شراهــــــــــــة

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشا محمود
    ملكة القصص
    • Nov 2005
    • 1626

    شراهــــــــــــة

    فى ساعة متأخرة من الليل وكل من فى البيت يغط فى نوم عميق والظلام يلف المكان .. وقع خطوات بطيئة يحاول صاحبها ألا يحدث اى صوت يتحسس طريقه ببطء حتى وصل الى إحدى الغرف دخل وهو يتلفت حوله حسنا لم يره أحد .. فتح أحد الأبواب وانعكس الضوء على وجهه وعيناه تلمعان من السعادة لقد وجد ضالته مد يده وأخذ كل ما أمامه و.. فجأة إضيئت أنوار المكان كله .. ماذا تفعل؟ .. أتاه صوت غاضب من خلفه .. إلتفت فى فزع وقال بإرتباك .. لا.. لا شىء .. أجابه الصوت الغاضب .. إذن ما كل هذه الأشياء؟.. ألن تتوقف عن فعل ذلك؟ هيا اذهب إلى حجرتك .. هيا .. أجاب فى خضوع .. حاضر يا أمى ..


    لملمت أمه الأشياء من على الأرض ووضعتها ثانية فى الثلاجة .. وهى تفكر .. لا فائدة يجب أن تحضر حارس خاص ليحمى الثلاجة من الهجمات التى يشنها عمرو عليها كل ليلة تتمنى لو إستطاعت ليلة واحدة ان تنام بدون قلق خوفا من ان تستيقظ فى الصباح فلا تجد ما تحضره للافطار او إن تجد الغداء قد اختفى من الثلاجة .. لابد ان تقوم كل ليلة بعدة جولات تفتيشية على المطبخ حتى انها تقوم مجهدة تماما فى الصباح ..


    لا يتذكر عمرو متى بدأ الطعام يستولى على تفكيره بهذا الشكل .. كل ما يعرفه أنه يشعر بلذة كبيرة وهو يأكل أو يفكر أو يحلم بالطعام .. أصبح يأكل فى كل وقت .. بعد الإفطار يأكل أول ساندوتش وهو ينزل السلم والآخر وهو فى الباص والثالث فى طابور المدرسة والرابع وهو يصعد إلى الفصل وهكذا الواحد تلو الآخر بالإضافة إلى كانتين المدرسة الذى كان عمرو زبونه المميز وأفضل عميل له حتى ان التلاميذ تحاول ان تذهب قبله إلى الكانتين لتلحق باى شىء قبل ان يهبط عمرو على الكانتين ليجعله خاويا على عروشه وبعد انتهاء اليوم الدراسى يعدو عمرو مسرعا إلى البيت ليلحق بطعام الغذاء .. إن طعام أمه لذيذ للغاية ولكنها تتعمد أن تعطيه كميات قليلة من وجهة نظره لأنها ترى أن وزنه قد زاد تماما بالنسبة لطفل فى التاسعة من عمره .. ولكن هذا لم يكن يشكل أى مشكلة بالنسبة لعمرو ولا يهتم بسخرية بعض زملائه وتلقيبهم له بكعبول وكلبوظة وغيرها من المسميات .. إن متعة عمرو بالطعام تغنيه عن التفكير بذلك كما أن كل المناسبات لا تخلو من الطعام ففى رمضان يستمتع عمرو بإلتهام الحلويات والكنافة والقطائف والمكسرات ربما لينتقم من الساعات التى حرم من الطعام فيها .. كذلك فى عيد الفطر يقوم عمرو إالتهام الكعك والبسكويت والبيتى فور حتى انك لو حاولت زيارتهم فى أول أيام العيد ربما لن تجد ما تستطيع ام عمرو تقديمه لك .. كذلك فى عيد الأضحى والمولد النبوى وشم النسيم وغيرها من المناسبات التى ينتظرها عمرو بفارغ الصبر خصوصا يوم عيد ميلاده فبعد ان ينتهى من اطفاء الشمع ينقض على التورته ولا يستطيع أحد أن يشاركه فيها أبدا ..

