(سوريّة)..
بين الآلام..و..الآمال

-كلمة حق ، وأَنّة صدق-...




للشيخ
علي بن حسن الحلبي _حفظه الله وسدد خطاه_


الحمد لله حق حمده ، والصلاة والسلام على نبيّه وعبده ، وعلى آله وصحبه وجنده.
أما بعد:
فأقول بادئ بدء-:
« دمشقُ خيرُ منازل المسلمين » -في حين من الأحيان-كما صحّ عن رسول الإسلام-عليه الصلاة والسلام-...
فهي في القلب ، لم تغادرْه ، ولن تغادرَه...
وما يجري فيها-وحولها، وما إليها–منذ نحو عام-وعلى مدار أكثر الليالي والأيام!-مما لا يقرّه عقلٌ ولا شرع لا في أصل ولا في فرْع -مِن أحداث جِسام ، وأحوال عظام-من القتل ، والاعتقال ، والتعذيب-وغيرِ ذلك- :ممّا منه الرؤوسُ تَشيب!-..
ولقد كثُر-بسبب ذا- القيلُ والقالُ تبعاً لهذا البلاء الجاري-من قِبَلِ كثير من الناس ، في كثير من البلدان ، في كثير من الوقائع-وبشتى الاتجاهات والدوافع-:
فمِن متكلم-عاطفياً حماسياً-!
ومِن مناقش إعلامياً سياسياً-!
ومِن خائض بالزور ، ورُويبضة مأجور!
ومِن مُعرض بالكلّية من غير أدنى نظر ولا أقلّ رويّة-!
ومِن متعجّلٍ بإعلان عموم الجهاد بلا شروط ، ولا أسس،ولا استعداد-!

