قصص للفتيان والفتيات
عبد الكريم عبد الله رفعت
-7-

صديقي فاتح
انتهت العطلة الربيعية وعاد الطلاب إلى مدارسهم ، كــان الطقس بارداً بسبب سقوط الثلوج . كنا مجتمعين داخل قاعة المدرسة ، وكنا مسرورين بلقيا بعضنا البعض مرة ثانية بعد أكثر من أسبوع .
كان كل واحد منا يصافح صديقه بحرارة ويسأل عن حاله . وقف الطلاب جماعات جماعات ، كل واحد مع أصدقائه . ووقفت أنا مع أصدقائي نتحدث : كيف قضينا عطلتنا .
كان كل واحد منا يصافح صديقه بحرارة ويسأل عن حاله . وقف الطلاب جماعات جماعات ، كل واحد مع أصدقائه . ووقفت أنا مع أصدقائي نتحدث : كيف قضينا عطلتنا .
لقد سافر "جميل" مع عائلته إلى جبال "سفين" ، وذهب "محمد" إلى "الموصل" لزيارة خالته هناك ، أما "كامل" فقد سافر إلى "البصرة" وجاء دوري وسئلت :
- وكيف قضيت العطلة أنت ؟
- قضيتها في البيت ، أطالع دروسي ، وكنت أخرج أحياناً إلى المحلة وألعب مع أبناء الجيران ، نظروا إليَّ باحتقار وازدراء ، وكانت نظراتهم تجمع كل معاني الاستصغار و الإستذلال .
وقال لي (أحمد) بلهجة لا تخلو من الاستهزاء :
- بقيت عشرة أيام ملازما للبيت ، لا تكاد تغادره ... في هذه الأثناء جاء صديقنا "فاتح" ووقف معنا . التف الجميع حوله وبدأوا يسألونه :
الأول – أين قضيت العطلة ؟ أفي روما ؟
الثاني – أظن أنه سافر إلى لندن ؟!
الثالث – إن جو لندن بارد جداً ، أرجو أن لا تكون قد تعرضت لبرده !
كانت ملابسنا جميلة ونظيفة – حتى أنا رغم كوني أبن أحد حراس الشرطة .. كانت ملابسي لا بأس بهـا .
- وكيف قضيت العطلة أنت ؟
- قضيتها في البيت ، أطالع دروسي ، وكنت أخرج أحياناً إلى المحلة وألعب مع أبناء الجيران ، نظروا إليَّ باحتقار وازدراء ، وكانت نظراتهم تجمع كل معاني الاستصغار و الإستذلال .
وقال لي (أحمد) بلهجة لا تخلو من الاستهزاء :
- بقيت عشرة أيام ملازما للبيت ، لا تكاد تغادره ... في هذه الأثناء جاء صديقنا "فاتح" ووقف معنا . التف الجميع حوله وبدأوا يسألونه :
الأول – أين قضيت العطلة ؟ أفي روما ؟
الثاني – أظن أنه سافر إلى لندن ؟!
الثالث – إن جو لندن بارد جداً ، أرجو أن لا تكون قد تعرضت لبرده !
كانت ملابسنا جميلة ونظيفة – حتى أنا رغم كوني أبن أحد حراس الشرطة .. كانت ملابسي لا بأس بهـا .

أما "فاتح" فقد كانت ملابسه رثة عتيقة . كان ينتعل حذاءً قديماً وقد غيرت الأيام لونه فلا تعرف لونه الأصلي ، أكان أسود أم كان قهوائياً . وكان سرواله قصيراً لا يكاد يغطي جواريبه الممزقة .
أما سترته فلم تلمسها المكواة قط ، فضلا عن أن بعض أطرافها كان ملطخاً بالجص .
كنت أعلم أن والد "فاتح" جصاص يعمل في البناء وهو "أي فاتح" يساعد أباه متى استطاع ذلك ، ولم يكن هذا بعيب في نظري ، بل أنه شيء يستحق التقدير .
كان "فاتح" يتفحص وجوهنا بعينين كسيرتين يبدو عليهما شيء من الحرمان .
أما سترته فلم تلمسها المكواة قط ، فضلا عن أن بعض أطرافها كان ملطخاً بالجص .
