حصاد.....

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عزيزه بإسلامي
    :: إشراقة لكِ :: زهرة لا تنسى
    • Nov 2003
    • 3652

    حصاد.....

    إلى صديقي الذي لم أره أبدًا..
    سمعت أنك سترسل لي تهاني بمناسبة العيد..ألعاب وبالونات وقبعات رأس زاهية… يقولون إن بلادكم تبعد عنا كثيرًا.. لكني لا أصدق.. جدي زاركم مرة ليحج إلى الله.. وأبي يتكلم كثيرًا عنكم، إنه يقول إنكم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أنا لم أر الرسول لكني أحبه كثيرًا لأن أبي يقول إن الرسول علمنا كيف نوقد مشاعل النور وأنا -ككل الأطفال- أخاف الظلام وأكرهه.
    سمعت أنك تريد مساعدتي سترسل لي ولإخواني بعض الهدايا والألعاب.. وأنا لا أحتاج للألعاب.. وكذلك إخواني لا يريدون حلوى أو هدايا.. إن كنت سترسل حقًا فأرسل إلينا حطبًا ندفع به غول الجليد والشتاء.. أو أرسل إلينا بلطة ننحي بها الأشواك عن طريقنا.. أو حتى جاروفا لنحفر قبورًا لأشلائنا التي في الطرقات.. وبدلاً من قطع الحلوى أرسل لي طلقات من الرصاص أدفعها للمجاهدين كي يحصدوا رؤوس الذئاب.
    أنا طبعًا أحب اللعب، لكن لا تبعث لي لعبة.. فهي لن تحميني من الموت الذي ترسله السحابات الحمراء تلكم التي حذَّرني منها والدي… يقول إنها قتلت أخي الصغير… لم يفعل لها شيئًا… ولم يفعل شيئًا لأي أحد في هذا الكون… لم يكن يستطيع حتى أن يأكل بنفسه، ولا أن يتكلم… ولا حتى أن يلقم ثدي أمي بنفسه.. لم يكن يستطيع سوى الابتسام، كنت أحب منظر أسنانه الطرية وهي تظهر بين شفتيه الناعمتين ..
    تعرف!! لقد وضعته أمي يومًا في الكوخ الصغير بحقلنا وقالت لي انتبه لأخيك جيدًا.. وبينما كنت أجمع الزهور الملونة إذا بفراشة جميلة تحط على كتفي.. فأجري وراءها نلعب سويًا.. فوجئت بأخي يصرخ فرجعت إليه كان المنظر مضحكًا.. كان يصرخ لمجرد أن جروًا صغيرًا داعبه بلسانه الرطب على وجهه النحيل… تصور يخاف من جرو صغير!! إنني أحمل الجرو بيديّ وأقبله فوق جبينه .. اسأل أمي حتى…
    في يوم حملني أبي بين أحضانه، وحملت أمي أخي الصغير وفي يدها الأخرى كانت أختي الكبرى.. جرينا كثيرًا كان أبي يرتجف، كنت قريبًا جدًا من وجهه.. لمحت شفتيه ترتعشان.. وسمعت أسنانه تصطك…لم أر أبي بهذه الحالة من قبل.. كان ينظر إلي بين الحين والآخر ويقول: اهدأ يا صغيري .. لا تنظر خلفك، وأصوات عالية مخيفة كانت تنطلق من حولنا .. وجه أبي يثعب دمًا.. ومع ذلك كان يبتسم لي ابتسامات متقطعة لكنني لم أكن أحب هذه البسمات.
    كان كثير من سكان قريتنا يتساقطون بين الزروع وتسيل من رؤوسهم دماء غزيرة كانت أمي تقاوم السقوط… وأبي يستحثها على الإسراع، حينما سألت أبي عن هذه الدماء أجابني بجملة لم أفهمها..
    - إنهم يروون أمهم الأرض..
    تراك تفهمها يا صديقي؟؟
    عينان مرعوبتان، وشفتان مرتجفتان، وفم مطبق، وجبين حزين تلكم باختصار: أمي.
