الواقع هو كتاب كبير بحاجة إلى قراءة، وإذا شاهدنا واقعا كله خير وحب وتعاون وعدل وشوري واجتهاد... الخ فإن هذه الثمرات الحلوة هي لبذور طيبة في النفوس والعقول، فبالتأكيد أن هناك ضمائر حية وإخلاص وعلم، وإذا شاهدنا واقعا كله شر وظلم واختلاف وكسل وحسد وتفرق فإن هذه الثمرات المرة دليل على أن النفوس والعقول ممتلئة بالنفاق والكسل والجهل والأنانية والقسوة، وعندما نعطي هذه الأمثلة المتطرفة فإننا نهدف إلى تقريب الصورة في العلاقة بين ما في النفوس والعقول، وما في الواقع، لأن الواقع فيه خير وشر، وعدل وظلم.. فإذا زادت نسبة الظلم أو الشر في واقع ما، فلنتذكر فوراً الارتباط الكبير بين النفوس والواقع، ولنتيقن أن ما نشاهده في واقعنا هو ما نستحقه، ومن الخطأ أن نظن أن الواقع سيء بدرجة كبيرة في حين أننا جيدون بدرجة كبيرة، وأن سبب هذا الواقع هو أن حكومة أو اتجاها أو حزبا هم المسئولون وحدهم عما وصلنا إليه، فالواقع هو حصيلة ما في نفوس المجتمع جميعا فرداً فرداً من خير وشر وهؤلاء الأفراد يتجمعون في أسر وقبائل ومناطق وحكومات وأحزاب وجماعات وشركات وجامعات، وإذا كان إثبات وجود ضعف (انحراف) علمي شعبي عملية سهلة، فإن إثبات وجود انحرافات كبيرة في النوايا والأعمال عند الشعوب عملية سهلة أيضاً، هذا إذا كان الإسلام بعقائده وعباداته وأحكامه وأخلاقه هو المرجع والمقياس الذي نحتكم إليه، فمن السهل أن نعمل دراسات حول نسبة المصلين أو أعداد الممتنعين عن الزكاة أو المتعاملين بالربا، وغير ذلك وهذه قضايا أساسية ومعروفة في الدين، ومع هذا نجد انحرافات شعبية هائلة فيها، أي أن الالتزام بالمبادئ ضعيف، فأبو بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة، وبعض كبار العلماء كفروا تارك الصلاة، فهل أجبرت الحكومات الشعوب على ترك الصلاة، أو منع الزكاة، أو التعامل بالربا أم أنها أجبرتهم على الأهمال في العمل أو التبذير او الكسل أو النفاق أو الحسد أو التعصب العرقي؟! واغلب هذه الأمور هي أشياء


داخل نفوسنا لا تستيطع الحكومات فرضها أو تغييرها أو معرفة حقائقها، وإذا أردنا أن نعرف مزيداً من الانحرافات الشعبية فلنسأل بعض المقاولين عن كفاءة العمال ولنسأل العمال عن جشع بعض المقاولين، ولنسأل المدارء عن الموظفين والعكس ولنسال الزوجات عن الأزواج والعكس ولنسأل المدرسين والطلبة والمحامين والفقراء والتجار والشرطة.... الخ وسنجد انحرافات كثيرة تثبت أن ما نشاهده في واقعنا السياسي أو الاجتماعي أو غيرهما من شر وخير هو في غالبيته ذو مصدر شعبي، وسندرك أن الفرق بيننا وبين إيجابيات الغرب ليس فقط بين حكوماتنا وحكوماتهم، بل هو أيضا بين موظفينا وموظفيهم، ومعلمينا ومعلميهم، واحزابنا وأحزابهم، وطلبتنا وطلبتهم وعمالنا وعمالهم..... الخ. ألم يقل الشيخ محمد عبده رحمه الله قبل قرن عندما زار أوربا: "وجدت الإسلام ولم أجد المسلمين ووجدت هنا المسلمين ولم أجد الإسلام" وأحيانا تصل الانحرافات الشعبية في العقائد والأعمال والنوايا إلى حد إخراج أصحابها من الأسلام، فهناك حدود للانحرافات في الاسلام والانحرافات عموما هي الاستثناء لا القاعدة في حين أننا كثيرا ما نشاهد العكس. وعموما فلا يمكن أن نتغلب على ما نشاهده في واقعنا من فقر وحروب وتفرق وتخلف وظلم إلا إذا اقتنعنا بأن السبب الأول والرئيسي لكل هذا هو وجود انحرافات شعبية في العلم والعمل والاخلاص


وإليكم أمثلة واقعية تثبت أن الانحرافات التي نشاهدها في أغلبها ذات جذور شعبية: