الطهو البشري

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الدرر
    درة التحفيظ 1
    • Mar 2002
    • 2410

    الطهو البشري

    بقلم : سها عبد الحميد أحمد

    علمتنا يوكابد ( أم موسى ) .. أم الفؤاد الفارغ
    أن لكل أمٍّ الخيار في أن يكون فلذة كبدها من ورثة موسى
    يرث القيم الزكية ويقضي على أحد الفراعنة
    فلنمض معًا على يقين بأن رسالتنا ناجحة
    حتى ولو كانت أيدينا على الجمر قابضة
    فمائة آسية كان قدرهن أحد الفراعنة
    دوَّنت قصصهن في سجلات التاريخ عبرًا مشرّفة

    *******

    ونمضي سيدتي المرأة لنبحر في عطاء حنَّة
    فمعجزة محمد صلى الله عليه وسلم أخبرتنا عن عمق إيمانها وما يكمن فيه من روعة
    لنتعلم من يقينها أن أنساب الدين هي الأنساب القيِّمة
    وأن خلاص عالمنا الإسلامي الأول يقع على عاتق مهمة التربية
    وبلغتنا تجربتها في الدعوة أن عطاء الأمهات هو الصانع للأمة
    ولو أن قاسم أمين وكل من نادى بتحرير المرأة أدرك معنى ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى )
    لأيقن كيف يكمّل كل منهما الآخر : الذكر والأنثى
    فالمرأة في شرع الله تقطن في أعماق حصون المساواة المشرِّفة
    ومم تتحرر ؟ .. إنها بكمال الإسلام لا يمكن أن تكون أبدًا مستعبدة

    ****

    هاهي حنّة تناجي الله مخلصة
    الناس في زمانها يبتغون من أبناءهم أن يكونوا للعين قرّة
    وهبت ذاتها لله تمامًا بنية صافية
    وأرادت لطهوها البشري أن يكون حيثية مميزة وأي أمٍّ تخلص النية
    وتنذر لله ما أعطاها من الذرية
    لابدّ أن يلتقي أولادها في نسب خير البرية

    ****
    حدثتنا معجزة القرآن عن زوجة عمران .. الورعة التقية
    لم تكن حنّة على نذرها مجبرة
    لكن الله وهبها عطاء الحكمة السخية
    والقادر على منتهى العطاء إلى نفسه تعود العطية
    ومن شغاف أمومتها نادت ربّها .. أنها نذرت له ما استقر في رحمها
    وبمصداقية اليقين والتوكل توسَّلت إليه أن يتكفّل ذُرِّيتها
    ولم تنتظر تكليف مولودها بعد أن يبلغ السنوات الراشدة
    بل تميزت في عطائها ونذرته منذ اللحظة الأولى لميلاد عطية محررة

    ****
  • الدرر
    درة التحفيظ 1
    • Mar 2002
    • 2410

    #2
    ألفت البشرية أن نذرًا كهذا لا بدّ أن يكون ذكرًا ، فهو صاحب القضية
    وهو المؤهل السبّاق لخدمة بيوت الله المقدسة
    ونضج طهو الجنين المنتظر في رحم حنّة الآمنة
    وجاءت المولودة أنثى .. وهمس التحسر في نفس الوالدة همسة صامتة
    تلك الحسرة تمس قلوب ألوفٍ من النساء مؤلفة
    فقال لها خالقها وخالق ما في رحمها : أردت ذكرًا لخدمة بيتي يا حنّة
    وأردتها أنثى لأمنحها شرفًا أعظم بكثير من تلك المهمة ..
    أنثى تواصل إنجاب الذرية المصطفاة في مسيرة العقيدة الصالحة
    لذلك قال لها ربُّها : ( وليس الذكر كالأنثى ) يا حنّة
    أي أن الذكر الذي تمنَّيته مخلصًا للطاعة
    لن يصل إلى مرتبة الأنثى التي قدرتها في رحمك مثلاً للعبادة
    ونأتي نحن لنفهم الفهم السطحي لهذا المعنى
    ويبلغ في ذواتنا القمّة
    لنجادل الخالق في عطائه
    ونتمرد على قضائه
    والأدهى والأمر أننا نستشهد على عصيانه بكنوز المبادئ الخالصة من قرآنه

