۩ [زاد الصائمات] [ تهنئة & محطات يومية] ۩ تابعونا & شاركونا ۩

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ..الغدير..
    كبار الشخصيات - نبض وعطاء - صاحبة الطرح المتميز
    • Aug 2005
    • 13195










    "اللهمّ إنّكَ عفوٌ تحبُ العفوَ فاعفُ عنّا"

    دعاءٌ ارتبط بالعشر الأواخر وبليلة القدر، علّمه رسول الله للسيدة عائشة رضي الله عنها

    حين سألته: يا رسول الله، أرأيتَ إن أدركتُ هذه الليلة، فماذا أقول؟ قال قولي ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)..

    فنحن في هذه الأيام المباركة في أشد الحاجة لطلب عفو الله سبحانه وتعالى فلماذا العفو بالذات وليس شيئاً آخر..دعونا نبحر في معاني العفو ونتمعن في أسراره..حتى نطلب العفو من العفوّ الكريم على نورٍ وبصيرة ..



    معنى العفو :

    معنى العفو أي : التجاوز عن الذنب ، وترك العقاب عليه ، وأصله المحو والطَّمْسُ [ المطلع على أبواب المقنع 360 ] .

    والعفوُّ سبحانه : هو الذي يحب العفو والستر ، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها ، ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها ، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا ، ويفتح واسع رحمته فضلاً وإنعاماً ، حتى يزول اليأس من القلوب ، وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب.

    قال القرطبي رحمه الله : " العفو عفو الله جل وعز عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة ، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه ، فالعفو محو الذنب " .

    والمقصود بمحو الذنب : محو الوزر الموضوع على فعل الذنب ، فتكون أفعال العبد مخالفات أو كبائر ومحرمات ثم بالتوبة الصادقة يبدل الله سيئاته حسنات ، قال تعالى :
    { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ
    وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } [ الفرقان70 ] فتُمحى السيئات عفواً وتستبدل بالحسنات ، أما الأفعال فهي في كتاب العبد حتى يلقي ربه فيدنيه منه ، ويعرفه بذنبه وسوء فعله ، ثم يسترها عليه ..

    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ
    ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ " [ أخرجه البخاري ] .




    الله هو العفوّ الغفور
    قال ابن الأثير في النهاية/3: 265 " من أسماء الله تعالى ( العفوّ) , وهو فعول من العَفْوِ وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه, وأصله المحو والطمس, وهو من أبنية المبالغة ".

    قال الغزالي :" والعفوّ صفة من صفات الله تعالى, وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي , وهو قريب من الغفور , ولكنه أبلغ منه, فإن الغفران ينبئ عن الستر والعفو ينبئ عن المحْوِ , والمحو أبلغ من الستر . وحظ العبد من ذلك لا يخفى , وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه , كما يُرى اللهُ تعالى محسنا في الدنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة , بل ربما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم , وإذا تاب عليهم محا سيئاتهم , إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له , وهذا غاية المحو للجناية ." ( المقصد الأسنى/140 )

    وقال ابن القيم- رحمه الله تعالى-:" ومن حكمة الله – عز وجل – تعريفه عبده أنه لا سبيل له إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته, وإلا فهو من الهالكين لا محالة فليس أحد من خلقه إلا وهو محتاج إلى فضله ورحمته." ( مفتاح دار السعادة/1: 313).

    ما أعظم الله جل وعلا ، ما أرأفه بخلقه ، وما أرحمه بعباده ، يتحمل أخطاءهم ، ويصبر على أذاهم وهو قادر على تعذيبهم ، ولكنه العفو الغفور ، عن أبي موسى رضي الله عنه، عنِ النبيِ صلى الله عليه وسلم قال :
    " مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَىٰ أَذىً يَسْمَعُهُ مِنَ اللّهِ تَعَالَىٰ ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا ، وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَداً ، وَهُوَ مَعَ ذٰلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ "
    [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .


    قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ الشورى25 ] .


    ومن كرمه سبحانه وتعالى أنه يبتلي عباده بالمصائب ليطهّرهم ويذكّرهم لعلهم يعودون إلى خالقهم تائبين منيبين :
    { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى30]. { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]



    الفرق بين العفو والغفران :
    يتمثل الفرق بين العفو والغفران في أمور عديدة أهمها:

    · أن الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثواب , ولا يستحقه , إلا المؤمن ولا يكون إلا في حق البارئ تعالى.

    · أما العفو فإنه يقتضي إسقاط اللوم والذم ولا يقتضي نيل الثواب , ويستعمل في العبد أيضا .

    · العفو قد يكون قبل العقوبة أو بعدها , أما الغفران ؛ فإنه لا يكون معه عقوبة البتة ولا يوصف بالعفو إلا القادر عليه .

    · في العفو إسقاط للعقاب , وفي المغفرة ستر للذنب وصون من عذاب الخزي والفضيحة . ( الكليات للكفوي/ 632-666 )


    الفرق بين الصفح والعفو:

    الصفح والعفو متقاربان في المعنى , فيقال : صفحت عنه : أعرضت عن ذنبه وعن تثريبه. إلا أن الصفح أبلغ من العفو فقد يعفو الإنسان ولا يصفح , وصفحت عنه أوليته صفحة جميلة. ( بصائر ذوي التمييز/3 :421).

    فالصفح ترك المؤاخذة ، وتصفية القلب ظاهراً وباطناً ، ولقد دعا الله جل وعلا إلى الصفح ودعاه بالجميل ، فقال سبحانه وتعالى : { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [ الحجر85 ] .