كنت أعلم أن والد "فاتح" جصاص يعمل في البناء وهو "أي فاتح" يساعد أباه متى استطاع ذلك ، ولم يكن هذا بعيب في نظري ، بل أنه شيء يستحق التقدير .
كان "فاتح" يتفحص وجوهنا بعينين كسيرتين يبدو عليهما شيء من الحرمان .
قالوا له :
- هيا أخبرنا كيف قضيت عطلتك ؟ وإلى أين ذهبت .
كان يعلم أنهم يسخرون منه ولكنه لم يبال بهم ولا بسخريتهم ، فقال :
- كنت أساعد والدي لكثرة أشغاله .
- انفجروا من الضحك ودوت عاصفة من الضحك . أخفى "فاتح" وجهه براحتي كفيه وابتعد عنا مسرعاً ، وبدأ الأولاد يرشقونه بشتى ألفاظ السخرية والاستهزاء ، وهنا نفد صبري فأصبحت لا أرضى بما يفعلون ، فقلت :
- أنتم مخطئون في هذا يا أصدقاء ! كيف يعاب المرء على فقره .
ومرة أخرى أثاروا ضجة من الضحك . وقال أحدهم وهو يشير إلي بإصبعه :
- انظروا إليه كيف يدافع عنه لأنه فقير مثله .
ابتعدت عنهم أنا الآخر ولم أقل لهم شيئاً ، إن استهزاءهم بالفقراء دليل على عدم تربيتهم تربية حسنة ، لذا فلست بحاجة إلى مثل هؤلاء الأصدقاء .
تعقبت أثر "فاتح" وكان قد دخل الصف وجلس في مكانه وقد وضع رأسه على الرحلة وضمه بكلتا يديه .
ومن حركة كتفيه المتعاقبة صعودا ونزولا عرفت أنه يبكي ، أقتربت منه وربت على كتفه وقلت له :
- لا تحزن "يا فاتح" إن الأمر لا يستحق البكاء ، فهم أبناء أغنياء ولا يعلمون ما يقولون ، رفع رأسه ونظر إليَّ ، وكانت عيناه قد احمرتا من البكاء ، فقال :
- أنا لا تهمني سخريتهم ، ولكني أبكي لأمي التي دفناها صباح هذا اليوم ، قلت :
- أهي ماتت ؟
أومأ برأسه أن "نعم"
- إنا لله و إنا إليه راجعون .. غفر الله لها .
- هيا أخبرنا كيف قضيت عطلتك ؟ وإلى أين ذهبت .
كان يعلم أنهم يسخرون منه ولكنه لم يبال بهم ولا بسخريتهم ، فقال :
- كنت أساعد والدي لكثرة أشغاله .
- انفجروا من الضحك ودوت عاصفة من الضحك . أخفى "فاتح" وجهه براحتي كفيه وابتعد عنا مسرعاً ، وبدأ الأولاد يرشقونه بشتى ألفاظ السخرية والاستهزاء ، وهنا نفد صبري فأصبحت لا أرضى بما يفعلون ، فقلت :
- أنتم مخطئون في هذا يا أصدقاء ! كيف يعاب المرء على فقره .
ومرة أخرى أثاروا ضجة من الضحك . وقال أحدهم وهو يشير إلي بإصبعه :
- انظروا إليه كيف يدافع عنه لأنه فقير مثله .
ابتعدت عنهم أنا الآخر ولم أقل لهم شيئاً ، إن استهزاءهم بالفقراء دليل على عدم تربيتهم تربية حسنة ، لذا فلست بحاجة إلى مثل هؤلاء الأصدقاء .
تعقبت أثر "فاتح" وكان قد دخل الصف وجلس في مكانه وقد وضع رأسه على الرحلة وضمه بكلتا يديه .
ومن حركة كتفيه المتعاقبة صعودا ونزولا عرفت أنه يبكي ، أقتربت منه وربت على كتفه وقلت له :
- لا تحزن "يا فاتح" إن الأمر لا يستحق البكاء ، فهم أبناء أغنياء ولا يعلمون ما يقولون ، رفع رأسه ونظر إليَّ ، وكانت عيناه قد احمرتا من البكاء ، فقال :
- أنا لا تهمني سخريتهم ، ولكني أبكي لأمي التي دفناها صباح هذا اليوم ، قلت :
- أهي ماتت ؟
أومأ برأسه أن "نعم"
- إنا لله و إنا إليه راجعون .. غفر الله لها .

