صمت الشعور

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • * لميس *
    النجم البرونزي
    • Mar 2005
    • 612

    صمت الشعور


    لست مبرئا لو قمت بنقل ما كتبته بدون نسبه إلي ... لميس أو ملاك في منتديات ريما

    أحبتي هذه القصة هي أحب ما كتبت إلى نفسي رغم أن عمرها لا يتجاوز الأشهر .. ولكن لها عبق خاص وذكرى لا تنسى


    كنت في الرابعة عشر من عمري حين قرع باب بيتنا أول خاطب وكان ابن عمي لذلك لم يتردد أبي للحظة وحرصا على مشاعر العائلة وترابطها قرر أن نتزوج . وصلني الخبر بعد أن عدت من المدرسة ليفاجئني وأقضي يومي بلا أكل أو شرب فأنا لم أفهم كيف أتزوج؟ أو لم ؟ وهل يحتاج ابن عمي إلى من تغسل ملابسه وتكويها وتطهو طعامه ؟ أتراه لا يحب طعام أمه ؟

    كنت هكذا أنظر إلى الزواج. أن أغسل وأطهو وأخيط وأنام . مجرد خدمة لا أكثر ولا أقل وهذا ما كنا نراه في أمي التي تفانت في خدمة أبي والسهر على راحته، لم نسمعه أبدا يدلعها أو يمدحها أو حتى يتكلم معها بكلام غير الغذاء والشغل ومصاريف المنزل وما سواه لم نكن نعرفه.

    ولا أمي كانت تتكلم عن الأمر لذلك كنت أشعر بالدهشة وأنا أستمع إلى زميلات صفي وأخواتهن وهن يحكين عن قصص الحب التي تخيلتها ولم أسمع عنها شيئا سوى في المدارس .
    ذلك اليوم بالذات دخلت أمي إلى غرفتي بينما هي تمسح يديها المبللتين بالماء بمئزرها وقال لي وكأن الأمر عادي جدا :
    ـ ابن عمك يا نورا يريد أن يكلمك .
    نظرت إليها مستنكرة ولكنني لم أتفوه بأي كلمة بل تبعتها إلى حيث يجلس أبي وعمي وابن عمي . شعرت بأن الجميع يراقبني فنكست رأسي بخجل وقال لي أبي :
    ـ تعالي يا نورا واجلسي بجانبي .

    جلست بجانب أبي ونظرت إلى ابن عمي أحمد خلسة. كان يكبرني بتسع سنوات وكان هو الآخر ينظر إلى الأرض حينما حضرت، لاحظت في عينيه اعتراضاً صامتاً وغضباً لا أعرف معناه ولكني أدركت بأننا الاثنان مجبوران على الزواج ولم أفهم لما هذه السرعة ؟
    نظرت إلى أبي فوجدته يتكلم مع عمي غير عابئ بالصمت الذي كان أول جدار يبنى بيننا ( أنا وهو) واستمر هذا الجدار أطول مما ظننت .

    توقفت عن القراءة وأغلقت الدفتر لأخبئه أسفل السرير وبين الأغطية، فهو المكان الأمين الذي أحفظ فيه مذكراتي دون أن يلمسها أحد وغادرت الغرفة لأرى زوجي عائدا من عمله وبين يديه يمسك بطفلي الأصغر (نديم) ذي الأربع سنوات .

    ابتسمت لطفلي وأخذته من يدي أبيه لأغير له ملابسة المتسخة بالرمل وبعدها تركته يلعب وخرجت إلى المطبخ لأقدم الغذاء. جلست على المائدة أحرك الطعام في صحني أراقب زوجي غير العابئ يتناول طعامه بلا اكتراث. وعندما نقلت بصري بين أولادي لاحظت أن الكبرى منهم تفعل مثلي بينما اكتفى أولادي الآخرون بالأكل والصغار منهم باللعب . ابتسمت في وجه ابنتي وهززت لها رأسي لتأكل فلم تستجب، لم أدر حينها ماذا أفعل أ أطلب منها أن تأكل بصوت عال لتعلو هذه الأوامر إلى شجار أم أسكت وأتركها إلى أن تجوع ؟

    تركتها وتجاهلت ما يحدث وقررت أن أتوقف عن تعذيب نفسي ورحت آكل ببطء ولكن شهيتي كانت مفقودة لذلك شبعت بسرعة .
    ـ ماما أريد برتقالة
    نظرت إلى ابنتي سمر وأخذت البرتقالة من بين يديها الصغيرتين لأقشرها لها وعندما انتهيت توالت الطلبات على البرتقال. كنت أقشر برتقالة لابني الأصغر حين قام زوجي من على الطاولة إلى الحمام .

    لم يكن قد تكلم بأي كلمة لا خلال الغذاء ولا قبل ذلك .
    حتى السلام عليكم لم تخرج من بين شفتيه حين رآني ويبدو أننا في طريقنا إلى شجار آخر. تنهدت وأنا أقدم لابني البرتقالة المقشرة وقمت من على الطاولة بعد أن طلبت من ريما (ابنتي الكبرى) أن تغسل الأطباق .

    غسلت يدي ودخلت إلى الغرفة لأجلس على السرير منتظرة دخوله فأنا لا أقوى على تحمل هذا الوضع أكثر والذي يبدو لي بأنه سيستمر .

    كان قد توقف زوجي عن مكالمتي منذ حوالي الأسبوع ومنذ ذلك وأنا أيضا لا أكلمه وما بيننا يتناقله أولادنا بطريقة عادية لذلك لم يشعر أي منهم بشيء إلا ريما التي جاءت لي في يوم من الأيام وقبل الذهاب إلى المدرسة باكية، لقد خافت أن يحدث الطلاق !