    وإن كان بعض زملائه فى المدرسة يفضلون صداقته لأسباب خاصة بالطبع ليس ليشاركوه فيما يملأ حقيبته مما لذ وطاب فما كان لأحد ان يشارك عمرو فى الطعام فهو ملكية محظورة ممنوع الإقتراب منها ولكن أحيانا عندما يخرجون للنزهة فكثيرا ما يقابلون بائع الآيس كريم الشهير والذى كان دائما محاط بعشرات الأطفال يتحلقون حوله للحصول على قطعة من الآيس كريم وبالطبع لم يكن صعبا على عمرو إقتحام هذه الجمع من الأطفال وربما الحصول على ما فى العربة كلها و من طيبة قلب عمرو فإنه يترك القليل للأطفال المساكين الذين لا يجدون فى أنفسهم القوة لمزاحمة عمرو فعندما يتعلق الأمر بالطعام فلا يوجد منافس لعمرو وقد علم بعض زملائه أن عمرو خير من يقوم بالمهام الخطرة ومهما كان الزحام شديدا فإن ارادة عمرو الحديدية تقهر كل شىء فى سبيل الحصول على الآيس كريم أو حتى حلوى غزل البنات فلا يوجد صنف من الحلويات لا يفضله عمرو حتى أن والدته قد بذلت معه مجهودات مضنية حتى لا يلتهم الحصان المصنوع من الحلوى والذى جاءه هدية فى المولد النبوى والذى بالطبع قد تم إكتشاف اختفاؤه فى الصباح فى ظروف غامضة ..


    ان أكثر أنواع العقاب إيلاما لعمرو هو منعه من تناول الحلويات المفضلة له وذلك بالطبع بعد أن يكون إلتهم الأخضر واليابس ولم يترك شيئا للضيوف لقد قامت والدته يوما بحبسه فى حجرته لإنتظارها بعض الضيوف وحتى لا يقوم عمرو بإحراجها أمام الضيوف بإلتهامه الحلوى التى إشترتها لهم خصيصا وقد أخفتها بمهارة فى دولابها بعيدا عن يدى عمرو .. ولكنها إكتشفت إختفاءها حين أرادت تقديمها للضيوف فقد قام عمرو بواجبه فى الليلة الماضية عندما شاهد والدته وهى تمشى على أطراف أصابعها لتخفى الحلوى فى الدولاب ولأن غريزة عمرو الغذائية لا تخطىء فقد علم ان الشىء الذى تخفيه والدته هو نوع من الطعام وقد نفذ خطته فور خروج أمه من الحجرة ..


    لقد فشلت جميع محاولات أمه لابعاد تفكيره عن الطعام وإشغاله بهوايات أخرى وقد إشتركت له فى أحد الأندية الرياضية ولكن الرياضة كانت آخر شىء يمكن لعمرو التفكير فيه إنها مجهدة للغاية كما أنها تصيبه بالجوع المستمر .. كذلك انه لا يستمتع بعزف الموسيقى أو الرسم أو التمثيل لذلك أصر على أن يشترك فى قسم التدبير المنزلى فى المدرسة ولكن بالطبع قد تم رفض طلبه لاقتصار هذا القسم على الفتيات فقط ..


    فى إحدى الليالى إضطر والد عمرو ووالدته للذهاب لإحدى الزيارات العائلية وقد تعلل عمرو بوجود مغص فى معدته وأنه لن يستطيع الخروج معهم وقد ذهبا معا بعد أن إستغرق عمرو فى نوم عميق .. بعدها قام عمرو من سريره مسرعا إلى مكانه المفضل فى البيت إلى المطبخ وإتجه مباشرة إلى الثلاجة وفتحها كما فتحت المغارة أمام على بابا .. دهب .. ياقوت .. مرجان ... أقصد .. ديك رومى .. دجاج .. لحم .. تورته.. جاتوه .. لقد أفرغ عمرو محتويات الثلاجة كلها ووضعها على المائدة الصغيرة فى المطبخ .. وهو يشعر بسعادة كبيرة فهى المرة الأولى التى يستطيع الدخول إلى المطبخ دون أن يخاف أن تكشفه والدته فى إحدى حملاتها .. ماحدث بعدها ليس بحاجة لأن يذكر فقد دمر عمرو محتويات الثلاجة تماما وإلتهم طعام الأسبوع كله ولم يسلم شيئا واحدا منه وبدت الثلاجة المسكينة وكأنها ضربت بأحد الصواريخ والمطبخ أصبح فى حالة مزرية للغاية .. ولكن ليسا وحدهما من كان فى مثل هذه الحالة فعمرو بعدهما قام بحربه الشعواء وصال وجال بين الأوانى والأطباق والمعلبات وعلب اللبن والعصائر وكاسات الجيلى و...... قد شعر للمرة الأولى بآلام مفزعة فى بطنه حيث أن معدته المسكينة لم تقوى على تحمل المزيد وقررت التمرد عليه للمرة الأولى .. وأصبح المغص الذى إدعى عمرو الإصابة به حتى لا يخرج مع والديه وينفرد وحده بالبيت لتنفيذ خطته واقع مرير يعيشه ويتعذب به ..


