الْمَكَارِمُ مَنَوطَـةٌ بالْمَكَارِهِ" نسخة "

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الرحمن السحيم
    الداعية المعروف بوزارة الشؤون الإسلامية
    • Aug 2001
    • 1115

    الْمَكَارِمُ مَنَوطَـةٌ بالْمَكَارِهِ" نسخة "

    .

    يظن بعض الناس أن السعادة أن يعيش الإنسان حياة صافية من كلّ كَدَر .

    أوْ لا يُصادِفه مُنغِّصَات
    أوْ لا تُصيبه مُصيبة
    أوْ لا يتعرّض لِفتنَة


    وهذه لا بُـدّ منها فهي كالملْح في الطّعام !
    ثم إن طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها طُبِعت على كَدَرٍ

    جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تَرُومُها = صفواً من الأقذار والأكدارِ
    ومكلِّف الأيام ضِـدّ طِباعِهـا = مَتَطَلِّبٌ في الماء جذوة نـارِ
    وإذا رَجَوتَ المستحيل فإنـما = تَبْنِي الـرّجاء على شفيرٍ هارِ

    فهي لا تصفو لأحد ، ولا تدوم لِمخلوق .
    سمع الْحَسَن البصري رجلاً يقول لآخر : لا أراك الله مكروهاً أبداً . فقال له : دَعَوتَ الله له بالموت ! فإن الدنيا لا تخلو عن المكروه !

    وقد وصف الله حياة ابن آدم فقال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) فهو في مَشَقّـةٍ ومُكابَدةٍ في دنياه ، كما قال بعض المفسِّرين .

    إذاً .. ما هي الحياة الطيبة ؟
    وكيف تُوجد السَّعـادة ؟


    اختلفت عبارات السَّلَف حول معنى الحياة الطيبة .
    قال ابن عباس : هي الرزق الحلال .
    وقال الحسن : هي القناعة .
    وقال مُقاتل بن حيان : يعني العيش في الطاعة .
    وقال أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة .
    وقال القاضي البيضاوي : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) في الدنيا يعيش عيشا طيباً ، فإنه إن كان مُوسِراً فظاهر ، وإن كان مُعْسِراً يَطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقّع الأجر العظيم . اهـ .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مَنِ أراد السعادة الأبدية فليلزم عَتَبَة العبودية .


    وعلى كلٍّ هي :

    حياةُ قلبٍ مؤمن بالله ، راضٍ بقضائه ، مُسْتَسْلِم لِحُكْمِه ، واثق بِوَعْدِه .

    والحياة الطيبة ربما يعيشها المؤمن وهو لا يشعر بها ، وربما لا يَجِد لذّتها .

    كيف ؟

    ربما عاش المؤمن راحة البال ، ووجَد الأمن النّفسي ، لا يُزعجه المستقبل ، ولا يُقلقه ما في غـدٍ .
    الأمن النفسي من أعظم ما يَمنّ الله به على عبده المؤمن .
    ولذا قال سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)
    ليس فقط الأمن الاجتماعي في الأوطان ، بل حتى الأمن النفسي في نفوس المؤمنين .
    وهذا يُفسِّر لنا سِـرّ سعادة الكافر إذا أسلم ، إذ وَجَـد ما كان يفتقده ، وعاش لـذّة الطاعة ، وخالطت قلبه بشاشة الإيمان .

    ويُظهر لنا بِجلاء كيف عاش بعض السّلف هذه السعادة في لحظة مقْتلِه !
    قال حرام بن مِلحان رضي الله عنه لما طَعَنَه الكافر الغادر : فُـزْتُ وربِّ الكعبة فكان الكافر الغادر يتساءل : أي فوز فازه وأنا قتلته ؟!

    فالسعادة ليست في كأس وغانية !
    وليست في مالٍ وجارية !
    ولا في المراكب الفارِهة !
    ولا في القصور العامِرة !


    وإنما هي بطاعة الله جل جلاله .

    ويُبين لنا هذا أن من العلماء من وُضِع في السّجن والقيد ، فما يزيد على أن يبتسم !
    لقد كان يتذوّق طعم السعادة !
    ويعتبر السجن خلوة !
    والقيد وسام فخـر !


    يَرى الدنيا بعين مؤمن راضٍ بقضاء الله
    يجِد حلاوة الإيمان في قلبه .. ولا سبيل للوصل إلى قلبه !

    يُدفع بإمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل إلى السّجن ، فما يَردّه ذلك عن مبادئه
    ولا يُزحزحه عن مواقفـه
    يُضرب بالسِّياط فما يشكو ولا يئِنّ
    يَغتسل السّوط في جُرحه فيصدع بما يَكرهون .

    لقد مَزَج مرارة الألم بحلاوة الإيمان فطَغَتْ حلاوة الإيمان ..