    أمك لا تضحك أبدًا؟؟.. حين تضمني إلى صدرها استمتع بالدفء لكن شيئًا ما يقلقني، ويفترس سكينتي هل هي هذه الطلقات العنيفة التي تنطلق من صدرها في عمق!! أشعر كأنها طرقات باب خشبي غليظ … منذ زمان ذهب أبي.. لم أره منذ ذلك الحين، قبل أن يحرقوا حقلنا بقليل … حين أسأل أمي عن مكانه تنظر دامعة إلى الجبال وتشير هناك، وأحيانًا تردف: ولربما في السماء.
    يوم الحريق كان مفزعًا.. أمي أرادت أن تطفئ الحريق .. لكن الجدات ذوات الأسنان المتآكلة أمسكن بها وقلن: إن الزرع قد نضج تكفيه أشعة الشمس ليحترق - لن تلحقي ثمرة واحدة.. ظلت أمي أكثر حزنًا لعدة أيام ثم انتهى كل شيء..
    اشتقت لعيني أبي.. اشتقت أن يضعني على رجليه مساءً وأعبث في لحيته..
    - أريد أن تكون لي لحية مثلك
    - سأشتري لك واحدة من متجر عم سليم ..
    - متى يا أبي..
    - حين نبيع المحصول.. وكنت انتظر الحصاد..
    كنت صغيرًا أتصور أن اللحية تباع ما كنت أدري أن اللحية هذه يعطيها الله لي حين أؤدي الصلوات وأطيع أمي وأحفظ في كتاب الشيخ..
    حينما مات أخي الصغير لم أره ذات يوم جمعت الجدات كل الصغار وخبأونا في قبو تحت الأرض، كنا نسمع أقدامًا ثقيلة تكاد تخرق السقف من فوقنا .. ذهبت أنا وأختي .. ما رضى الرضيع أن يأتي .. خاف أن يترك ثدي أمي.. تشبث به بكل ما أوتي من أسنان.. حنت له أمي قالت لجدتي: طفل صغير دعوه معي.. لن يمسه أحد بأذى.. لا أدري كم قضينا ربما يوم أو يومين..
    لما خرجنا وجدت أمي مريضة.. كنت جائعًا جدًا وكانت دماء غزيرة تنزف من جسد أمي.. كانت الدموع تختلط في وجهها بالدماء.. وشحوب غزير يغزو عينيها… وجدتي تضع يديها على خديها العجوزين، ولا تجيبني حين أسأل عن الرضيع..
    أخبرني ابن عمي بعد حين أنه مات.. خشيت أن أسال أمي أو جدتي بعد ذلك..
    أخيرًا :صديقي..حين ترسل لي أخبرني عن حقيقة ما سمعت عن بلادكم.. سمعت أنه ليس عندكم مدافع أو رشاشات.. سمعت أنكم تذهبون للصلاة فلا يقتلنكم أحد.. سمعت أن آباءكم يعيشون حولكم..
    وسمعت أن عندكم أشجارًا ومياهًا متدفقة نقية… هل صحيح؟؟
    سمعت أنكم تأكلون حتى تشبعوا؟؟ سمعت أنكم تضيئون الأنوار ليلاً، ولا تخافون من القصف؟؟
    لا أصدق ذلك .. يقولون إنه لا يزال لديكم عيد وأفراح وحلل جديدة، وأذان في المساجد، وما زالت الحقول لم تحترق.. حقيقة يقولون أكثر من ذلك ولا أصدقه.. يقولون أنه ليس عندكم روس!! ليس بينكم قتلة!!.. وما من أعداء لديكم!! …
    صديقي…إن وصلت رسالتي فلا تتأخر في الرد عليّ، ولا تنس أن ترسل لي قناعًا واقيًا حتى لا أموت كأخي.
    جروزني 4 مارس 2000
    حمزة


    منقول

    قصة: أحمد زين

    -------------------
    لا عز لنا إلا بالإسلام
    -------------------
    *** لطفا الرد من النساء فقط
    -------------
  • غريبة الروح
    "نجمة لكِ اللامعة " كبار الشخصيات
    • Feb 2003
    • 6635

    #2
    بوركت أخية

    تعليق

    يعمل...