أخي
الكريم : أراك منذ مدةٍ ساهماً واجماً ، تجلس مع الناس
وكأنك لست بينهم وحالُك تنبيء عن هم وحزن ،
وربما قلق.
أخي الكريم :
ولِمَ الغمُّ والحزنُ وربُكَ أرحم الراحمين
وأكرم الأكرمين ؟
وربك سبحانه وتعالى يقول : (( وإذا سألك عبادي
عني فإني قريبٌ أُجيبُ دعوة الداعِ إذا دعان
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبدالله بن
مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما أصاب أحداً قط همٌ ولا حزن
فقال :
اللهم إني عبدُك ابن عبدِك ابن أمتك ،
ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدلٌ في قضاؤك ،
أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسَك أو علمته
أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت
به في علم الغيب عندك : أن تجعل القرآن العظيم
ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ،
إلا أذهب الله عزَّ وجل همَّه وحزنه وأبدلهُ
مكانه فرحاً ، فقيل : يارسول الله ألا
نتعلمُها ؟ قال : بلى ينبغي لمن سمعها أن
يتعلمها )
أخي الكريم :
إن كان حزنك وهمك لأجل ضرٍ أصابك فعليك بدعاء
من يكشف الضر.
وإن كان لضائقةٍ تمر بك فعليك بمن خزائنه
ملأى لاينقصها الإنفاق ، ومن يرزق الطير
والدواب ، الذي بيده الملك وهو على كل شيءٍ
قدبر ، الذي لو اجتمع أول الناس وآخرهم وإنسهم
وجنهم ثم سألوه فأعطى كل واحدٍ مسألته مانقص
ذلك من ملكه سبحانه شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا
أُدخل البحر .
وإن رأيت أن بإمكاني مساعدتك فأخبرني فلن
أدخر في سبيل عونك شيئاً فقد قال أحدُ السلف
رحمه الله : ( إني لأستحي أن أسأل الله لأخي
الجنة ثم أبخلُ عليه بشيءٍ من الدنيا )
أخي الدنيا لاتساوي عند الله جناحَ بعوضةٍ
فلا تهتم من أجلها .
إن
الشيطان يسعى ليُحزن المؤمن فتارةً يُخيفه من
مستقبل الأيام وتارةً يخوفه على مستقبل
أولاده ، وتارةً يُريه أن غيره من الناس قد
نال من الخير أضعاف مالديه ويثير في نفسه
الحزن لذلك .
والمؤمن
الحق يعلم أن المستقبل بيد الله وأن الله
لايقضي لعبده المؤمن إلا خيراً إن أصابته
سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر
فكان خيراً لهُ ، والدنيا درا ممرٍ لا دارُ
إقامة ، والله هو الرزاق ذو القوة المتين .
قال الله
تعالى : (( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم
بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً
والله واسعٌ عليم ))
فليكن
ظنك بربك حسناً فإنه كما رعاك صغيراً وهيأ لك
من الأسباب ما أوصلك به إلى ما أنت فيه من خيرٍ
، سيتولاك برحمته ولطفه في قادم الأيام
فاسأله من فضله وأحسن الظن به وتوكل عليه
وابذل الأسباب ، فإنه سبحانه لايخيب من سأله ،
وقد دعا عباده إلى عدم اليأس والقنوط من رحمته
فهو الغفور الرحيم .
قال أحدُ العلماء :
فكرتُ فيما يسعى فيه العقلاء فوجدت سعيهم
كله في مطلوبٍ واحد وإن اختلفت طرقهم في
تحصيله ، رأيتهم جميعاً يسعون في دفع الهم
والغم عن نفوسهم ، فهذا بالأكل والشرب وهذا
بالتجارة والكسب وهذا بالنكاح وهذا بسماع
الغناء والأصوات المطربة وهذا باللهو واللعب
، فقلت : هذا المطلوب - دفع الهم والغم - مطلوب
العقلاء ، ولكن الطرق كلها غيرُ موصلة إليه بل
لعل أكثرها يوصل إلى ضده ، ولم أر إلا طريقاً
واحداً موصلةً إليه ألا وهي :
الإقبال على الله ومعاملته وحده وإيثار
مرضاته على كل شيء فإن سالك هذه الطريق إن
فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ العالي الذي
لافوت له وهو الذي إن حصل للعبد حصل له كل شيءٍ
وإن فاته فاته كلُ شيء ، وإن ظفر بحظه من
الدنيا مع إيثاره لله ومعاملته ظفر به على
أهنأ الوجوه .
فمن قرت
عينه بالله قرت به كل عين ، ومن لم تقر عينه
بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات والله
تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن به وعمل
صالحاً كما قال تعالى : (( من عمل صالحاً من ذكر
أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياةً طيبةً ،
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ))
نقل من منتدى الوسطيه
------------------
إذا أردتم العلم فانثروا القران فإنه علم الأولين والآخرين .
الروابط المفضلة