التاريخ لا يعنيني نقله لكم
ولكن لربط الاحداث إن إستدعى الربط ذلك
مايعنيني هو ..محمد
دعوني .. أعرفكم بمحمد الآن وسوف أعود لسرد حكايته منذ عودته للوطن حتي مرحلة الجنون ومابين العودة والجنون
أحداث ..
عايشتها حتى اصبح
محمد
خطر علي
محمد الآن
أشعث أغبر رث الثياب مدخن شره مدمن الشاي وبيته فيلا امامها حديقة كثيفة الاشجار لاتقلم ولاتهذب
كلحيته وشعر رأسه الذي لايقلم ولا يهذب ولا يحسن
وجدران واجهة الشقه بها من الاشعار والعبارات والحكم مايدعو للحيره
هذا هو محمد
الاحداث منذ عودته الى أرض الوطن الى مرحلة الجنون سأسردها لكم بشيء من التفاصيل
اغلبكم سمع عن جبهة تحرير ظفار والخليج العربي خصوصا طلاب التاريخ .. وهذا ليس موضوعنا ولكن لربط الاحداث كما اسلفت وقد كانت لهذه الجبهة اهداف سامية لمناهضة الاستعمار .. واللذين قاموا بتأسيسها صفوة من الشباب إلا أن الثائرين عادة ما يكونوا محاصرون في محيطهم ..فتكون حاجتهم لقليل من المال والسلاح لادارة حرب العصابات ..فبدأو بالبحث عن الممول فتلقفهم التيار لاشتراكي ذو الفكر الاشتراكي إقتصاديا والماركسي اللينيني عقيدة هذا من ناحية ..وجمال عبد الناصر من الناحية الاخرى غفر الله له الذي كان مناديا بالقومية العربية .
إلى هنا يكفي تاريخا
عودة لمحمد
بعد أن دارت رحى حرب العصابات في جبال ظفار فبدات القيادة التي للأسف اعتنقت الفكر الشيوعي بكل مافيه بالتفكير في إعداد جيل مؤهل للقيام بدوره في نهضة الخليج بعد طرد الاستعمار والقضاء على مراكز القيادة الوراثية في ظفار والخليج العربي .
فبدؤا بأخذ الاولاد من اهاليهم تارة بالاقناع وتارة عنوة وليس الاولاد فقط بل البنات ايضا وكان يطلق على البنات
(الكادحات ) والرفيقات بحجة تعليمهم وتنويرهم وتاهيلهم ليتقلدوا مراكز القيادة بحد التحرير
المهم محمد ..
لا اعلم كيف كانت ظروف سفره المهم اخذ وسافر لليمن وتحديدا عدن
ومن هناك يبدا التاهيل والاعداد ومن ثم الابتعاث
فدرس محمد ..مادرس ..
ومن ثم أبتعث .. وتنقل للدراسه ..بين
عدن القاهرة كوبا سوريا موسكو
فطال الامد ولم تحقق الجبهة اهدافها .. وتخرج محمد وزملائه .. والدفعات التي تليهم وأنتظروا المناصب التي وعدوا بها فلم يتحقق شيئا من ذلك فاستقلت دول الخليج ومع ظهور واكتشاف النفط بدات تزدهر هذه الدول في كل مناحي الحياة فما كان من بعض دول الخليج الا ان نادت بعودة المهاجرين ..وطمأنتهم بأن من يسلم نفسه عفا الله عما سلف والأوطان ترحب بابنائها العائدون لينخرطوا في البناء والتطوير فسلم بعض القياديون انفسهم والذين كانت تصدح اصواتهم من إذاعة صوت العرب بالقاهرة منددين بالانظمة الحاكمة في تلك الفترة متنقلين بين العراق والكويت وسوريا وطبعا دول المعسكر الاشتراكي واغلب دول الخليج في سرية تامة لجمع التبرعات لدعم تلك الجبهة المهم عاد بعض القياديون وتبعهم كثيرا من الخريجون والخريجات في تسليم انفسهم وأقل معدل تحصيلي علمي للعائدون ثانوية عامة علميا وميدانيا وعسكريا كلهم مقاتلون من الدرجة الاولى والبنات مدربات عسكريا للقتال ولكن كانت جل اعمالهن تمريض خياطة مدرسات وهكذا
إلا أن اغلب العائدون وخصوصا الشباب منهم يحملون شهادات عليا في شتى مناحي العلوم
كالطب والهندسة بفروعها والذرة وكثيرا من التخصصات المعقدة الاخرى
وجديرا بالذكر الآن 90% من إستشاريي المستشفيات المرجعية أكبر الجراحون في التخصصات المعقدة كجراحة المخ والاعصاب والقلب والعظام والتجميل من هؤلاء العائدون
فمعى رحلة العودة للمهاجرون فرادا وجماعات .. بدا الاهالي بالاتصال بابنائهم بنصحهم ان يسلموا انفسهم