    إن بعض الناس يشكو أنه لا يعيش الحياة الطيبة في حين أنه يعمل الأعمال الصالحة ، وهو أهنأ ما يكون في عيش وصحّة ، وأمن ورخاء .
    وهذا ربما تُوجَد عنده صُورة العَمَل ، ولا تُوجد حقيقة العمل .


    والفَرْق بينهما كما بين الثرى والثريّا

    إن الرجلين ربما صَلَّيَا إلى جوار بعض ، وبينهما في صلاتهما كما بين المشرق والمغرب !
    فَرَجُل قلبه يحوم حول العَرش يُسبِّح بِحَمْدِ ربِّـه
    وآخر يحوم حول القاذورات !

    قال بعض السلف : إن هذه القلوب جَوّالة ؛ فمنها ما يَجُول حول العَرْش ، ومنها ما يَجُول حَول الْحُشّ " بيت الخلاء " .

    فيا بُعد ما بينهما !

    والله لا يستويان لا في الصلاة والأجر ، ولا في أثَرِهَا .

    فَمَن صلّى بقلبه نَهَتْه صلاته ، ورَفَعتْ درجاته ، وكفّرت سيئاته .
    ومن صلّى بِبَدَنِه أجزأته !


    فَمن تعلّق قلبه بالله ، ملأه الله غنىً ورضاً وطُمأنينة .
    ومن تعلّق بغيره وُكِل إليه " تَعِسَ عَبْدُ الدينار و عَبْدُ الدرهم و عَبْدُ الخميصة " .

    قال ابن القيم رحمه الله :

    نَزِّه سماعك إن أردت سماع ذيّـ = ـاك الغنا عن هذه الألحانِ
    لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ = ـرم ذا وذا يا ذلة الحرمان
    إن اختيارك للسماع النازل الـ = أدنى على الأعلى من النقصان
    والله إن سماعهم في القلب والـ = إيمان مثل السمّ في الأبدان
    والله ما انفكّ الذي هو دأبه = أبداً من الإشـراك بالرحمن
    فالقلب بيت الرب جل جلاله = حُبا وإخلاصا مع الإحسان
    فإذا تعلّق بالسَّماع أصاره = عبداً لكل فُـلانة وفـلان
    حُبّ الكتاب وحب ألحان الغنا = في قلب عبد ليس يجتمعان
    ثَقُل الكتاب عليهم لما رأوا = تقييده بشرائع الايمان
    واللهو خفّ عليهم لما رأوا = ما فيه من طرب ومن ألحان
    قوت النفوس وإنما القرآن قو = ت القلب أنى يستوي القوتان ؟
    وألَذّهُم فيه أقلّهم من الـ = ـعقل الصحيح فَسَلْ أخَا العرفان
    يا لذّة الفساق لستِ كَلَذَّةِ الـ = أبرار في عَقْلٍ ولا قرآنِ

    فإن أردت المكارم فتحمّل المكارِه .
    وإن أردت السعادة الأبدية فالزم عَتَبة العبودية .


    والله يتولاك .
  • الغزيل
    كبار الشخصيات
    - بصمة إبداع - "نبض وعطاء" "عذبة الخواطر "
    ذوقي راقي-دانه متألقة
    • Oct 2003
    • 5984

    #2
    وإن أردت السعادة الأبدية فالزم عَتَبة العبودية

    نسأل الله سعادة الدارين ,,,

    جزاك الله جنة الفردوس بغير حساب شيخي الفاضل


    عصفورة ،،*


    ..

    تعليق

    • حمامة الجنة
      "قلم ذهبي " كبار الشخصيات
      • Sep 2002
      • 12045

      #3
      فَمن تعلّق قلبه بالله ، ملأه الله غنىً ورضاً وطُمأنينة .
      بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ..
      أؤمن كثيراً.. بأن المساحة الفاصلة بين السماء والأرض.. وبين الحلم والواقع.. مجرد دعاء..

      تعليق

      • الجمان
        كبار الشخصيات "درة التحفيظ 2"
        • Dec 2000
        • 9839

        #4
        جزاكم الله خير الجزاء..






        اللهم اجعل لي من كل همٍ فرجاً
        ومن كل ضيق مخرجاً
        وارزقني من حيث لاأحتسب

        تعليق

        • مسرّة
          كبار الشخصيات "مبتكرة ماهرة"
          • Oct 2002
          • 7381

          #5
          جزاكم الله خيرا ... السعادة في دار القرار ... جعلنا الله من أهل الجنة
          قَال مُحَمَّد بْن يحيى الذهلي سألت عَبد اللَّهِ بْن دَاوُد عَنِ التوكل، فَقَالَ: أرى التوكل حسن الظن بالله ) [تهذيب الكمال]

          تعليق

          يعمل...