    وعندما عاد والديه ووجدا آثار العدوان البشع على المطبخ كان بالطبع من حسن حظ عمرو أنه كان فى حالة مزرية إستلزمت نقله إلى المستشفى وعمل غسيل معدة له .. وقد لبث عمرو بعدها شهر فى المستشفى يتعالج من معدته ولا يتناول بجانب الدواء سوى الطعام المسلوق والخبز الجاف وقد كان هذا أكبر عقاب تلقاه فى حياته كلها .. فإن الأدوية التى يتناولها والنظام الغذائى الإجبارى قد أفقداه شهيته تماما .. فلم يعد يتوق لتناول الطعام والحلوى كما فى السابق وقد إنخفض وزنه بشكل كبير .. وبالطبع لم يكن هناك من كان أكثر سعادة بذلك من والدته والتى أصبحت تنام ملىء جفونها مطمئنة تماما ان عمرو لن يجرؤ على الإقتراب من الثلاجة مرة أخرى ..


    وأصبح عمرو ينظر إلى الثلاجة بعيون دامعة حزينة فقد ولت الأيام الجميلة بلا رجعة ...


    *************************************


    تهنئة

    لكل أسرة لك .. من أعماق قلبى .. كل عام وأنتم جميعا بخير بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك .. أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات ..
  • ناااصحة
    لجنة الجوال كبار الشخصيات "دانة الحوار" متألقة المداد
    • Aug 2003
    • 9439

    #2
    اندمجت تماما مع القصة

    ولكني سارعت بحمد الله في نهايتها..

    دوما هكذا انتي يا رشا...تنثرين تلك الدرر..

    لنسعد بالتقاطها..

    فكلها معاني سامية..واهداف راقية..

    تجاهدين دوما لايصالها لنا..

    حفظك الله ..
    مدونة زاد الطريق رائعة جدا للقراءة من الجوال فيها دروس استاذة اناهيد السميري في العلم عن الله وشروحات متميزة

    هُنا .. زاد الطريق

    وهنا مدونة علم ينتفع به .. تفريغات للدروس اكثر

    تعليق

    • رشا محمود
      ملكة القصص
      • Nov 2005
      • 1626

      #3
      الحبيبة / ناصحة

      دائما أنت من تسبقين لنثر لآلىء أناملك على حروف كلماتى .. شكرا لك يا غالية ..
      كل عام وأنت بكل خير .. دمتى لنا يا درة فيضنا ...

      تعليق

      • ام البنين1977
        كبار الشخصيات "قاصة مبدعة "- شعلة العطاء
        • Jun 2005
        • 11044

        #4
        قصة لطيفة جدا ...
        لكن ...
        أتعرفي ؟؟!!
        طوال قراءتي للموضوع و أنا أضحك ..
        تذكريني بكتّاب القصص المصريين ...
        و أتمنى يا رشا أن أسمع إسمك يوما ما بأنك قد رفعتي أدب القصة العربية في أمتنا
        أتمنى أن أسمع إسمك بين الكتاب و المؤلفين
        حسبي الله و نعم الوكيل لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ...
        حسبي الله و نعم الوكيل لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ..
        حسبي الله ونعم الوكيل لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ...
        حسبي الله ونعم الوكيل لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ..
        حسبي الله و نعم الوكيل لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ...
        حسبي الله و نعم الوكيل لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ...
        حسبي الله و نعم الوكيل لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ...
        لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ...






        [

        ]

        تعليق

        • رشا محمود
          ملكة القصص
          • Nov 2005
          • 1626

          #5
          حبيبة قلبى / أم البنين

          أسعدك الله كما أسعدتنى حروف كلماتك .. سعيدة لإعجابك بالقصة وقد فعلت خيرا أن أضحكتك وأدخلت بعض السرور على قلبك ..
          أذكرك بالكتاب المصريين .. ربما يا عزيزتى لأننى مصرية مثلهم .. أشكرك على أمنياتك لى بأن أكون كاتبة .. أضم دعوتى إلى دعوتك وتصبح دعوتان تدقان باب الرحمن وتنتظران مشيئته ..
          شكرا لك يا غالية .. دمتى بكل خير ...

          تعليق

          يعمل...