جماله الممزوج بالهيبة,أخذني إلى أحلام بعيدة المدى,فرحلت مع أفكاري إلى عالم اللاحدود,وأنا أستمتع بالنظر إلى صفحة وجهه الساحر ونسائم الهواء تداعب وجنتاي في رقة,وتأملته..فإذا به يرتدي حلة زاهية جمعت بين لون السماء ولون الفضة,وقد أخذ يطلق أنشودة هادرة يسمعها كل من حوله من الناس في محاولة منه لجذب انتباههم وهم في غير حاجة لذلك؛فلقد سلب ألباب الجميع ممن يراه ويسمع له..
ثم أخذ يتراقص وكأنه الوحيد في ذلك المكان الذي أجده فيه كلما أحببت أن أتنفس الهواء,وقد أخذ حبي له وإعجابي يتنامى ويتضاعف مع الأيام حتى صار الشوق إليه من عادة قلبي الذي عرف طريقه إلى الحب!..وأنا ألقي إليه بنظراتي وأتمنى لو كان في استطاعتي أن ألقي إليه بما يدور في خلدي كي يشاطرني هذه المشاعر..ولكن الناس من حولي وأنا في غنى عن أي اتهامات قد يرمونني بها إن أنا تحدثت! لذلك آثرت الصمت وكتمت حبي ذاك في سويداء قلبي..
وأخيراً..سحبت خطاي واعتليت صخرة كانت بالقرب منه,عندها ألقى إلي بنظرات فضية تتلألأ,كثيرا ما يلقيها في لا مبالاة إلى كل من يجالسه.. فخفق قلبي في عنف,لكنني علمت بأنني لست الوحيدة التي انجرفت في هواه وهوى مجالسته والأنس بالصغيرات اللاتي يتبعنه ويسابقنه ويلعبن بالصخور المتناثرة حوله,ثم يرتددن عنها في رقة أو شدة بحسب الجو الذي ساد المكان,وقد خلفن آثار لهوهن على ثياب الكثيرين!
ثم ابتسمت له وأنا أعلم علم اليقين أنه لا يرى ابتسامتي من خلف خماري..وليس لذلك! بل لأنه لا يرى ولا يسمع! بل قد يشعر بي وبجميع من حولي ممن أنسوا به وبكريم هداياه وعطاياه, وقد ألقوا بسنانيرهم وشباك صيدهم في جوفه!
أعرفتم من هو ذاك الذي شل تفكيري وتفكير الكثيرين والكثيرات؟!
وقض مضجعي ومضجعهم لشدة تعلقنا به؟!إنـــــــه البــــــحر,بكل المعاني الجميلة التي يحملها..وبكل الصفات الأخاذة التي يتحلى بها..وعن البحر رسمتُ استفهامات كثيرة تدور في رأسي وجدت لمعظمها التفسير المناسب،،فالبــحـــر..ذاك المخلوق العظيم المهول، ذاك المخلوق الذي قد نوصفه في مرات عديدة ب(الغدر!)..
ذاك المخلوق الذي تسكن في أعماقه الكثير من العجائب والأسرار،ومختلف الحيوانات والنباتات والأصداف..ذاك العالم الغريب الذي لا نعرف عنه سوى القليل((وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا))..فكم من القصص التي حيكت على جوانبه وفي أعماقه؟! وكم من غدرة غدر بها...بل كم من المرات أمره خالقه أن يفيض ويبتلع في جوفه من بني البشر؟!
وفي ذلك أحب أن أنقل كلاماً جميلاً لابن القيم الجوزيةـ رحمه الله ـفي كتابه "مفتاح دار السعادة"((ولولا إمساك الرب تبارك وتعالى له"أي البحر"بقدرته ومشيئته وحبسه الماء،لطفح على الأرض وعلاها كلها،هذا طبع الماء،ولهذا حار علماء الطبيعة في سبب بروز هذا الجزء من الأرض مع اقتضاء طبيعة الماء للعلو عليه وأن يغمره،ولم يجدوا ما يحيلون عليه ذلك إلا الاعتراف بالعناية الأزلية والقدرة الإلهية التي اقتضت ذلك لعيش الحيوان الأرضي في الأرض وهذا حق ولكنه يُوجب الاعتراف بقدرة الله وإرادته,وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال(ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق ببني آدم) وهذا أحد الأقوال في قوله تعالى(والبحر المسجور)أي المحبوسَ))انتهى...أما أسئلتي الخاطرية فتتابع (كم مرة ياترى أشرقت الشمس على البحر وكم مرة غربت؟!!