  • * لميس *
    النجم البرونزي
    • Mar 2005
    • 612

    #2
    انقطعت أفكاري وأنا أراقب خطوات زوجي على سجادة الغرفة . نظرت إليه فلم أجد أي تعبير على وجهه سوى النعاس لذلك عرفت أن أية مناقشة أجريها الآن فسيكون مصيرها الفشل لذلك غادرت الغرفة بهدوء .

    غربت الشمس وبيتنا الضاج بحركة الأولاد وأصوات المذاكرة وحل الواجبات بدأ يهدأ وكنت قد انتهيت منذ دقائق من فروض كل من سمر ونديم لذلك أرحت جسدي على الأريكة القابعة في شرفة الصالة والمطلة على الحديقة وعندما فتحت عيني وجدت أبنائي ماثلين أمامي ..

    ضحكت رغما عني فقد كانو مرتبين حسب الطول بهيئة سلم لا حسب أعمارهم . كان ابني عصام ذو الأربعة عشر سنة يعلو ابنتي ريما طولا وهي فتاة السادسة عشر، ثم يأتي بقية أبنائي سحر (فتاة الأربعة عشر ربيعا) ويليها سمر فتاة السادسة ونديم ذي الأربع سنوات ..
    عجبت لوضع ريما بين التوأمين ولكني أخفيت ابتسامتي وتصنعت الجد قليلا وأنا أراقب أعين أطفالي :
    ـ ماذا هناك ؟

    وكأني أشعلت شرارة ما فها هم يتسارعون إلى حضني وجميعا ! ..
    استقبلت رؤوسهم الصغيرة عاجزة عن ضمها .. كان المشهد مؤثرا جدا وشعرت بأني دجاجة سعيدة تضم أولادها وأضحكني الشعور بقدر ما أراحني .
    أخذت منهم بطاقات أعدوها لي بخطوطهم الجميلة ثم غادروا واحدا واحدا إلى غرفهم وبقيت ريما، كانت تنظر إلي بتردد ففتحت ذراعي وتركتها تلقي برأسها في حجري .
    لا أدرك كم من الوقت مر وأنا أمسح شعرها الأشقر الناعم بيدي ولكني شعرت بالسلام للحظات، كان لموقف أولادي أثر كبير في راحة داخلية عقدتها وتمنيت أن تسود العائلة ككل .

    رأيت زوجي يغادر الغرفة وقد ارتدى ملابس الخروج ويتجه بخطى متمهلة نحو الباب بينما هو يعقد ربطة عنقه ويسوي شعره . بالطبع لم يلتفت إلي فالمغرب أقبل منذ زمن وهاهي الدنيا قد أظلمت وستائر الشرفة الشفافة لا تترك شيئا للمار سوى كتل جالسة على كرسي الشرفة وربما تكون وسائد كبيرة ! هذا إذا أراد هو التصديق بذلك .

    ـ ماما . عندما تزوجت كنت صغيرة ؟
    كانت ابنتي ريما تكلمني فأجفلت من خواطري التي غرقت فيها للحظات وتساءلت عن سبب تفكيرها في الموضوع ولكني أجبت بود :
    ـ نعم حبيبتي . كنت صغيرة وأصغر منك الآن .
    ابتسمت ابنتي ريما وقالت :
    ـ أذكر أني كنت أراك قصيرة عند صغري ولست مثل بقية الأمهات .

    هززت رأسي مؤيدة وكأنها تراني وقلت :
    ـ كنت فقط في الرابعة عشر لا أكثر . وعندما أنجبتك كنت قد أصبحت في الخامسة عشر من العمر .
    رفعت رأسها من حجري وقابلت عيني متسائلة :
    ـ أ أحببت أبي ؟
    نظرت إليها متفحصة ربما لأسبر أغوارها وأعرف سبب السؤال فأبصرت قلقا خفيا لم أعرف سببه لذلك أجبت :
    ـ لم أكن بعد أملك الفرصة لأٌحِب وأُحَب ولكن لما السؤال ؟
    قالت ابنتي ريما :
    ـ ولكن أبي كان يملك الفرصة ليحبك . أ يحبك أبي، ماما ؟
    أخذت فقاعات الأسئلة في رأسي تتفجر ورغبتي ازدادت في معرفة مغزى ابنتي من الأسئلة ولكني اصطنعت الهدوء الذي أجيده وقلت بابتسامة :
    ـ اسألي أباك .

    لم أتوقع استجابة سريعة من ابنتي ولكنها قامت لتفاجأني وترفع السماعة لتطلب هاتف أبيها النقال فقد كان قد غادر المنزل أثناء حديثنا .
    ـ ألو .. أبي.. نعم أنا بخير ..... لا، لا شيء حدث ... نعم ... نعم .. أريد أن أسألك شيئا ... أ تحب أمي ؟
    طبعا أنا الجالسة لم أكن أستطيع أن أسمع الطرف الآخر من المحادثة ولكني كنت أنتظر بترقب وأحسست في داخلي بمشاعر غريبة وجديدة .. فلقد تمنيت أن يكون يحبني ولو قليلا !