هذا كل ما قلته ولم أستطع قول أي شئ آخر
نعم الآن أدركت سبب حزنه .. إن فقدان الأم ليس بالشيء الهين .
لقد اضطربت عائلتي كلها عندما مرضت والدتي ولازمت الفراش ثلاثة أيام ، فكيف به وقد فقدها مدى حياته .
وقفت معه قليلا ، ثم رجعت إليهم وكانوا لا يزالون يضحكون ويصخبون . قلت لهم بشيء من الحدة والغضب الممزوجين بالعتاب .
أن أم "فاتح" قد توفيت صباح هذا اليوم !
وفي الحال تبدلت صيحاتهم إلى سكوت عميق تغيرت ملامح وجوههم وبات الحزن واضحاً عليهم ، وبعد قليل قطع "جميل" الصمت وقال :
- لم نكن نعلم ذلك و إلا فما كنا نسخر منه هكذا .
فعلق "محمد" قائلا:
- بل نحن أطفال وقحون - كان علينا أن لا نسخر منه هكذا - حتى لو لم نكن نعرف ذلك ، لذا نطلب منك المعذرة ...
قلت :
- لم تعتذرون مني ، بل عليكم أن تعتذروا من "فاتح" نفسه ، ذهبوا إلى "فاتح" وطلبوا منه المعذرة ، وعزوه عزاءً رقيقا ً.
" كم كنت مخطئاً إذاً عندما ضننت أنه لا خير فيهم ، فهم ليسوا وقحين مثلما كنت أضن إنهم على الأقل اعترفوا بخطئهم وحاولوا إصلاحه" .
كان المعلم طول الدرس يتحدث عن قيمة الوالدين في حياتنا ، وفي نهاية الدرس أجرينا مسابقة بعنوان :
" أنفع الأولاد لعائلته" .
فكان الفوز من نصيب "فاتح" باختيارنا كلنا ، لأنه حقاً أنفعنا لعائلته ، وهكذا عادت البسمة على شفاه صديقي "فاتح" .
نعم الآن أدركت سبب حزنه .. إن فقدان الأم ليس بالشيء الهين .
لقد اضطربت عائلتي كلها عندما مرضت والدتي ولازمت الفراش ثلاثة أيام ، فكيف به وقد فقدها مدى حياته .
وقفت معه قليلا ، ثم رجعت إليهم وكانوا لا يزالون يضحكون ويصخبون . قلت لهم بشيء من الحدة والغضب الممزوجين بالعتاب .
أن أم "فاتح" قد توفيت صباح هذا اليوم !
وفي الحال تبدلت صيحاتهم إلى سكوت عميق تغيرت ملامح وجوههم وبات الحزن واضحاً عليهم ، وبعد قليل قطع "جميل" الصمت وقال :
- لم نكن نعلم ذلك و إلا فما كنا نسخر منه هكذا .
فعلق "محمد" قائلا:
- بل نحن أطفال وقحون - كان علينا أن لا نسخر منه هكذا - حتى لو لم نكن نعرف ذلك ، لذا نطلب منك المعذرة ...
قلت :
- لم تعتذرون مني ، بل عليكم أن تعتذروا من "فاتح" نفسه ، ذهبوا إلى "فاتح" وطلبوا منه المعذرة ، وعزوه عزاءً رقيقا ً.
" كم كنت مخطئاً إذاً عندما ضننت أنه لا خير فيهم ، فهم ليسوا وقحين مثلما كنت أضن إنهم على الأقل اعترفوا بخطئهم وحاولوا إصلاحه" .
كان المعلم طول الدرس يتحدث عن قيمة الوالدين في حياتنا ، وفي نهاية الدرس أجرينا مسابقة بعنوان :
" أنفع الأولاد لعائلته" .
فكان الفوز من نصيب "فاتح" باختيارنا كلنا ، لأنه حقاً أنفعنا لعائلته ، وهكذا عادت البسمة على شفاه صديقي "فاتح" .

.
تعليق