قبــــــــــــــــح وجمــــــــــــــال

للكاتبة / رشا محمود



انه صباح جميل ، أنت تعرف الصباح الجميل حين تراه كما تعرف كل شىء جميل آخر .. أنت ترى الجمال وتسمعه وتشمه وتتذوقه وأيضا تلمسه .. فالجمال هو الصفة التى تجتمع عليها كل حواسك ولا تختلف بشأنها أبدا ، تعرف أنت كل هذا جيدا ولكن ليس مثلما أعرفه أنا .. أسألنى أنا عن الجمال .. فأنا خير من يحدثك عنه هل تتساءل بينك وبين نفسك عنى؟ .. خبيرة الجمال هذه .. لابد أنها تحمل قدرا لابأس به أبدا منه ..
حقا !!!
لا بد أنك تمزح أو ربما كنت ضريرا
فاعلم يا سيدى أن خير من يتحدث عن شىء ما هو من يفتقده .. وبشدة
أسأل طفل يتيم عن حنان الأم .. أسأل ضريرا عن نعمة البصر
عندها ستعلم أننى فتاة قبيحة
وستعلم أن ما من فتاة على وجه الأرض يمكنها الاعتراف بتلك الجريمة النكراء سواى
القبح ، ياله من جريمة .. والويل لمن يرتكبها رغم كونه لم يتعمد ذلك أبدا
ولكنه يظل يُعاقب عليها طوال حياته
أسألنى أنا عن القبح أيضا
ربما لو كنت ثرية بعض الشىء لكنت وجدت حلا سحريا مما تصنعه الثروة لأصحابها وتجعلهم يتألقون كنجوم السماء
ولكن أن يجتمع القبح والفقر عليك .. فيالك من تعس
لا تحاول حتى الحلم بتغيير الواقع الكئيب الذى ينتطرك
منذ وقعت عينا أمك عليك بعد ولادتك ، ومع أول شهقة استنكار من هذا المخلوق العجيب الذى يؤكدون لها انه من أنجبته , تعرف وقتها أن الحياة لن تكون باسمة وأن عليك الاستعداد لما هو أسوأ
مؤلم أن تكون قبيح
لكنك رجل والمجتمع يتقبل الرجل القبيح ولا يقف أمامه كثيرا ليخضعه لمعايير الجمال القياسية
ولكنه لا يغفر أبدا للفتاة القبيحة والتى تضعها عشرات العيون يوميا تحت المجهروتتفحصها بمزيج من الدهشة والاستنكار
فكيف ستمضى تلك الفتاة حياتها فى مسارها التقليدى
حسنا إن كنت من الفضوليين بهذا الشأن
تفضل معى لتعش فى عالمى بعض الوقت

**************************

(2)

اسمى هيام
وليت أمى انتقت لى اسما اقل إثارة للخيال وجلبا للسخرية
أعيش مع أمى وشيطانين صغيرين هما خالد وخلود
أخواى التوأم الصغيرين المشاغبين كثيرا
نعيش معا فى شقة صغيرة بحى قديم لا يميزه شىء
والدى متوفى منذ فترة وترك على عاتق أمى مسؤولياتنا نحن العاهات الثلاثة
لكِ الله يا أمى
لنقل أننى حاولت التكيف بشكل ما مع الحياة والبشر
لم أحاول التفوق فى الدراسة
فقط حافظت على مستوى عادى لا يجلب السخط ولا يثير الإعجاب
مؤهل متوسط هو ما أصررت على الحصول عليه رغم أنه كان بإمكانى الإلتحاق بالجامعة ، ولكنها آخر مكان أتمنى أن أوجد فيه بين الطالبات المتأنقات والطلاب الأوغاد الذين يلاحقون الفتيات كنوع من أداء الواجب نحو رجولتهم المزعومة , سأكون وقتها مادة التندر فى مقرر العام دون شك
فمازلنا فى مجتمع لا يغفر قبح المرأة حتى لو ارتقت أعلى درجات العلم
لذلك تجدنى قد عملت بوظيفة لا بأس بها أبدا بالنسبة لمؤهلاتى المتواضعة
سكرتيرة فى مكتب محامى متوسط الشهرة ، لقد كان للمحامى وجهة نظر حين قرر تعيينى بمكتبه فهو لا يرغب فى سكرتيرة حسناء تشتت انتباه محاميه الشبان عن عملهم ، ولكم كان موفقا فى اختياره فكل منهم على استعداد لانتزاع عينيه بدلا من أن يؤذيها بالنظر لسحنتى البهيجة
لا أنكر أننى أحيانا ما أشعر بما تشعر به كل فتاة
أحيانا أتمنى أن يعجب بى أحدهم
ليس بجمالى طبعا
ربما لشخصيتى الجذابة .. حسنا لا توجد واحدة
إذن لذكائى الفطرى ......... امممم ما علينا
حسنا لطيبتى العفوية .. ربما لو تغاضى عن لسانى اللاذع وسخريتى المريرة من كل شىء التى أحاول أن أجعل منها ستارا يحمينى من الآخرين ربما وقتها سيجد شىء ما يجذبه إلىّ
غارقة فى أفكارى الخيالية فى طريقى للعمل حين دوت القنبلة!!
لا ليست فوق رأسى بل فى أذنى
فجرها بعض الشباب المتحمسين لواجبهم الرجولى
إنها ويا للمفاجأة عبارت شهيرة ومحكمة مما توجه للحسناوات فى الطرقات
ترى هل هؤلاء فى كامل قواهم العقلية؟!
لقد عرفت الجواب حين اكتشفت انهم خلفى تماما ولم ينالوا شرف النظر لوجهى بعد
لا أدرى لم يعتقد هؤلاء أن كل من ترتدى فستان لا بد وأنها كائن أسطورى فاتن؟!
حسنا ، لن أطيل عليكم فى وصف الصدمة التى حاقت بهم بعد اكتشاف الحقيقة المرة للكائن الذى يرتدى فستان متظاهرا بكونه فتاة ما
يا إلهى لكم يجرح هذا مشاعرى فأنا أملك كل مقومات الأنوثة الداخلية وأفتقر للخارجية تماما
هذا ليس عدلا
******************