وبدوأ يقنعون ابنائهم بأن الاوضاع تغيرت فاصبحت هناك مدارس ومشافي وطرق ومواصلات ونهظة وليدة
وكان في حينا ابناء لجيراننا تقريبا مايربوا على المئة مهاجر لنفس الهدف فعادوا واحدا تلو الآخر وكان كل مايعود واحدا منهم .. تستجوبه الاجهات الامنية وتحتجزه لمدة ثلاثة ايام ومن ثم يتم تسليمه لأهله وخلال الثلاثة الايام التي يستجوب فيها العائد يستأجر اهله الخيام وتنصب وتذبح الذبائح لمدة ثلاثة ايام وفي اليوم التي يستلم فيها اهل العائد ابنهم تكون مجزرة للابقار والابل وتطلق الاسلحة التقليدية طلقاتها بعد العشاء فرحة بصول العائد وبعد تناول وجبة العشاء يكون العائد هو نجم الخيمة في تلك الليلة فيتم إستجوابه عفويا من كبار السن وكأن العائد يقيم مؤتمرا صحفيا ..فكما تعلمون بأن كبار السن لايحبون العودة لبيوتهم دون كل التفاصيل عن حياة العائد لان هناك من ينتظر الاخبار فكانت اسئلتهم للعائد تتراوح بين كيف فلان وكيف فلان واقصد بفلان وفلان المهاجرون اللذين لم يعودوا بعد وأيضا يسئلونهم مالذي درسته وكم كانت رتبتك العسكرية هل قفزت من المظلات ووو حتى يجف ريق العائد من الاجوبة وبعض الاحيان ترد ستة اوسبعة اسئلة في وقت واحد للعائد من كبار السن فيتوه ذلك العائد لايعرف من يجاوب .. ونلاحظ أحيانا ..ردود أفعال في وجوههم كأنهم يقولون مالذي جعلنا نعود
وفوق هذا وذاك .. كنت ومن في عمري في تلك الفترة في مرحلة الصبا واثناء ذلك التجمهر في الخيمة فنتحلق نحن صغار السن حلقة حول ذلك العائد من خلفه نتأمله كأنه مخلوق فضائي ويرمقنا بنظرات الاستغراب والضيق ونحن بكل برود كلما نظر الينا نبتسم في وجهه بكل برود وقد يظننا فرحة بعودته ونحن في الاصل اكثر مايفرحنا بأنه هو سبب لهذه الجمعه الطيبه واللحوم والوجبات والحلويات والفواكه والخيرات والطلق الناري الذي ينير السماء بعد العشاء وكنا حينها نتمنى ونحن في تلك المرحلة الشقية بأن يكون عدد العائدون مليون وكل يوم يعود واحد لتدوم الخيام والولائم المهم عادوا كلهم ولم يبقى الا محمدا في المهجر فتأخر وتاخر وتأخر ولكونه بقي وحيدا في المهجر فتميز بإنتظار الجميع له عدت سنون ولازال محمد حديث الجميع متى يعود متي يرجع متى ومتى ومتى إلا أن عاد محمد بعد رجاء من ابيه المسن والاتصالات والمحاولات من الجميع ولابد ان سافر له مجموعة من اهله في مستقره الاخير قبل العودة دمشق فوعدهم بالعودة فعاد لأرض الوطن وأقيمت المآدب ولكن كان حينها قد منع الطلق الناري المهم اقيمت كل مراسم الفرح بالعودة وتقبل التهانيء ولكن كنا حينها أنا واقراني قد نضجنا بفعل السنون فلم نكن تلك المجموعة الساذجه التي تحملق في العائد بالنظرات البارده بل كنا نجلس تحت الخيمة في الصف مع الرجال كمستمعين وحتى تهانينا راقية ومهذبة ونسال بحدود ظيقه فقط ولكن جيل من الصبيان ورث مهمة الالتفاف حول العائد لتأمله ولاقى محمد مالاقاه من الضيق من جراء الاسئلة السمجة من لدن كبار السن لكي يعودوا بالحصيلة إياها من الاخبار عندما يعودون بيوتهم
المهم عاد محمد وانتهت المأدبة واسدل الستار على مسلسل العائدون على الاقل في حينا وبدا محمد للخروج للحي ويعرفه من هم في عمره وبدا يتعرف علينا كمجموعة من الجيل اللذين يليهم وكان يسال انت ابن من وذلك ابن من وما اسمك وماذا تدرس وهكذا المهم توطدت بيني وبينه علاقة طيبة حتى اصبحنا اصدقاء
ما شدني لمحمد كثيرا من الامور
هدوءه .. علمه .. ثقافته .. تواضعه .. نخوته ..كرمه .. شجاعته .. شهامته ..
