كيف نجعل رمضان عرساً ينتظره الأبناء؟
أطفالنا فلذات أكبادنا يكبرون بين أيدينا وسعادتنا تكبر ، نرقبهم لحظة بلحظة ، فإن ابتسم الصغير عم الفرح البيت ، وإن حبا تابعته الأنظار مهللة ، وإن وقف ومشى اهتزت أرجاء البيت طرباً ، وعندما يدخل المدرسة يشعر ذووه وكأنهم ملكوا الدنيا ، وينمو هذا الذي شغل القلوب يوماً بعد يوم ، فاليوم أصبح مطلوباً منه حفظ دروسه وواجباته ، وغداً سيصلي، وبعد غداً يعمل كذا ، وقطار العمر يأخذه لمحطات يتعلم بها ويختبر الحياة اقتباساً وتجربة ، عملاً وتفكيراً ، والصوم يا أخي مسؤولية كبرى، وسيأتي وقت تصبح فريضة على طفلي و طفلك ، والصوم جهد ومشقة ويتطلب الصبر وقوة الإرادة ، الصوم فريضة عليها الثواب وفي تركها العقاب ، لا تدعها يا أخي تباغت أطفالنا دون أن يستعدوا لها ، بل دعهم يترقبونها بشوق وشغف ، القضية كبيرة ودورنا يجب أن يتناسب معها ، فكيف نجعل من لحظات الصيام سعادة في قلوب أولادنا ؟ وكيف نصير " رمضان الكريم " عرساً ينتظره أبناؤنا ؟
البيت مدرسة كبرى والطفل يرى ويسمع ويقلد ، البيت يجب أن تظهر فيه معالم الحفاوة برمضان ، والطفل يتربى ويكبر وهو يرى سعادة ذويه وأخوته بقدوم الشهر المبارك ، يجب أن لا يرانا نتأفف من الجوع ، فهو صحيح أنه صغير ولكنه خبير بالمشاعر ، يجب أن لا نفهمه أن الأمر جوع وعطش ، بل هو سرور وحبور ، وفوق ذلك ثواب عظيم ، يجب أن نعلمه أن الصوم لله تعالى والجزاء حقاً كبير .
طاقة الطفل وتحمله تزداد يوماً بعد يوم ، ولذلك فقد يكون هذا العام غير قادر على الصيام ولا عيب في ذلك ولا إثم ، فالصيام يرتبط بمقدرة الصغير المتزايدة وعندما يصبح بمقدوره تحمل هذه المسؤولية يجب أن نجعله يقبل عليها بحب واشتياق ، لا مانع إن دربناه قبل أن يصبح في سن التكليف على الصيام المتدرج كأن يصوم للظهر ومن ثم للعصر ، وهكذا درجات ، لا حرج إن كان بمقدوره تحمل بعض الجوع مع تناول بعض الماء إن كان لا يزال حقاً لا يستطيع الصيام ، إن هذا تدريب وتمهيد حتى لا نفاجئه يوماً بقولنا ( إن وقت الصيام قد حان ) ، ويكبر الصغير ويقوى على الصيام ، وآنئذ دعه يشعر بلذة الطعام والشراب بعد طول صبر وتحمل ، دعه يرى أن وقت الإفطار فرصة كبرى ينال فيها من السعادة اليومية ما يكفي ، واجعله يستمتع في نهاية الشهر بعيد سعيد يمرح فيه ويلعب .
في وقت الإفطار سنكون نحن قدوة وعاداتنا ستنعكس على أطفالنا بلا شك ، فالأكل ليس التهاماً بل بتأن وتؤدة ، وأنواع الطعام يجب أن لا تؤذي المعدة ، يجب أن لا نشرب بحراً من السوائل منذ البدء فيقلدنا الصغير وتؤلمه بطنه .
رمضان فرصة للمدخن كي يقلع عن سجائره إن لم يكن حرصاً على نفسه فحرصاً على أبنائه ، ما أسوأ ذلك المنظر الذي يفطر فيه صائم على دخلن سيجارة ، وطفله البريء ينظر إليه ، الصيام فرصة رائعة كي نخلص أنفسنا وأبناءنا من أقنية تلفازية لا تراعي ذوقاً ولا أخلاقاً .
أما العبادات فندرب الطفل على أدائها وعدم التهاون بها قبل الإفطار وبعده ، وفي السحور نوقظه رغم لذة النوم ، وعلينا بحكمة وفطنة أن نجعل وقت السحور متعة حقيقية يستيقظ له الطفل غير متحسر على نوم فقده ، يجب أن نحرص على سحور أطفالنا حتى وإن لم تكن بهم طاقة على الصيام حيث أنهم يتعودوا على أداء الصيام رويداً رويداً ، يجب أن لا يشعر أطفالنا أن الصيام نوم وكسل ، لا مانع إن تأخر الطفل في النوم قليلاً ، ولكن الطامة الكبرى إن رأى أباه ينام طول النهار وعرضه لا يفيق إلا على صوت المؤذن ، يجب أن يشعر أن وقت الصيام ثمين فيكسبه في الطاعة والعبادة وقراءة القرآن الكريم بالإضافة للأعمال الإعتيادية .
الجائزة والهدية يحبهما الطفل وتحلان في قلبه مسكناً حلواً ، وكما في أي عمل فهما تشجيع وترغيب يومي وأسبوعي وشهري .
طفلنا يجب أن يعلم أن ديننا يسـر ورحمة ، والله سبحانه سمح للمريض والمسافر والكبير الطاعن في السن غير القادر على الصيام وكذلك الصغير الذي لم يدخل سن التكليف بألا يصوموا ، فالله غفور رحيـم .
رمضان الكريم مناسبة لأن نعود أطفالنا البعد عن الأطعمة التي تقذفها إلينا المصانع بالأطنان وفيها من الضـرر ما يفوق النفع ، ونعيدهم للذوق الغذائي السليم ، التمر مثلاً فيه من الفائدة ما يجعل منه غذاء كاملاً ودواء نافعاً بإذن الله ، وعندما يرانا الطفل نقبل عليه على الفطور وبالسحور سيقتفي أثرنا في ذلك ، وكذلك قصة اللبن والعسل والثمار وغيرها من نعم الله بها علينـا .
في الختـام :
قد يكون في الصيام مشقة ، ولكن بإمكاننا بعون الله تعالى أن نجعله لحظات ينتظرها هؤلاء الذين سيصبحون عماد المستقبل بفارغ الصبر إن شاء الله .
منقول بقلم د.عبدالمطلب السح
الروابط المفضلة