حسنا يجب أن أحاول على الأقل إضفاء بعض الأنوثة على ملامحى الخشنة
يجب أن أخوض حربى الخاصة ضد القبح
يجب

******************



(3)

الجولة الأولى
---------
كنت أقف أمام واجهة أحد محلات أدوات التجميل الشهيرة .. كل هذه المنتجات الملونة البراقة تتلألأ ويبدو انعكاس وجهى الكئيب عليها متناقضا بشدة مع فتنتها
كل تلك المساحيق التى تجيد النساء طلاء وجوههن بها وتجعلهن فاتنات
بخطوات مترددة دخلت إلى داخل المحل الأنيق الذى تفوح منه روائح عطرة شديدة الجاذبية من المنتجات الأنيقة ، أمسكت بأحد الأصابع الملونة المسماة بطلاء الشفاة كانت له رائحة جميلة حتى وددت لو أكلته أكلا ولكنى وجدت البائعة فوق رأسى قبل أن أتم جريمتى النكراء والتهم طلاء الشفاة اللذيذ
تجمدت كتمثال من الشمع القبيح طبعا للحظات قبل أن أفتح فمى لأسأل عن شىء او اثنين من تلك الاختراعات العجيبة متجاهلة بكبرياء نظرة البائعة التى تمسح ملامحى متسائلة فى نفسها عن جدوى تلك المساحيق فى وجه كهذا
لم يطل الوقت كثيرا حين هوت الصاعقة على رأسى فور تفوه البائعة بأسعار تلك المساحيق الفلكية
لا أعرف هل قلت شيئا ما أم أننى أسلمت ساقاى للريح فورا كأنما تطاردنى الشياطين
ياللنساء الحمقاوات يدفعن تلك المبالغ الباهظة من أجل تلوين وجوههن .. تبا لهن من مبذرات


حسنا لنقل أن الحياة أرادت أن ترفق بى ، وذلك حين ظهرت فى حينا تلك العربة الصغيرة والتى تحوى بعض تلك المساحيق وإن كانت أقل تألقا بكثير ولكنها تفى بالغرض بالتأكيد حيث ابتعت بعضها بجنيهات قليلة وأخفيتها فى حقيبتى

فى المساء
أغلقت باب حجرتى وبدأت العمل كأى نقاش محترم وبدأت فى نثر الألوان هنا وهناك .. ياااه ما أجمل الألوان
طفلة تلهو بعلبة ألوان على صفحة بيضاء
ياللروعة
لقد تغير شكلى تماما
نفشت نفسى كطاووس وخرجت إلى أسرتى لأفاجئهم
كانوا يتحلقون أمام التلفاز يشاهدون المسلسل اليومى الممل
فكل البطلات جميلات وكل الأبطال يهيمون بهن ، يبكون لقسوتهن ، ينتحرون لهجرهن
حقا إن تلك العنصرية تقتلنى
وقفت أتابع المسلسل للحظات قبل أن تدوى أولى الشهقات فى أذنى كانت هذه من أخى الصغير والتى لفتت انتباه أمى وأختى لى وتذكرت دفعة واحدة
لابد أن المفاجأة كانت ساحقة
ابتسمت بثقة قبل أن ينفجرا الشيطانان الصغيران فى نوبة ضحك هستيرية
بينما رسمت أمى ابتسامة مترددة سرعان ما تلاشت تحت وطأة ضحكة مكتومة
يا إلهى لقد حولتنى المساحيق لمسخ آخر يثير السخرية لابد أننى بدوت لهم كأحد مهرجى السيرك
لم أحتمل أكثر وقد غسل عرق الخجل البارد وجهى لتسيل منه المساحيق الرخيصة وبقايا كرامتى الجريحة