    معقول أن العشرة والحياة الزوجة تولد حبا ؟ هذا السؤال طرحته على نفسي وأنا أرقب وجه ابنتي ولكن الجواب لم يأتي كالأمنيات بل رأيت وجه ابنتي يتلون ثم قالت بخفوت :
    ـ نعم ... آسفة .... لم أقصد ... أنا آسفة أبي .... مع السلامة .
    وضعت ابنتي السماعة ونظرت إلى الشرفة بتردد ولكنها لم تتقدم بل عدلت عن قرارها واتجهت إلى غرفتها لتغلق الباب ومع حركتها أحسست بالحواجز بيني وبين زوجي تزداد .

    أنظر إلى الساعة .. إنها الواحدة صباحا وزوجي في سهرة بالخارج لا أعرف مع من، وأين، وإلى متى والسؤال الأهم : أ سيعود ؟ .

    تثاءبت و تمنيت أن أنام ولكني لم أكن أريد أن أغفل عن وقت رجوعه، أردته أن يعرف بأني لست ساذجة لا أعبئ لغيابه وسهراته .. أردته أن يعلم بأني أعلم .. ولا تسألوني ما أعلم فأنا لا أعرف إلى أي مستوى تصل معرفتي بزوجي ..
    أخرجت دفتر مذكراتي ولأنسى نعاسي فتحت الدفتر لأختار صفحة ما :

    " أمي والعائلة يعدون لزواجي أما أنا فأيامي طبيعية، أذهب إلى المدرسة وأعود لأرى نساء العائلة تملأ البيت وألزم غرفتي مفكرة فيما أنا مقبلة عليه . اليوم هو يوم زواجي، استيقظت في الساعة السادسة صباحا واغتسلت وبعد أن بدلت ملابسي خرجت إلى المطبخ .
    ـ صباح النور يا عروسة .

    قالتها شمس أختي التي تكبرني بسبع سنوات والتي كنت سأقبل بزواجها باستغراب وهي في هذا السن فكيف بي أنا التي أصغرها أتزوج قبلها وقبل ندى فتاة الثانية والعشرين ؟ لقد استغربت من أبي و تفكيره وتساءلت في داخلي مرارا ما يدعوا عمي لأن يطلبني أنا الطفلة لابنه .
    كانت أختي (شمس) تطهو بعض العجة، لأبي ربما، فأنا لم أسأل ولكني أيضا لم أرد التحية ليس لأني وقحة ومتعالية بل لأني لا أحب لفظة عروسة .

    فلقد تفاجأت بأختي الكبرى والمتزوجة الوحيدة تعلمني أشياء لم أتوقع أن أتعلمها في هذا السن بل لم أتخيل أن أحدا سيخبرني عنها واكتفيت بأن أعرف أن بنات المدرسة كانوا يعرفونها عن طريق الكتب . لقد كانت عائلتي مثقفة ولو قليلا فأن تخبرني أختي أفضل من أن أقرأ كتابا .
    أخذت تفاحة وشرعت أقضمها باستمتاع وراقبت أخوتي يدخلون المطبخ واحدا واحدا وكما توقعت كانت عجة البيض لأبي وكذلك كوب الشاي فهاهو قد أتى ليأكل فطوره قبل ذهابه إلى العمل .
    نظر إلي أبي متفحصا وقال بعد أن جلس :
    ـ يجب أن تذهبي إلى المزينة اليوم بعد صلاة الظهر مباشرة، لا أدري ما الترتيبات ولكن أمك وعماتك رتبوا الأمر .
    هززت رأسي بالموافقة فأنا غير مبالية بالموضوع وسألت :
    ـ هل دعوتم أحدا من أخوالي وخالاتي ؟
    رأيت انقباض وجه أبي وهو يبتلع قطعة الخبز ونظراته إلي ولكنه قال بصوت خشن :
    ـ كلميهم اليوم إذا أردت ولو كانوا يهتمون سيحضرون بالتأكيد .
    نظرت إليه ممتنة رغم أني أعرف باستحالة ذلك فهم يعيشون بعيدا عنا وفي مدينة أخرى، ولكن المحاولة قد تنفع ولو بأن أسمع صوتهم .
    طلبت رقم خالتي عالية أولا فرد علي صوت لم أعرفه وبعد دقائق جائني صوت أمومي بارد :
    ـ نعم ؟
    ـ خالتي عالية ؟
    ـ نعم .. من يتحدث . أهذه أنت ربا ؟
    ـ لا خالتي أنا نورا .
    ـ نورا ؟
    انكمشت وقلت بتردد :
    ـ بنت أختك فاطمة .
    لاحظت الدهشة في صوتها وهي تقول :
    ـ نورا؟ بنت فاطمة ؟ يا مرحبا . ما ذكرك بنا ؟
    وللأسف تنقطع الكتابة في هذه الصفحة إلى هذا الحد وعندما قلبت الصفحة كان التاريخ يدل على يومين بعد زواجي ..

    تعليق

    • * لميس *
      النجم البرونزي
      • Mar 2005
      • 612

      #3
      لم أكن أحتاج إلى وريقات لتذكرني بما حدث في ذلك اليوم فعندما أغمض عيني أتذكر، صحيح أنها ليست ذكرى متواصلة ولكنها مقاطع من آلام يعزفها قلبي الصغير .
      ذكريات مريرة رغم أني في لحظتها لم أهتم لكل ذلك الكلام والعبارات التي تضج كراهية غريبة لم أعرف لها سببا ولكني أدركت بإحساسي كأنثى أنه ليس فقط مجبرا على الزواج مني فقط بل هو يحب غيري أيضا .
      في ذلك اليوم سمعت كلمات حب محمومة تتدفق من شفتيه إليها عبر سماعة الهاتف ووعودا بدت لي مبالغة في الحب والوفاء والزواج . يومها شعرت بخطر حقيقي وبأن شبح كلمة طالق قد يرفرف فوق رأسي بدون سبب وأنا العروس التي لم يمض على زواجها يومات كاملان .

      ومنذ ذلك اليوم أدركت أنني يجب أن أكون أقوى وأكبر وأن لا أعطيه الفرصة ليطلقني أو يهينني أو يضربني، لذلك سألته ببرود لينفجر بكلمات مسمومة استقبلتها بآذان من ثلج، أنهاها وأنا أحزم حقيبته ! ..
      نعم حزمت الحقيبة له ووضعت فيها ملبوسات خفيفة وزجاجة عطر وأدوات الحلاقة .. وضعت فيها كل ما يحتاجه ثم قدمتها له بهدوء لأقول له :
      ـ اذهب إليها .
      نظر إلي بذهول فقدمتها له ثانية وبطريقة أخرى :
      ـ حقيبتك لتذهب إليها .. لا تتأخر عليها، أكيد هي مشتاقة إليك وكثيرا .
      كنت أطبق الدرس الأول والذي تعلمته من أختي أن لا أترك بيتي أبدا وأدعه هو يتركه .. وهاهو يأخذ الحقيبة من يدي مترددا ثم يمضي نحو الباب ليغلقه خلفه بعد خروجه .

      جلست طيلة ذلك اليوم أبكي وفي داخلي تساؤلات كبيرة عن سبب بكائي . أننا خائفة أن يطلقني ؟ أم أن هذا ما أريده ولماذا أبكي وأنا لا أحبه ؟ وأدركت في النهاية أنني يجب أن أبكي غير مختارة كأي امرأة يتركها زوجها لفتاة أخرى .
      لكنني وبعد انقضاء اليوم فكرت مليا وشعرت براحة فأنا لا أعتقد أن تلك الفتاة ستقبل بأن يمضي الليل معها وخصوصا في بلد مسلم . أي أنه سيقصد بيت أهله أو أي مكان شبابي وهذا يريحني قليلا.

      مضى النهار بطيئا ولم يقطعه سوى مكالمات من الأهل والأصدقاء ليباركوا لي زواجي ثم جاءت زيارة. كانت الساعة الثامنة عندما دق الباب ولوهلة شعرت بالخوف فأنا وحدي ولكني استجمعت قواي وسألت عن الطارق لأجدها أمي .. فتحت الباب لأحتضنها بقوة وأدخلتها يتبعها أخي محمد .

      سألتني أمي عن أحوالي وصحتي وكانت تنظر إلي بتفحص .. لا أدري عما كانت تبحث ولكني لم أبدو مختلفة عن المنزل بل كنت جالسة ببيجاما رسم عليها دب لطيف وتساءلت إن كانت أمي ظنت أني سأخرج إليها بملابس تليق بامرأة متزوجة أكثر .
      أخرجت أفكاري من رأسي للحظات وأسرعت لأعد لهم عصيرا وبينما أنا أعصر البرتقال دخل أخي محمد وسألني :
      ـ أين زوجك ؟
      لم أشأ أن أخبره بما حدث لذلك قلت ببساطة وعفوية :
      ـ خرج ليحضر لنا العشاء .
      نظر محمد إلي بقلق ولكني تجاهلت قلقه الذي وترني وقلت مبتسمة :
      ـ أتريد أن أكلمه لتتناولوا العشاء معنا ؟
      ـ لا . ولكني كوني حذرة .
      ـ مما أكون حذرة ؟
      ـ منه !
      تركني أخي أعصر البرتقال وغادر المطبخ تاركا كلمته الأخيرة تزرع الشك في نفسي . لماذا حذرني منه يا ترى ؟ بعد أيام عرفت أن قصة حبه وصلت إلى مسامع العائلة وبأن الجميع ينظر إلي وكأني ضحية .

      توقفت أفكاري وأنا أسمع صوت فتح الباب، لقد عاد ونظرت إلى الساعة لأجدها الثالثة صباحا . أسرعت وخبأت الدفتر وجلست مترقبة دخوله ولكنه لم يفعل ومرت خمس دقائق وأنا أسمع صوت خطواته في المنزل متنقلة من مكان إلى آخر، وانتابني هاجس غريب ماذا لو لم يكن زوجي وكان لصا ؟

      شعرت بنبضات قلبي تزداد وببرودة في أطرافي فقمت من السرير لأفتح باب الغرفة .

      وجدته جالسا على الأريكة يتجرع زجاجة من الصودا بينما نصف سيجارة تتوهج بين يديه . لم أشأ أن أعرف سبب حالته النفسية هذه ورغم شعوري الكبير بالأسف وإحساسي بأن سقف بيتي الذي أعيش تحته قد أصابه التآكل والتشقق إلا أني قاومت مشاعري ودخلت إلى الغرفة لأرجع إلى السرير وأغلق المصباح .

      بعدها بخمس دقائق سمعت صوت الباب يفتح وخطواته على السجادة ورأيته عبر المرآة وهو يستبدل ملابسه ويطفأ سيجارته ثم راقبته وهو يندس بين الأغطية ويا لعجبي لقد نام قبلي وأمضيت ليلي لم أنم للحظة!