    *****

    يتجسد هذا العصيان في وجه عابس مما أنبتت أرضه التي زرَع
    وفي تقديم آيات العزاء بعلم أو جهل لصاحبة الرحم التي فيها وضع .
    والسبق الإعلامي في الثناء والمدح والتهاني لبطولة سيدة الرحم التي أنجبت ما قدر الله قد
    صنع
    وهذا الحزن الخفي من الأنثى ليس من الأدب مع حكمة اختيار الله لهبته ما يشاء
    بل هو تمرد وحجود .. وهل الإنسان أعلم من خالقه بماهية العطاء ؟
    ونراه يجد لضعف إيمانه الأعذار
    مع أنه دائم التلاوة لسور القرآن الطوال والقصار
    ويردد : إنه الخوف من المسؤولية في تربية بنات حواء
    والأولى لمن وجد في نفسه هذا الشعور أن يعيد فهم سورة النساء

    *****

    وكالببغاوت نردد ما قالته الجاهلات من الجدات
    عندما كن يعشن في زمن الكبوات
    وحُرمن من علوم الدين والدنيا وشُغلن بالتفاهات
    وأجبرت الإناث على قضاء حياتهن في ألوان متعددة من الغيبوبات
    وأشهدن على كبواتهن سُخف الأمثال والعادات
    ليرددن سواءً كُنًّ جادّات أو هازلات :
    "إنها إن سلمت من العار تحضر العدو للدار"
    وعندما رفع عالمنا الإسلامي أمثال تلك الشعارات
    اهتزت من جذورها المجتمعات
    وحصدت المرأة في عوالمنا الويلات
    والمسؤول الأول عن هذه الجريمة الفكرية من استسلم لسخف هذه المفاهيم من السيدات

    *****

    ومما زاد الطين بلة
    تصور الجُهَّل من الرجال أنهم جنسُ الله المختار ، وحتى لو ارتكبوا كل المحظورات فهم من الصفوة
    وعندما يختل حامل الميزان تضيع الكفتان في مهب ريح المفاهيم المنحطة
    وعلى صور الاستعباد الكثيرة للمرأة
    ألفت العوالم أكل حقوقها بنهم
    وأخذ كل واحد منا يبعد عن نفسه التهم ..
    أما آن الأوان لنستأصل من أعماقنا هذه القيم حتى لا يرثها الأبناء والأحفاد
    ويغدون بهذا الميراث مثلنا أمة رُفع عنها القلم

    *****

    أدركت حنة أنها ليست أصلاً في الكون إنما هي مستخلفة
    ولم تبحث لنزواتها ورغباتها عن نواميس مناسبة
    ولم تبال بما ألفته من طقوس بالية
    فقدر الله وقضاؤه هو بالنسبة إليها المِسطرة
    خرجت عن المألوف بأن مهام الدعوة للرجل مخصصة
    وأرسلت مولودتها معهم كأنثى واشترطت عليها أن تكون لله مخلصة
    وبحثت عن اسم يليق معناه بها فلم تجد أروع من معنى العابدة
    ثم أعاذتها وذريتها بالله الخالق الرحيم ممن يغيظه الإصرار على الدعوة .. الشيطان الرجيم
    استبدلت كفالتها البشرية بكفالةٍ أسمى وأطهر .. الرعاية الإلهية
    لتدخل هذه المولودة حدثًا فريدًا في القصة النبوية

    *****

    تعليق

    • الدرر
      درة التحفيظ 1
      • Mar 2002
      • 2410

      #3
      اجتمع كبار القوم ، كل يرغب في مولودة حنّة
      ولأن الله أراد لها مراده اختلفوا عليها واستهموا بالقرعة
      وككل المجتمعات عند ميلاد كل جديد قيم تثير الضجّة
      طافت أقلامهم وغرق قلم زكريا ذي العبادة الزكيّة
      فالله البارئ المصور العليم
      أراد بهذا الاختيار أن يجبر خاطر إشاع العقيم
      وكم نخطئ نحن المسلمين كبشر
      رغم سرد قرآننا لتلك القصص نضع أنفسنا بمرتبة مناظرة القدر
      أخذ زكريا ابنة حنّة
      وأحسّ بتكليف الله ومغزى هذه المهمة
      ليُخبِّئها في المحراب
      ويقفل عليها الأبواب
      وتتابع حنّة ومولودتها أحداث الرواية التي قصّها لنا في كتابه ربُّ الأرباب
      ليستشعر مغزاها أولو الألباب
      ونوقن أن استسلامنا لأقدار الله عن حبّ عينُ الحكمة والصواب
      فلكل قدر في حياة كلٍّ منّا حكمة بالغة
      حتى ولو خفيت علينا كل الأسباب

      *****

      معاني الكلمات :
      حنة : اسم أم مريم عليها السلام وجدة عيسى
      إشاع : اسم زوجة زكريا عليه السلام ووالدة يحيي بن زكريا
      يوكابد : اسم أم موسى عليه السلام

      تعليق

      يعمل...