لقد فشلت الجولة الأولى فشلا ذريعا


(4)


الجولة الثانية
---------
كانت حين قررت استبدال حذائى القديم الذى يلثم الأرض بآخر ذو كعب عالى كانت تقتنيه أمى منذ زمن وتعتز به كثيرا
وكان يبدو فى حالة جيدة
وكان الإغراء أقوى منى
لابد أنه سيجعلنى أكثر أنوثة بالتأكيد
وهكذا تجدونى وقدحشرت قدمى فى حذاء سندريلا هذا
لكم هى قدميكِ صغيرتين يا أمى
أرجو أن تسامحينى على استعارته من دون علمكِ
وبخطوات مترنحة جاهدة لتحافظ على توازنها مضيت فى طريقى بحذر
هنا دوت الصرخة من بوق سيارة تطالبنى بالإسراع قليلا
وحرصا على حياتى الغالية فقد عدوت عدوا من وجه السيارة ونسيت تماما أمر الحذاء اللعين و ......
سأعفى نفسى من الإحراج ولن أذكر تفاصيل السقوط الشنيع كجوال بطاطس محترم أمام حشد من الفضوليين ومثيرى الشغب وعاشقى التهكم على البشر الذين يسقطون أرضا فى الشارع
وقد عادت سندريلا – أرجو أن تسامحنى للتشبيه – إلى البيت
ببقايا حذاء كان فى حالة جيدة قبل أن يفقد كعبيه الجميلين
لا بد أن صدمة أمى كانت كبيرة
وقد دمعت عيناها من أجله فقد كان هدية من والدى و ...
لقد كانت ليلة الحزن والبكاء على الفقيد
أعتقد أن الجولة الثانية قد فشلت فشلا عظيما


(5)

الجولة الثالثة
---------
كانت حين قررت استعارة مكواة الشعر العجيبة من إحدى جاراتنا والتى أكدت لى أنها تحيل الشعر الشبيه (بسلك المواعين) إلى سلاسل من حرير
لذا قررت التجربة بنفسى
وهكذا تجدونى فى حجرتى الضيقة أمام المرآة التى ضاقت ذرعا بوجهى البائس والتى لو نطقت لتوسلتنى أن أرحمها منى قليلا
ولكنى تجاهلتها كالعادة وبدأت حربى الخاصة ضد خصلات شعرى المتمردة عديمة الذوق والتهذيب ، وقمت بتسخين المكواة على أعلى درجة ممكنة وبدأت أتلذذ بحرق خصلات شعرى اللعينة ، ورائحة الشواء تملأ الحجرة وموجات الدخان تجعل الرؤية مستحيلة
حسنا ربما بالغت قليلا فى تأديب شعرى حيث دوت الطرقات على باب الحجرة مع صراخ الجميع حين ظنوا أن الحجرة تحترق بمن فيها
وحين قمت أتحسس طريقى إلى الباب لأفتحه
انطلقت صرخات الرعب حين انفتح الباب عن وحش أسطورى يتصاعد الدخان من رأسه الشبيه بالمكنسة
ثم ما لبثوا أن تعرفونى وبدأت عمليات الإطفاء بدءا من صب الماء على رأسى وحتى تغطيتى بالبطاطين والقفز فوقها – تلك المهمة التى راقت للشيطانين الصغيرين كثيرا – المهم أننى قد تحولت فى النهاية لرغيف خبز محترق قد خرج لتوه من الفرن
لم يكن الموقف محببا أمام الجيران الذين تجمعوا للفرجة المجانية
لقد كانت فضيحة بحق
لا أدرى لم يحدث لى كل هذا ، رحماك يا رب
من المؤكد أن الجولة الثالثة قد فشلت فشل ساحق


******************

أعتقد أن ثلاث جولات كافية لأخسر الحرب
ولأرفع الراية البيضاء أمام القبح
عذرا منك فلم يمكننى تغيير الواقع أبدا
فالغراب لن يتحول لطاووس وإن حاول تقليده
لذا سأكف عن المحاولة
سأكف تماما

******************