أما الآية الأخيرة ففيها تنبيه على ما يلحقه من أذى قومه
حين يفارقهم في الدين ويقوم بدعوتهم إلى الله وحده وبتحذيرهم من عذابه وبطشه
فقال: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}
ثم إن مطلع الآيات تضمنت النداء العلوى ـ في صوت الكبير المتعال ـ بانتداب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر الجلل،
وانتزاعه من النوم والتدثر والدفء إلى الجهاد والكفاح والمشقة:
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ}
كأنه قيل: إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، أما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فما لك والنوم؟
وما لك والراحة؟ وما لك والفراش الدافئ؟ والعيش الهادئ؟ والمتاع المريح!
قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك، قم للجهد والنصب، والكد والتعب،
قم فقد مضى وقت النوم والراحة، وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل، والجهاد الطويل الشاق،
قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد.
إنها كلمة عظيمة رهيبة تنزعه صلى الله عليه وسلم من دفء الفراش في البيت الهادئ
والحضن الدافئ، لتدفع به في الخضم، بين الزعازع والأنواء،
وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء.
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا؛
لم يسترح ولم يسكن، ولم يعـش لنفسه ولا لأهله.
قام وظل قائمًا على دعوة الله ، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض،
عبء البشرية كلها، عبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى
عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عامًا؛ لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد
منذ أن سمع النداء العلوى الجليل، وتلقى منه التكليف الرهيب...
جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء.
الروابط المفضلة