وكم من بني البشر الذين غاصوا في اعماقه واصطادوا لآلئه؟! وكم منهم الذين يقتاتون من خيراته وأسماكه؟!
بل كم من حوت ضخم يرقد في أحشائه ويُصدر غناءه المخيف تحذيراً لكل حيوان أو إنسان؟! وهنا أتابع حديث ابن القيم حيث يقول((وإذا تأملت عجائب البحر وما فيه من الحيوانات على اختلاف أجناسها وأشكالها...حتى أن فيها حيواناً أمثال الجبال لا يقوم له بشيء ,وحتى إن فيها من الحيوانات مايُرى ظهورها فيظن أنها جزيرة فينزل الركاب عليها فتحس بالنار إذا أُوقدت عليها فتتحرك فيعلم أنها حيوان.....ثم انظر إلى عجائب السفن وسيرها البحر تشقه تمخره بلا قائد يقودها ولا سائق يسوقها وإنما قائدها وسائقها الرياح التي يسخرها الله لإجرائها،فإذا أحبس عنها القائد والسائق ظلت راكدة على وجه الماء،قال تعالى(ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الرياح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) (والله الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)))انتهى كلامه رحمه الله..وبقة تساؤلاتي الخاطرية هي(لمَ خلق الله البحر مالح الطعم بينما النهر حلوا؟! وبقدرته سبحانه لا ينسكب ما به من ماء على الرغم من دوران الأرض؟! بل وكيف يحافظ على كميته على مدار السنين؟!
وهنا قد أستطيع الإجابة بحسب المعلومات المتوفرة لدي فترجع ملوحة البحر إلى حكم عظيمة منها الملح يحفظ الحيوانات الميتة والمتحللة من التعفن،فالبحـــر على قدر سعته فهو يكتظ بالكثير من الحيوانات والنباتات، والطبيعة تقتضي أن لا دوام لأي كائن كان إلا لخالقها،لذلك فالملح يحفظ تلك الأجسام من أن تفسد البحر،كما وأن البحر على غير طبيعة النهر الجاري والذي ينظف نفسه بنفسه بسبب جريانه وانتفاع الناس من ماءه الحلو،وملح البحر مهم للإنسان الذي علمه تبارك وتعالى كيف يستخرجه لينتفع منه في أغراضه المعيشية وغير ذلك من الفوائد والحكم..
والبحر بقدرة الله لا ينسكب من على وجه الكرة الأرضية بالرغم من تحركها ودورانها؛وذلك تبعاً للجاذبية الأرضية التي منحها الله إياها كي يستقر كل شيء على وجهها ،والأهم من ذلك هو حبس القادر لها ومسكه للماء كما تقدم آنفاُ في حديث ابن القيم..أما وكيف يحافظ البحر على كميته فالجميع يعرف أنه يتجدد بنزول المطر فهو في دورة مع الطبيعة لا تنتهي إلا أن يشاء الله،ومع ذلك فالعلماء قد ذكروا أن البحار قبل آلاف السنين لم تكن كذلك بل انشق العديد منها لتكون الخلجان وجفت أخرى منها،وقد تختفي جزرا كانت قيها وتظهر أخرى،وبفعل المد والجزر يحصل الشيء الكثير على مدار السنين الطويلة بقدرة الله..
أما وآخر سؤال أطرحه عليكم هو:لمَ نحب البــحــــــرونأنـــس بالقرب منـــه والتمتع بالنظر إليــــه؟؟!!
هذا مالا أستطيع الإجابة عنه لأن الإجابات ستختلف من واحدة لأخرى..
لكننا حتما سنردد معاُ: سبــــــحان من خلق البحـــر وأبدعه من خالق عظيم،جلت قدرته وآيــــــــــــاتـــــــــــــه((فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون))
تعليق