      " تركني منذ الثالثة عصرا بعد أن تلقى تلك المكالمة وليتني أعرف أكانت هي أم رئيس عمله كما ذكر"، " قابلتها يوم الأربعاء في بيت العائلة ولم أتوقعها بهذا الجمال والأغرب أن الجميع لم يحاولوا أن يخفوا طبيعتها عني بل إن حماتي الصغرى قالت بكل بساطة : هذه هي الفتاة التي يحبها أحمد"، "لا أدري ما العمل الآن وأنا أعرف أنه ذاهب لرؤيتها . أمعقول أن أسكت؟ وهل أتساءل بعد أن كان صمتي هو الجواب . كيف تركته يخبرني الموضوع بكل هدوء ثم تركته يذهب إليها وما يؤلمني أن أبي يعلم بالموضوع ولا يبالي به أيضا . كم هو مضحك أن لا يبالي أبو زوجتك بغرامياتك وربما يشجعك عليها !"، " لا تدرين كم أمقتك كلمة ترددت كثيرا في هذا البيت وخاصة أثناء هذه الأشهر الستة الماضية، لا أعرف إن كان لحملي سبب في ذلك أم أنني أتوهم. لكنه أصبح أقل بقاء في البيت وأبعد وقد مللت الوحدة"

      كنت أتنقل بين وريقات دفتري بينما أنا أتناول الفطور على الشرفة.
      تعبت ألما وأغلقت الدفتر ودسسته في جيب سترتي الداخلي وجلست أستمتع بمذاق الخبز المحمص مع الجبن وبينما أنا كذلك دخلت ابنتي الصغرى سمر وقالت لي بفرح :
      ـ صباح الخير !
      حملتها وقبلتها على خدها لأجلسها على حضني وأعطيتها حبة فراولة من سلة كانت موضوعة على الطاولة . جلست أراقب ابنتي وشعرت بصفاء وسعادة فحقا أنا لم أسعد بهذا الزواج لكنه قدم لي أجمل ما في حياتي .
      قبلت جبين سمر وتركتها تنزل من حضني لتدخل إلى البيت وأكملت أنا فطوري ليقطعه بعد دقائق دخول أولادي متتابعين ليودعوني إلى المدرسة. ولا أدري ما سبب سعادتي ولكني شعرت وكأني أنجزت ما أريد أن أنجزه في حياتي، صحيح أني لست زوجة بمفهوم الزوجة ولكني أم وأحب أن أكون كذلك .
      أقبل زوجي فابتسمت له ولاحظت الاستنكار في عينيه وكأنه يريد أن يستمر في تجاهلي ولأني أردت أن أنتهي من كل ذلك قلت بمرح :
      ـ أتريد فطورا ؟
      نظر إلي باستنكار أكبر وقال :
      ـ أنا ؟
      جاء صوته غريبا هذه المرة ربما لأني لم أسمعه يكلمني منذ أيام فقلت له :
      ـ نعم، أنت .
      جلس وقال :
      ـ حسنا .
      ذهبت لأصب له كأسا من الشاي و قشرت له تفاحة وعند عودتي لاحظت أنه يحرك يديه بتوتر . وشعرت بقلق فربما هناك مشكلة، حاولت أن أكون طبيعية ما استطعت وأنا أقول :
      ـ فطور بسيط هذه المرة لكي لا تتأخر على شغلك .
      قدمت له الكأس وقطع التفاح وأضفت إليها رغيفا من الخبز المحمص وقطع الجبن و حبات الزيتون .
      جلس يأكل بصمت فانشغلت بأكلي ومراقبة العصافير بينما عقلي يتساءل عن سبب قلقه.
      قلت لأكسر جو الصمت هذا :
      ـ سأشتري عصفورا ولكن لا أدري من أي الأنواع .
      هز رأسه وقال :
      ـ اشتري ما تريدين .
      فقلت محاولة كسر الجليد الذي يبنيه ولأحثه على الكلام أكثر :
      ـ أ تعتقد أن البلبل جيد ؟
      نظر إلي وقال ببرود :
      ـ ربما !
      ـ سأشتري قطا !
      رفع رأسه هذه المرة بدهشة وقال :
      ـ ابننا نديم مصاب بالربو !
      ـ نعم معك حق . ربما لا يجب أن أشتري حيوانا .
      فقال ببرود :
      ـ نعم . ربما .

      تركته يكمل فطوره بينما تملكني شعور بأنني أجريت أسوء محادثة في حياتي وقاومت شعورا في داخلي بأن أتركه يأكل وأدخل إلى الداخل فأنا لم أعد راغبة في معرفة مصدر قلقه . كنت أنظر إلى العصافير حين قال وهو يرتشف الشاي:
      ـ نورا، ما رأيك أن نسافر إلى أوروبا ؟
      استدرت إليه والدهشة تأكلني ولم أستطع إخفائها فهذه أول مرة يعرض علي فيها السفر حتى أنني لم أذهب في شهر عسل كأي عروسة كما أنني كنت أتوقع مصيبة من نوع ما .

      تعليق

      • * لميس *
        النجم البرونزي
        • Mar 2005
        • 612

        #4
        قلت بتوجس وأنا أحاول أن أكسر فرحي الذي قد يكون بلا داع :
        ـ تقصد أنت والأولاد ؟
        هز رأسه وقال لي :
        ـ لا، أنا وأنت فقط .. أنا ذاهب في رحلة عمل وفكرت في أن أصطحبك!
        نظرت إليه مستنكرة وقلبي يتقافز غير مصدق :
        ـ أنا وأنت ؟ والأولاد ؟
        قال لي مبتسما :
        ـ الأولاد سنتركهم .
        نظرت إليه وسألت :
        ـ سنتركهم مع من ؟
        قال ببرود :
        ـ سنتركهم لوحدهم فريما كبيرة !
        قلت بعصبية :
        ـ مستحيل ! .. أنا لن أترك أولادي لوحدهم ثم إن ريما ليست كبيرة بما يكفي والبيت لا يوجد فيه رجل .
        نظر إلي نظرة غريبة لم أستطع تفسيرها وقال:
        ـ إذن لن تذهبي ؟
        وفجأة طرأ على بالي سؤال غريب :
        ـ أحمد . أما زلت تحبها ؟
        لاحظت اضطراب يديه وحركاته والمفاجأة في عينيه أتراها علامات حب أم دهشة فقط وقال :
        ـ ما هذا السؤال ؟ ليتني لم أسألك فأنت لا تستحقين السفر على أي حال .
        وقف ورمى بالكأس من يده وغادر الشرفة بينما تساءلت أنا عن السبب الذي جعله يفكر في السفر معي والآن .

