، ولكن مع مراعاة أن يكون أسلوب التحفيظ سهلاً وشيقاً وفي أغنية جميلة فتعلمه التسمية في كل شئ من خلال النشيد:
أبدأ لعبي باسم الله ..... أقرأ أكتب باسم الله
أركب أسبح باسم الله ..... آكل أشرب باسم الله
باسم الله باسم الله ..... أحلى كلام تعلمناه
فنحن بذلك نفرغ طاقة الطفل فيما يفيده نبعده - ضمنياً- عن الأغاني الفاسدة ونحبب إليه البديل الإسلامي الجميل ونملأ ذاكرته الحادة الآلية بالكلم الطيب.
وذاكرته الآلية تساعدنا كثيراً في عدم بيان السبب والحكمة والتفسير، فهو يحفظ بالتلقين وبالسماع -غالباً- ويكفي أن تقرأ له الآية والدعاء مرتين أو ثلاث ليحفظه عن ظهر قلب أو نحضر له -في حفظ القرآن مثلاً- شريط المصحف المعلم ليردد خلفه.

7- حب التشجيع:
وهو عامل مشترك -تقريباً- في كل الخصائص ونحتاج إليه عند العناد وعند عدم التمييز بين الصواب والخطأ وعند كثرة الحركة وعدم الاستقرار، وعلينا أن ننوع التشجيع من مادى إلى معنوي، وذلك حتى لا يتعود الطفل على شئ معين، ولئلا يصير نفعياً يأخذ على ما يعمله مقابلاً، ومن الأشياء الهامة عند التشجيع أن يربط الطفل بالثواب والأخروى، فنقول له: الذي يسمع الكلام يرضى الله عنه. هذا الحرف بعشر حسنات. الصلاة التي صليتها في المسجد الآن بسبع وعشرين صلاة في البيت، ونربطه بأفعال الصحابة والصالحين، فعندما يذهب للتدريب في النادي نقول له: أنت ستكون قوياً مثل سيدنا عمر وكان الكفار يخافون منه، أو نربطه بمن يحب كأبيه أو خاله أو عمه أو معلمه وأساليب التشجيع كثيرة ومتنوعة سيأتي الحديث عنها مفصلا في موضوع الثواب والعقاب لاحقا ومنها إعطاؤه نجمة في كراسة الحضانة -مثلا- ومدحه أمام زملائه وأبويه ومناداته بأحب الأسماء إليه وغير ذلك.

8- حب اللعب والمرح:
وهذا ليس عيباً بل إن اللعب قد يكون وسيلة لاكتساب المهارات وتجميع الخبرات وتمنية الذكاء وأفضل وسيلة للتعليم هي اللعب. اللعب والمرح ليس اختيارياً للوالدين كما أنه ليس عيباً في الطفل حتى نقول عنه أنه (لعبي مستهتر) بل إن ما يفعله هو طبيعة سنه وخاصية من خصائصه التي بدونها يصير غير طبيعي وما علينا إلا أن نرشده ونوجهه إلى إختيار ألعابه وأوقات اللعب، وكيف يستفيد من هذا اللعب واختيار من يلعب معهم.


(كتاب: فن تربية الابناء في الإسلام)