كان إن تحدث لايمل .. وان استمع اجاد الاستماع .. وإن عقب بقمة الذوق ..إنسانيته عالية جدا ..رحوما روؤفا لطيفا ..ومرحا ذو ادب جم
المهم ظلينا سنينا معا .. فبعد ذلك بدأت الاحظ عليه ظيقا وتأففا وبدأت تغيرات كثيرة تطرأعليه فقد كانت بداية لجنون تدريجي لا أعلم سببه
وبدأت أسمع منه مثل هذه الكلمات ولاتزال ترن في ذاكرتي تلك الكلمات
كان يتنهد بعمق ..
ويقول
سئمت الحياة
بحرفية هذه الجملة واسأله مالذي يضايقك فيقول لا أعلم وقد كان صادقا معي لايخبيء عني شيئأ
أحداث حدثت أثناء هذه الفترة قد لا اضبط تسلسلها الزمني ولكنها حصلت أي أثناء تحوله للحالة الجديدة كان ينسي اسلحة بيضاء عندي في السياره ومن ثم يعود ويسالني عنها فأعطيه إياها نظراته بدت تتغير لم تعد تلك النظرات المتزنه بل كانت نظراته لي تعبر عن شك وريبة فيني ودائما ما كان حذرا في تلك الفتره بدأ يهيم ويغيب عني وعن اهله لأيام ويسألوني عنه وأسألهم عنه
عندما التقيه بعد ايام دون انتظار يقترب مني ويصافحني بحرارة ويركب سيارتي ويطلب مني التجول في الاماكن الفسيحة وكنت البي لأنه كان قبل التغير يحب الاماكن والخطوط الطويله .. وعند العودة يطلب مني ان انزله في البيوت القديمة الخرائب وافعل
كم من مره قبلت دعوته للخرائب مكان مبيته اجلس لديه بالساعة والساعتين نهار تلك الخرائب عفن وظلام فكيف بها بالليل كم يحزنني حاله الجديد ولكن راحته وإطمئنانه عند اللجوء للخرائب في نهاية اليوم
يوم من الايام طلب من الاتجاه للشاطيء وكان معي سيارة ذات دفع رباعي عليها غلاف بلاستيكي وجلدي
فعندما نزلنا الشاطيء بالسيارة كان يقول لي اسرع فاسرع ومن ثم يخرج نفسه من النافذه ويقول لي اسرع
وعندما اسرع يصرخ بصوت عالي ومن ثم قال لي توقف
توقفت
فنزل من السيارة ونزلت فأخرج السكين من غمده وقال لي الغلاف يضايقنا أي غلاف السيارة سازيله واحسست انها قناعته في تلك اللحظه فقلت له ما اجمل فكرتك فقام بتمزيقه بالسكين وبعد الانتها ركبنا السيارة وكأنه حقق نصرا عظيما بتمزيق غلاف سيارتي المهم النسيم الساحلي على الشاطيء الرملي يتحول ريحا بسبب السرعة التي يطلبها مني فتطور الامر في تلك الرحلة فكان يقف واقفا ويقول لي اسرع فاسرع فيفتح باب السيارة ويقفز
على الرمال ومن ثم اقف وعاود الكرة مرات بالقفز على الرمال والذي يجعلني لا اعانده انني احس بأنها حاجة ملحة لديه في تلك اللحطه تنفس عنه كثيرا المهم عدنا من تلك الرحلة
تطورت حالة الجنون لديه
فيوما من الايام سمعت بأن محمد طعن هنديا كان يعمل في مغسلة ملابس فطعنه طعنة غريبة
طعنه طعنة مضحة مبكية فقد طعنه في جمجمة راسه وولى هاربا للخرائب ونقل الهندي للمستشفى للعناية المركزة الى ان تماثل للشفاء وخرج من المستشفى حملا وديعا بعد الطعنة حيث كان ذلك الهندي الهندوسي ذو الشوارب الطويله ذو الجسد النحيف سليط اللسان ولكن بعد طعنة محمد تأدب فرب ضارة نافعة فالكل فرح بأن ذلك النحيف ذو الشوارب طعن والكل اسف بحال محمد وماطرأ عليه