        جمعت شظايا الزجاج من على الأرضية وغسلتها وبعد أن غسلت الأطباق استلقيت على أريكة أشاهد آخر الأخبار ولكن فكري كان مشغولا، لا في أحمد بل فيها . كنت قد حصلت على رقمها من بين أوراقه ذات يوم .
        أسرعت إلى الغرفة وجلست فيها أقلب أغراضي بحثا عن ذلك الرقم . وبينما أنا في كومة بحثي دق الجرس وأسرعت إلى الباب لأجد ابني عصام ونديم قد عادا .
        تركتهما يدخلان وسألتهما عن أحوال المدرسة ثم أسرعت إلى الغرفة وطلبت منهما أن يستقبلا أخواتهم وأن لا يزعجوني .
        لا أذكر كم من الوقت قضيته ولكني رأيت الرقم أخيرا في ورقة صغيرة مطوية في كتاب ربما كنت أقرأه في تلك الفترة .
        أعدت أشيائي إلى مكانها وسرحت شعري الذي تطاير أثناء عملية البحث المتواصلة وخرجت لأرى أولادي يشاهدون التلفاز ولأرى أن الساعة هي الثانية ظهرا .

        قصدت المطبخ وأنا أشعر بأن الوقت قد داهمني وأولادي جياع بينما زوجي على وشك الوصول وأنا التي لم أفعل شيئا للغذاء .. وشعرت بالضياع ولكني أسرعت في إعداد شيء خفيف .

        كنت أقطع الخضار للسلطة حين دخلت ريما ابنتي وأخذت تساعدني وبعد خمس دقائق قالت لي متسائلة :
        ـ أمي ؟ أ حدث شيء ما أزعجك ؟
        قلت بسرعة :
        ـ كلا .. راقبي صينية الدجاج وبعد خمس دقائق افتحي غطائها وتأكدي من نضج الخضار .
        هزت ريما رأسها وأسرعت إلى الفرن وبينما هي قابعة بجواره سألتني مرة أخرى :
        ـ أمي ماذا حدث اليوم ؟
        رفعت رأسي من السلطة وقلت لها :
        ـ لا شيء . لما تسألين هذا السؤال ؟
        قالت بقلق :
        ـ لأنك لم تطبخي الغذاء وهذا ليس من عادتك .
        قلت لها وأنا أبتسم لأريحها :
        ـ لا شيء .. كل ما في الأمر أن حمى تنظيف الغرفة أصابتني ولم أقوى على تركها نصف نظيفة .
        سكتت ريما بعد ذلك وشعرت بأن جوابي لم يقنعها فسكت أنا أيضا فأنا لا أريد أن أدعي أكثر فقد يصيبني غثيان من كوني سعيدة ومرحة وبخير !

        على المائدة جلسنا ونظرت إلى الساعة، كانت الرابعة وخمس دقائق وزوجي لم يأت بعد لذلك قمت وبعد تفكير لأطلب رقم المكتب .

        ردت علي سكرتيرته فقلت :
        ـ نوال صليني بزوجي .
        قالت لي نوال بريبة :
        ـ ولكن سيدتي السيد لم يعد للعمل بعد الغذاء !
        فاجأتني جملتها وحاولت أن أتدارك الموقف وقلت :
        ـ حسنا شكرا .. ربما يكون في طريقه . حالما يصل أخبريه أن يكلمني .
        أغلقت السماعة وشعرت بالتوتر ينتقل إلى يدي ولكني استدرت وقلت للأولاد :
        ـ تناولوا الغذاء فأبوكم عنده شغل وسيتغذى في الشركة .
        انصاع أولادي وشعرت بأني يجب أن أكمل المسرحية فجلست لآكل معهم . وبعد نصف ساعة تركت ريما وسحر مع الأطباق ليغسلوها وأسرعت إلى الهاتف لأطلب رقم أهله فرغم كل شيء هم يحبونني فأنا أسعد ابنهم !
        ـ ألو عمتي كيف حالك ؟
        ـ مرحبا نورا .. كيف حالك وحال الأولاد ؟
        ـ بخير الحمد لله، أخبريني عن صحتك ؟
        ـ بخير .. خير أخبريني هل أحمد بخير ؟
        ـ نعم هو بخير .. لما تسألين عمتي ؟
        ـ لم أره منذ مدة . أهو بجانبك ؟
        ـ لا ولكنه ذهب ليتغذى وقلت أنه ربما يتغذى معك !
        ـ لا، لم يأت أحمد لزيارتي منذ أسبوع .

