أخذت طريق العودة وفي قلبي غصة جديدة, غصة تكاد تخنقني بمأساتي .دخلت غرفتي وكأني أراها لأول مرة ,كل شئ فيها غريب رغم أن كل ما فيها تركته هذا الصباح .غريبة أنا عن هذا المكان وعن ذاتي.
إنها غرفتي,نعم هذه أنا لولا هذه الروح الممزقة بين الصد والضياع.
إختنقت بأفكاري,علي أن أبوح ,أن أتكلم ,أن أبلغ بلوتي بكل لسان. لم يكن في البيت سوى جدتي بقايا إمرأة لا تتحرك,لا تتكلم ولكنها أكيد ستسمعني, سترى ذبولي
و دموعي وستلاحظ الغصة في كلامي,عليها أن تفهمني عليها أن تنصت لأحزاني فأنا لا أطلب المستحيل, أنا لا أطلب حلا كما لا أطلب إغتيال أحزاني.
دخلت غرفتها: " سأموت جدتي بلغني الطبيب بأني سأموت " الغرفة باردة وجدتي لا ولم تتحرك ,كنت أعلم مسبقا بأنها لن تتكلم. جدتي قلت لك بأن الطبيب يرى إقتراب موتي يرى إقتراب نهايتي.ما هذا الجو البارد. جدتي لم ترى نور الشمس منذ سنين سأكون آخر من يريها الشمس سأكون آخر من يمنحها دفئ خيوطها في أيام الشتاء. مجمدة حملتها إلى الخارج, أغلقت عيناها وبصعوبة وببطئ شديد فتحتهما من جديد.
آه يا جدتي ليتك تستوعبين فكرة موتي,الرحيل الأبدي,أنا لا أخاف الموت ولكني لا أريده الآن ,لاأريد الموت جدتي لا أريد الضلام أكره القبور والدود. لقد مات الكثير وقد أمهلهم الله كما تعلمين من العمر ما يكفي ليشقوا و يسعدوا فلماذا أنا جدتي,لماذا أموت صغيرة,إلاهي مازلت في عمر الربيع مازلت طفلة لماذا الموت,لماذا القبر ألا يحق لي أن أعيش أن أنجح أن أحب,جدتي تكلمي لأجلي صلي لحفيدتك.
مازال الجو بارد ونسمة الضهيرة تلفح ما تبقى من وجه جدتي. إلهي أنظر إلى وجهها,أنظر إلى وجه قرن من الزمان,أنظر إلى جسدها الفاني هل يعقل أن أموت قبلها هل يعقل أن يعرف الدود طريق إلى جسدي قبل جسدها,سأقتلك جدتي,سأقتلك وأذهب إلى الموت راضية,سأحرقك سأطعنك سأمزق جسدك الذي إحترف الأنانية. نعم لن أتركك ورائي باردة كصخرة الوادي .
كان صوتي حزين ونبرات التهديد تبدو واضحة,كنت أبكي وكانت دموعي تحجب عني وجهها وأذني لا تسمع غير وعيدي.
ماتت جدتي وعلى وجنتيها تربعت دمعتان,ماتت عندما كنت أفكر في سلك طريق الإجرام ماتت وتركت سؤالا دفينا في داخلي : لمن بكت جدتي؟؟؟
"أستغفر الله "
تم دفن جدتي في جو بارد لم تبك فيه أمي, حتى أبي لم يودع أمه بدمعتين. إنقطعت عن العالم وحبست نفسي في غرفتي.أريد الموت على فراش كجدتي. إشتقت إليهم كثيرا ولكن ما فائدة العائلة ما فائدة الحب والموت يتربص بي, علي أن أتعود على ضلمة القبر وسيكون الشوق هو الدود الذي ينخر جسدي.
مرت أيام لم أر فيها أحد,أين عائلتي أين أصدقائي أين الحب؟؟؟ لقد نسيني الجميع.أذكر أني بكيت كثيرا ولكن لا أدري كيف صرخت:
- " لقد ماتت جدتي,جدتي من دفنتم ,جدتي من واريتم التراب,مازلت على قيد الحياة,إني حية لم أمت بعد فأين أنتم وما هذا الجو البارد,ليتكم دفنتم جبل الجليد هذا, ليتكم دفنتموني مع جدتي."
-
لست أدري مالذي حصل بعد ذلك أو حتى كم مر من الزمن الذي بات متأثرا بطريقة الري الحديثة,ولكن أذكر أني وجدت نفسيى في عالم ليس بعالمي عالم مليئ بكل الزهور التي كنت أعشقها ورود بيضاء وحمراء. للحظات خلتها الجنة لولا تلك الممرضة التي كنت أكرهها والتي خرجت مسرعة ما إن رأتني أحاول فتح عيناي.لست في الجنة فهذه أنا أحتضر وهذا هو المستشفى الذي أصبحت لا أطيق حتى سماع إسمه.
أبصرته قادما بقامته الطويلة التي كنت أعشقها, بإبتسامته العريضة التي كانت تربكني.رأيته صحبة الممرضة القصيرة التي لا أزال أكرهها.إنه هو طبيب العائلة الذي كدرني بخبر دنو ساعتي. كنت حزينة وكان يبتسم. رميت الملائة بشراسة وقفزت إلى الأرض بسرعة جنونية والممرضة لا تزال تنظر إلي,كنت أريد الخروج من الغرفة ومن المستشفى ,أردت الهروب من عينيه ولكن قدمايا خانتني,سقطت على الأرض لا أقوى على الحراك ووجدت نفسي بين أحضانه في طريقي إلى السرير والممرضة تنظر إليه.همست في أذنه أكرهك,ولكنه تراجع إلى الخلف وألتقط زهرة صفراء سقطت منه لحظة سقوطي وإقترب من جديد ليهمس:
-" أغار عليك من المرض"
والممرضة لاتزال تنظر إليه. ليس المرض ما أعانيه لأنه لو كان كذلك سيكون حتما بمثابت الأمل والبعث من جديد.همس والزهرة الصفراء لا تزال في يده:
" قلت أغار عليك من المرض"
صرخت " لما تسميه مرض إني أحتضر, إني أموت, ألست من نظر في وجهي قائلا بأني سأموت قريبا ,ألست من رفع سماعته عن صدري قائلا بأني سأنتهي قريبا"
- " نعم قلت بأنك ستموتين في حبي وستنتهين إلى بيتي "
وكانت الصاعقة لقد قتلت جدتي
تعليق