المهم اختفى اياما وظهر فجأة وتسلل لبيت اخيه واخذ مفتاح سيارة ابن اخيه خفية واخذ يتجول بها وكان اخو صاحب السيارة ابن اخ لمحمد ومعه صاحبة يتجولون مشيا في حدود الثامنة والنصف مساء وإذا بمحمد يضربهما بجانب السيارة ولكن الاصابات كانت طفيفه
فترك السيارة وهرب لأحد مخابئه
فقرروا اهله البحث عنه لكي يسلموه لمصحة نفسية فعندما يئسوا من البحث سالوني فدليتهم عليه وفي هذه الحاله انا اساعده واساعدهم ولكنني احسست انني غدرت به فالقوا القبض عليه في احد الخرائب ومن ثم سلموه للمستشفى وبعدها قرروا اخذه للعاصمة لمستشفى مرجعي للأمراض النفسية وكنت ازوره في المستشفى ويوم سفره صحبت اهله للمطار وكان يقاوم وقبل دخوله لمبنى المطار ناداني بإسمي لأن احضر السيارة لكي احرره من ذلك المازق والقيود وكم حز في نفسي انني لم استطيع مساعدته في تلك اللحظه للحالة التي هو فيها
فعاد محمد من رحلة العلاج كأنه رجل آلي في حركته لأنه عولج بصدمات كهربائية على ماتبدوا عنيفه ولكنه العلاج الاوحد فكم اسفت عند رؤيتي له بعد رحلة العودة من العلاج .. ولكن هذا قدرهالمهم خلال فترة ظهور الاعراض الى الجنون الكامل
كم كنت احذر من الجميع من اهله واخوته واهلي واصدقائي بأن اتجنب محمد ولكن شيئا في داخلي يرفض ذلك النصح .. وكلما قال لي احد احذر مصاحبة محمد أحس كانه سيسلبني شيئا عزيزا فكنت اجامل اهله واخوته بقولي سأتركه .. وعز علي تركه وهو في ذلك الحال
المهم محمد عاد لحالته بعد إنتهاء مفعول الصدمات الكهربائية
ورحل الى منطقة اخرى لدى اخت له هي اكبر اخوته كان يرتاح لها كثيرا قبل وبعد الحاله الجديده
فغدى محمدا للأسف مجنون يهيم في الشوارع بعصى غليظه ولحية كثيفة وشعر اغبر وثياب رثه ونظرات زايغة .. طريقة اكله شرسه .. أحب شيء اليه الشاي الاحمر والدخان
يرتاد المطاعم والمقاهي بشكل دائم ليمارس هوايته بشرب الشاي والدخان بشراهة
الغريب انه يعرف الجميع
لقب محمد بأسم تزامن مع مرضه وهو محمد أبو جاسم
والاطفال لا يعرفون له إسما الا
ابو جاسم المجنون
عدت الايام والسنون ومحمد على هذه الحالة
وكم اصادفه فاسلم عليه سلاما حارا من جانبي وينظر الي نظرات غريبة كأن بها عتب أي اننا كنا اصدقاء فما بال صديقي يسلم وينصرف
المهم مادعاني اتذكر محمد الآن ابني الاكبر عمره 13 عاما وعادة مايخرجون للبقالة لشراء حلويات او ايسكريم المهم
صادف محمد عند المقهى الذي يجانب البقالة
وطبعا ابو جاسم معروف للجميع كبارا وصغارا
فعند عودة ابني من البقالة ساله محمد انت ابن من فقال له ابن فلان بن فلان
فقال له ابوك صديقي ..سلم عليه
فعاد ابني .. فقال لي بالحرف الواحد
(يباه حصلت ابو جاسم عند الدكان وقال لي ابوك صديقي سلم عليه يباه صح ابو جاسم صديقك )
فقلت لأبني من ابو جاسم
فقال لي
ابو جاسم المجنون
فيعلم الله ماحل بي حينها
فلكم ان تتخيلوا حالتي
ابو جاسم ارسل لي مرسالا يحمل سلامه
يالله
فعدت اتذكر التفاصيل الماضية كلها
فإذ بشريط الذكريات يدور وها أنا استقى منه كل ماكتب
وأطرحه بين ناظريكم في الركن العام
في الختام سلام عليكم من رب رحيم
تعليق