وإن مما لا يشكُّ فيه أحدٌ له قلبٌ نابضٌشرقاً وغرباً- أن هذه الأحداثَ الجاريةَ- « وإن كانت مُؤلمةً للقلوب- فما هي -إن شاء الله- إلاّ كالدواء الذي يُسقَاه المريضُ ليحصل له الشِفاءُ والقوة.
وقد كان في النفوس من الكِبْر والجهل والظلم ما لو حَصل معه ما تشتهيه من العِزّ لأعقَبها ذلك بلاءً عظيما.
فرحمَ الله عبادَه برحمتِه التي هو أرحمُ بها من الوالدة بولدها».
وإننا لنحمدُ الله-تعالى-أنه-بسبب هذا الجاري-قد « انكشف لعامة المسلمين -شَرْقًا وغَرْبًا- حقيقةُ حالِ هؤلاء المفسدين ، الخارجين عن شريعة الإسلام -وإن تكلّموا بالشهادتين!-، وعَلِمَ مَن لم يكن يعلمُ : ما هم عليه من الجهل والظلم والنفاق والتلبيس والبُعد عن شرائعِ الإسلامٍ ومناهجِه»[ما بين « الأقواس » من كلام شيخ الإسلام ابن تيمّية-رحمه الله- في رسالتهِ للملك الناصر-قبل نحو سبع مئة سنةٍ-].
وعليه :
...فإن كلامي ها هنا-أَوّلَ ما يكونُ-إنما هو مُوجّهٌ إلى خاصّة إخوانِنا الصالحين ؛ الذين هم بنا واثقون ، وبمنهجِنا مطمئنّون..ثم إلى عموم المسلمين نصيحةً في الدين- ؛ تحذيراً لهم مما هم عنه غافلون ، وتنبيهاً لهم عمّا هم به جاهلون مما كان .. أو سيكون-..
إخواني:
أرجو أن نكون واقعيّين في أنفسِنا وأحوالِنا ؛ سواءٌ في مواقفِنا أو نقاشاتِنا!
وإنّ مِن نافلة القول التذكيرَ بأنّ رأيَنا الفقهيَّ العلميَّ في المظاهرات ، والثورات،و.. و.. و ..-منعاً ورفضاً- معروفٌ -من قبل ومن بعد-لا نتحاشى من ذِكره! ولا نستحيي من الجهر به ، والدفاع عنه!!
ولكنْ؛من الناحية الواقعية -فيما نحن بصدده-:
هل هذا الرأيُ الفقهيُّ -كائناً مَن كان مطلقُه -اليوم-ولو كان(الأزهر!)،و(لجنة الإفتاء)،و(القرويين!)،و(الزيتونة!)-إضافة إلينا!-!!-جمعاً أو تفريقاً!-: سيجد استجابة لهـ(ـم) من أهل حمص، ودرعا، وريف دمشق ،و..و..-جمعاً أو تفريقاً!-إجماعاً أو خلافاً-أيضاً- ؟!
فهم-أصلاً وأساساً!-وفّقهم الله-لمّا (بدؤوا) بما هم فيه الآن!- لم يستشيروا أحداً من هؤلاء! ولم يستأذنوا أيَّ أحدٍ منهم!
ولكنّ هذا الواقع-الذي ما له من دافع -كيفما كان الأمرُ فيه-لا يمنع (بل أقول : يُوجِبُ على) مَن كان ذا استطاعةٍ في نصحهم : أن ينصحَهم ، ومَن كان ذا استطاعةٍ في توجيههم وتعليمهم: أن يوجّههم ويعلّمهم ..
فـ -مثلاً- : تلكم الأهازيجُ ، والأغاني - المرافقة للطبول-أحياناً- ؛ ما أعظمَ أن تُستبدل بعبارات الذل لله -تعالى-، ونداءات الاستعانة والاستغاثة به -سبحانه-، فالمقام جَلَلٌ كبير ، والوضع خطيرٌ خطير..
وتوحيدُ الله عز شأنه- ، والإخلاصُ له : أعظمُ ما ينبغي أن يلهجَ به -وأن يُذكّر به- مَن كان قريباً من الموت ، أو من كان الموتُ منه قريباً..
فالواجبُ الحتمُ اللازمُ دائماً وأبداً-على كل مسلم رضي بالله رباً ،وبالإسلام ديناً،وبحمد-صلى الله عليه وسلم-نبياً ورسولاً : التقرّبُ إلى الله-عز وجل- في سائر حالاته، وفي جُلّ مقاماته .
وهذا الواجبُ الضروريُّ يتأكّد- أكثرَ وأكثرَ-علماً ،وعملاً،واعتقاداً-بحق مَن كان واقعاً في بلاء ، أو مواقعاً لابتلاء..
فلْنكن-يا إخواني المسلمين- إيجابيّين -واقعيّين- في مواقفنا،ومناقشاتنا، وكتاباتنا-بل في مشاعرِنا وأحاسيسِنا-بدلاً من أن نكتب أو نتكلم-ولو أحياناً!-لمجرّد الخوض في الكتابة!أو الكلام! -!
فلا نريد أن نكون-ولو بدون قصد منا-مع الظالم ضد المظلوم ، مع القاتل ضد المقتول ، مع القوي ضد الضعيف...
نعم ؛ قد يكون للمظلوم-أو المقتول ! أو القوي!- يدٌ أو بعضُ سببٍ- فيما يجري له ، أو وقع معه -بطريقة-ما-! ولكنّ هذا لا يسوّغ بأي حالٍ من الأحوال-التسويةَ-بل المقارَبة- بين الجلاد والضحيّة-وبخاصة إذا كانت أشدُّ دوافع ظلمه - أو قتله- محضَ طائفية-...
إخواني:
أرجو أن نتذكّر-جميعاً-القاعدة الفقهية الجليلة - التي ما فتئنا نذكُرُها ونُذكّرُ بها-، ونكرّرها-في كثير من المواقف الواقعية-ولْنتأمّلها جيداً-: ( ليس المنهيّ عنه شرعاً كالمعدوم حِسّاً)!!
....وقد طالت مناقشاتُ الناس وعلى كافة المستويات!- ،وتنوّعت آراؤهُم-من هنا وهناك وهنالك-وباتجاهات متشعّبة متعددة!-مع الإشارة-ولا بد- إلى أن بعضَها مفيدٌ نافعٌ-ولو خالفَنَا وخالفْناه-..
إخواني المسلمين:
أكاد أجزم أنكم لو صرفتم-بارك الله فيكم- أكثرَ جهودكم -بَدَلَ جُلّ ذلك النقاش، والبحث، والخوض!-في دعاء ربنا العظيم سبحانه وتعالى- أن يُوفّق إخواننا المقهورين في (سوريّة) للقيامِ بحقّ الله-تعالى- ، ونيلِ ما فيه خيرُهم -مما يحبه الله لهم- ، والتضرّع إليه-عز وجل-أن يخذل حاكمَهم البعثيَّ النصيريَّ الكافرَ-بل غير المسلم-أصلاً!-لا (بشّره!) الله=بخير ، ولا(حفظه!ّ) ، وكذا زمرتَه المجرمةَ المعينةَ له على عتوّه ، وطغيانه ، وجبروته-: لكان أجدى لكم -بيقين- ، وأنفعَ لإخوانكم المظلومين-تاللهِ ربِّ العالمَين-..
إخواني:
لو لم يكن مِن نتائجَ إيجابيةٍ -عاجلة غيرِ آجلة-فيما جرى ويجري!- إلا صيانة العقيدة والتوحيد؛ من خلال ما فَضَحَ الله-تعالى-وله المِنّةُ والفضلُ-أمرَ الدعوة إلى الشيعة والتشيّع -والتي انتشرت في (سوريّة)-في السنوات الأخيرة-جداً-سواء بالدعم المالي الإيراني -الطاغي- ، أو بمدَد الحزب الشيعي الشيطاني الذي يقودُه اللبنانيُّ الخبيثُ (حسن نصر= الشرك!)-فضلاً عن بعض رؤوس الضلالة الذين لم تنكشف حقيقتُهم لأكثر الناس( مع انكشافها لنا-من قبل-عقائدياً-!) إلا من خلال هذا الواقع-كالبوطيِّ المأفون! ومفتيهم(!) الحسّون غير المصُون!-وأشياعهما ممن لربهم لا يتقون-، و.. و- : لَكفى...