        أغلقت السماعة بعد عدة أحاديث أخرى وطلبت المكتب لترد علي نوال :
        ـ لم يأت السيد بعد سيدتي
        ـ لا أريد السيد هذه المرة .. ولكن نوال أريد أن أعرف موعد رحلة الطيران التي سيذهب فيها أحمد .
        قالت نوال :
        ـ سيدتي .. السيد ذاهب في رحلة ؟ ولكن هذا ليس بحد علمي
        قلت ببلادة:
        ـ لا تعلمين أنه ذاهب في رحلة عمل ؟
        قالت نوال بشك :
        ـ لا سيدتي لم يخبرني السيد بذهابه إلى أية رحلة عمل
        قلت بألم :
        ـ ربما سيخبرك لاحقا .. إذا أخبرك أخبريني بالتاريخ .
        نوال :
        ـ حسنا سيدتي
        ـ شكرا .
        أغلقت السماعة وأنا أحس بآلام في كرامتي وعدت إلى غرفتي وأغلقت الباب . اتجهت إلى السرير وزحفت بداخله ثم أمسكت برقم هاتفها .

        تعليق

        • * لميس *
          النجم البرونزي
          • Mar 2005
          • 612

          #5
          أخذت التلفون من على الطاولة الصغيرة في الزاوية لأضعه على السرير بجانبي وأمسكت بالسماعة . أ أطلبها أم لا ؟ وماذا أقول لها ؟

          بعد تفكير قررت أن أطلب الرقم وأستمع ربما أجد صوته هناك .. طلبت الرقم وفي داخلي يقين بأني لن أجد شيئا وبأني لن أسمع سوى صوتها ولن تكون هناك ضحكات رجل في بيتها ولكن شكي كان كبيرا ...
          " أحبها . أعندك مانع .. أظننت يوما أنك تصلحين زوجة لي؟"، " لا .. لم اكن أريدك أبدا .. ولا أريدك بعد الآن .. خذي طفلتك وغادري بيتي " ، " أ لا تعرفين للسعادة طعما ؟ ألا تعرفين كيف تلبسين وتتزينين .. كوني مثلها ولو قليلا " ..
          ترددت الكلمات في عقلي كتردد رنين الهاتف المنتظم ورفعت السماعة على الطرف الآخر :
          ـ ألو ..
          ـ ......
          ـ ألو .. من ؟
          ـ .......
          ـ أنت وقح . اتصل مرة أخرى وأخبر الشرطة .
          وقطع الخط .. أعدت السماعة إلى مكانها وجلست على السرير أحملق في اللاشيء وأنا أسترجع صوته في ذاكرتي .. لقد كان عندها . إنه صوته ولا يمكن أن أكون مخطئة ..

          بكيت دون شعور وتركت دموعي تنزل على وجنتي .. أيها الخائن الحقير .. منذ لحظات تدعوني لأسافر معك إلى أوروبا ؟ ظننت لوهلة أن الدنيا ستضحك لي وأنك مستعد لتعطي قلبك الفرصة ليحبني .. لنعيش حياة طبيعية .. لأن نكون زوجا وزوجة بمعنى الكلمة .. و نسجت أحلاما وأوهاما بأني معك في أوروبا وأننا سعيدان .. يا لتفاهتي وحماقة أفكاري .. أ تتركني بعد أن رفضت إليها .. أتراها رفضت السفر معك ولذلك عرضته علي ؟ وكم مرة طلبت منها ذلك ؟ .. هل أنت معها منذ زمن .. أ تزورها منذ سنوات أم أن رفضي اليوم لعرضك جعلك تتذكرها .. لا يبدو أنك نسيتها يوما ..

          واستمر بكائي إلى الليل وتجاهلت أصوات أطفالي ودقاتهم على باب الغرفة وسؤالهم .. لقد أردت أن أنفرد بنفسي، وبعد أن سكنت الدنيا وتوقف الصبية عن لعب الكرة في الشوارع .. وخطوات الرجال السريعة عائدة إلى بيوتها بعد يوم مرهق آخر، والمحلات تقفل والأمنيات المسائية بالسعادة .. بعدها شعرت بأنني هدئت .

          غسلت وجهي وبحثت في ملابسي عن ثياب لم ألبسها فوجدت الكثير، اخترت أحدها ولبسته ثم صبغت وجهي بالأصباغ ليس لشي فأنا أكرهها ولكن لأتسلى فقط . وبعد أن سرحت شعري خرجت لأرى ابني نديم وسمر يلعبان في الصالون . رأيت الدهشة في عيونهما وابصرت زوجي جالسا في الشرفة ووهج السيجارة المضيء بين يديه .