والمأمولُ مِن الله -تعالى-ما هو أعظمُ من ذلك ، وأجلّ ؛ مما فيه الخيرُ لنشر الدعوة الحقة إلى دين رب العالمين ، والسعادةُ والتوفيقُ دنيا وأخرى- لعموم المسلمين ..
وأخيراً:
همسةٌ لآبائنا ، وأبنائنا (مِن أخوالنا) وكذا إخواننا- في (دمشق)-المسلمة-وما حولها وإليها-:
لقد غبتُ عنكم مضطراً -رغماً عني!- بسبب جَوْر هؤلاء النصيريّين ، وبغيهم المجرم اللعين-ثُلُثَ قرن من السنين...
فلعل اللقاء قريبٌ..قريبٌ...
وموعدُنا بمنّة الله-تعالى-وتوفيقه-:
* إما على سفح أو قمّة- (قاسيون) العلم والتاريخ والحضارة-حيث علّم المقادسةُ-وابن تيميّة، وابن كثير، وابن القيّم ،و و و..-..
* وإما «عند المنارة البيضاء شرقيَّ دمشق»-كما (بشّرَنا)نبيُّنا الكريم-عليه صلوات الله وسلامه-..
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ؛ لتختلطَ -ساعتئذٍ- دموعُ الشوق ، بدموع الفرَح ، بدموع اللقاء من غير دمع الألم والضنْك-...


...هذه كلماتُ محبّ ، مُتابع ، متأنّ ، مكلوم ، متأمّل ، مؤمِّل...


وأُردّدُ ثمّةَ مع الشاعر المبدِع المتغنّي تحناناً بدمشق-وما أدراك ما دمشقُ!-:




العينُ بعد فِراقها الوطَنا *** لا ساكنًا أَلِفتْ ولا سَكَنا


رَيّانةٌ بالدمع أَقْلَقَها *** أنْ لا تُحِسَّ كَرًى ولا وَسَنا


يا موطنًا عَبَثَ (العُداةُ) به *** مَن ذا الذي (أوفى) بك (الوهَنا)

عطَفوا عليك فأوسَعُوك أذًى *** وهمُ يُسَمُّون الأَذَى مِنَنا

وحَنَّوا عليك فجرّدوا قُضُبًا *** مَسْنونةً وتقدّموا بِقَنا

زِدْني وَهِجْ ما شِئتَ مِن شَجَني *** إنْ كنتَ مِثلي تعرفُ الشجَنا

أَذْكَرْتَني ما لستُ ناسِيَه *** ولَرُبّ ذِكرى جدّدتْ حَزَنا

أَذْكَرْتَني بَرَدَى ووادِيَه *** والطيرَ آحادًا به وثُنَى


وأَحِبّةً أَسْرَرْتُ مِن كَلَفي *** وهَوايَ فيهم لاعِجًا كَمَنا


كم ذا أُغالِبُه ويَغْلِبُني *** دَمْعٌ إذا كَفْكَفْتُه هَتَنا

لي ذِكرياتٌ في رُبوعِهمُ *** هُنَّ الحياةُ تألُّقًا و سَنَا

ليتَ الذين أُحِبُّهم علِموا *** وهُمُ هنالك ما لقيتُ هُنا

.... فتقبّلوا كلماتي بصدقِِ محبّة-أيها الإخوةُ الأفاضلُ الأحبّة -حفظكم الله-.