          أ تراه عرف أني اتصلت ؟ ومتى وصل ؟ أ يراني ؟ .. لم أرد أن أسأل لأعرف بل تجاهلت وجوده وجلست بين أبنائي لأرى نظرات الاستغراب في عيني ابنتي سمر تأكلها ..
          ـ ماما أنت جميلة .
          طبعت قبلة على خدها فابتسمت وقالت لي :
          ـ كأنك أصبحت حورية .
          جلست ألاعبها هي ونديم وبعد ساعة طلبت منهما أن يذهبا ليناما . و أصبحت الصالة هادئة فجأة فاتجهت إلى غرفة ريما ودققت الباب . كانت ابنتي الحبيبة تذاكر دروسها فامتحانات الثانوية العامة على الأبواب ويجب عليها أن تستعد أكثر وأكثر .
          اقتربت منها وضممتها فضمتني وتساءلت :
          ـ أمي .. أنت تلبسين هذه الملابس ؟
          قلت لها باستنكار :
          ـ كلا ولكن أخاك في الخارج !
          سألت بفضول :
          ـ و أبي رآك ؟
          قلت لها :
          ـ أبوك هنا ؟
          هزت رأسها وأرادت أن تذهب لتحضر أباها فمنعتها قائلة :
          ـ لا تفعلي .. فأنا لم ارتديه له .. سأذهب إلى بيت أمي .
          لاحظت القلق في عينيها والذي تحول إلى سؤال :
          ـ أ هناك مشكلة ؟
          قلت لها أن لا وطمأنتها بأني اشتقت إلى أمي .
          غادرت غرفتها ورأيت زوجي في الصالة يتفحصني لم تعجبني نظراته . مررت به فاستوقفني وقال لي بود :
          ـ تبدين جميلة نورا .. منذ زمن لم تلبسي ملابس كهذه .
          قلت بنفور :
          ـ لأني أم يا أحمد ولو كنت فتاة في الحادية والثلاثين من العمر .
          نظر إلي بتمعن غريب ثم قال لي :
          ـ أنا آسف .
          اندهشت وقلت له :
          ـ لما ؟
          قال لي وهو ينظر إلى الأرض ليتحاشى عيني :
          ـ لأني لم أعطك الفرصة لتحبي ولتعيشي حياتك .. لأنك لم تكملي دراستك .. ولأني حكمت عليك قبل أن أعرفك ..
          قلت له بألم :
          ـ لا تذكرني بآلام أردت أن أخمدها .. أرجوك .
          قال لي وهو يرفع عينيه إلي :
          ـ أنا آسف أيضا لأني لم استطع أن أحبك !
          قلت له بين أسناني :
          ـ وأنا آسفة لأني لم اعرف رجلا غيرك لأحبه !
          نظر إلي قال :
          ـ أردت أن أعطيك فرصة ..
          قلت له بانكسار :
          ـ أنت لم تعطني فرصة . كنت بالنسبة لك زوجة شرعية فقط . أنجب الأولاد وأخدمك فقط ، أنت لم تردني أكثر من ذلك .. أنت لم تردني أصلا .
          قال لي بانكسار :
          ـ لا أستطيع أن أريد ما لا أحب !
          نظرت إليه وشعرت بمقتي نحوه . لم أتصور أنه سينطق بهذه العبارات في وجهي وتمنيت أنه جاملني ولم يتفوه بها على الأقل .
          قال لي :
          ـ أنا متزوج منها !
          جفلت وأنا أنظر إليه .. لا أدري أ أصرخ أم أبكي أم أهنئه على صواب اختياره .
          وجاء صوتي خاليا من المشاعر :
          ـ منذ متى ؟
          ـ منذ عام
          ـ وكنت تزورها يوميا ؟
          ـ تقريبا كل يوم .
          ـ أنجبتما أولادا ؟
          ـ إنها حامل .
          ( إذا لما أردتني أن أسافر معك إلى أوروبا؟ ) دوى السؤال في عقلي ولكني لم أسأله بل قلت ببرود :
          ـ أعتقد أن الليلة ليلتها .
          قال بانكسار :
          ـ نعم .
          قلت له :
          ـ إذن ماذا تنتظر ؟
          قال :
          ـ لا شيء .. ولكني أتألم !
          ـ مما ؟
          ـ لأنك ...
          ـ لا تفكر في .. أنا لا أتألم .. فأنت لم تكن شيئا في حياتي ..

          راقبته وهو يتجه نحو الباب ولكني استوقفته وقلت له :
          ـ لا تأتي غدا .. سآخذ الأولاد في رحلة ولن تجد أحدا .. ابق معها .
          هز رأسه باستسلام وغادر .. وتركني في قمة دهشتي . ربما لم أتوقع أن تكون ردة فعله هكذا وربما لم أتوقع أن يكون الرجل الذي تزوجته انهزاميا ومنكسرا إلى هذا الحد و

          لكن هذا كله يفيدني فأنا لا أريد منه شيئا سوى المال لأعيل أولادي ولنعيش ..

          لم أبك تلك الليلة ولكني فتحت دفتر مذكراتي على آخر صفحة كتبتها .. كانت منذ سنة وفي يوم عيد ميلادي :
          " الجو جميل جدا واليلة باردة .. ذهبنا أنا وهو إلى مطعم راق وقدم لي هناك سوارا رائعا .. في تلك اللحظة توهمت أنه يحبني .. أم أنه يحبني حقا ؟ .. نظراته تؤكد بأن هناك مشاعر مخبأة في مكان ما .. مشاعر لا يعرفها هو وربما أعرفها أنا ... وربما هي مشاعر ينكرها على نفسه ليعيش المأساة التي يريد .. أتراه هو الذي يريد أن يكون منكسرا ؟ .. لا يهم ولكني أعرف "

          فتحت صفحة جديدة كتبت فيها :
          "أ أحبه أنا ؟
          طبعا أحبه .. وهل أحببت أحدا غيره ؟!
          لا أدري ..
          ماذا أريد منه ؟ أ أريد الطلاق ؟ أ أريد الحرية ؟
          ولما برودي هذا ؟ وعدم مبالاتي .. أهي حقا لا مبالاة ..
          أم هي اكتراث جارف تحول إلى لامبالاة !
          والسؤال الذي يحيرني أكثر:
          أمن الممكن أن تحب وتمقت .. كما تبكي وتضحك بهيستيريا ليس لها دواء سوى الزمن ؟ "

          تركت الدفتر بين الأغطية وخرجت لأصطحب أولادي إلى العشاء .. وربما في ليلة ما من يوم آخر سأستطيع أن أجيب على كل أسئلتي .

          تعليق

          يعمل...