    والصفح أبلغ من العفو ، ولذلك قال الله تعالى : { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة109 ] [ الموسوعة الفقهية 30/167 ، نضرة النعيم 7/2890 ] .

    قال الكفوي :" الصفح أبلغ من العفو ؛ لأن الصفح تجاوز عن الذنب بالكلية واعتباره كأن لم يكن . أما العفو فإنه يقتضي إسقاط اللوم والذم فقط , ولا يقتضي حصول الثواب ." ( الكليات للكفوي/666 ) .



    شروط العفو والمغفرة
    هناك فهمٌ ساذج بأن الله غفور رحيم على الإطلاق, لا ، غفور رحيم إذا تبت إليه ،رجعت إليه تائباً ، مستقيماً ، مقلعاً عن الذنب ، الله عز وجل يقول :
    {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر 53]

    تتمة الآية :
    {
    وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُون,َ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ,أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر 54-56].


    يعني غفور رحيم إن عدت إليه ، غفور رحيم إذا تبت إليه ، غفور رحيم إذا أنبت إليه ، غفور رحيم إذا استغفرته.

    أعظم ما في هذا الدين أنَّ الإنسان مهما بلغت إساءته ، ومهما بلغت ومهما تفاقمت ذنوبه ، ومهما شرد عن ربِّه ، ومهما انغمس في المعاصي فلمجرِّد أن يقول : يا رب لقد تُبت إليك . يقول الله عزَّ وجلَّ : لبَّيك عبدي وأنا قبلت .

    في الحديث القدسي: "يقول الله تعالى : من عمل حسنة ، فله عشر أمثالها . وأزيد ، ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها ، أو أغفر ، ومن عمل قراب الأرض خطيئة ، ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة ، ومن اقترب إلى شبرا ، اقتربت إليه ذراعا ، ومن اقترب إلي ذراعا ، اقتربت إليه باعا ، ومن أتاني يمشي ، أتيته هرولة " صحيح الجامع.

    فباب التوبةُ مفتوح لمن غلبته نفسه ، لمن زلَّت قدمه ، لمن طُمِست بصيرته ، لمن آثر الشهوة فباب التوبة مفتوح .. ماذا يُكمِّل فكرة أنَّ هذا الباب مفتوح ؟ يكمّلها أنَّ الله عفوّ .. لولا أنَّه عفوّ ما فتح باب التوبة .
    الله يحب أن يتوب على عباده فهو لم يخلقهم ليعذبهم..
    وما أمرك الله أن تستغفره إلا ليغفر لك ، وما أمرك الله أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك ، وما أمرك أن تسأله إلا ليعطيك.
    {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } [النساء 27]

    وفي الحديث القدسي: "يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة..." صحيح.


    ولكن نكرر, لمن العفو؟ ولمن التوبة؟
    {
    إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء 17].

    فتوبوا إلى الله جميعا أيها المسلمون عسى الله أن يرحمنا ويعفو عنا ويتوب علينا
    إنه ولي ذلك والقادر عليه








    "عيوننا ستبقى دومًا صوب القدس والأقصى ولن تنحصر داخل حدود غزة، وإن مشروعنا المقاوم سيمتد كما كان دومًا إلى كل أرضنا المغتصبة إن عاجلاً أو آجلاً"
    الشهيد أحمد الجعبري-رحمه الله





    تعليق

    • ..الغدير..
      كبار الشخصيات - نبض وعطاء - صاحبة الطرح المتميز
      • Aug 2005
      • 13195


      ::
      العفو منك إلهي
      والذنب جاء مني
      والظن فيك جميلٌ
      حسّن يا ربي ظنيّ
      ::

      يا ربي أنت رجائي
      أنت يا مجيب دعائي
      اغفر يا ربي ذنوبي
      واستر يا ربي عيوبي
      أنت مولاي
      ارحمني واعفو عني

      ::




      ::



      "عيوننا ستبقى دومًا صوب القدس والأقصى ولن تنحصر داخل حدود غزة، وإن مشروعنا المقاوم سيمتد كما كان دومًا إلى كل أرضنا المغتصبة إن عاجلاً أو آجلاً"
      الشهيد أحمد الجعبري-رحمه الله





      تعليق

      • ..الغدير..
        كبار الشخصيات - نبض وعطاء - صاحبة الطرح المتميز
        • Aug 2005
        • 13195




        من أراد عفو الله.. فليعفُ عن الناس

        عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
        "
        تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ، ويوم الخميس . فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا . إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء . فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا . أنظروا هذينحتى يصطلحا . أنظروا هذين حتى يصطلحا " صحيح مسلم.

        هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اُخبر بليلة القدر تحديدا ولكنه عندما خرج ليخبر بها أصحابه نسيها بسبب رجلين كانا يختصمان..

        في الحديث عن أبي سعيد الخدري أنه قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأواسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له ، فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ، ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر ، فأمر بالبناء فأعيد ، ثم خرج على الناس فقال : "يا أيها الناس إنه كانت أبينت لي ليلة القدر ، وإني خرجت لأخبركم بها ، فجاء رجلان يختصمان معهما الشيطان فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" .


        "الكثير منا لا يعفو عن إخوانه، فهو يريد العفو من الله ولكنه لا يستطيع أن يصدر عفوا عمن أساء إليه، والله يعفو عنا وهو الذي خلقنا ورزقنا وأعطانا وكفانا وشفانا وعافانا، بينما نحن لا نعفو عن البشر ولم نخلقهم ولم نرزقهم ولم نطعمهم من جوع ولم نؤمنهم من خوف. كيف نريد المسامحة من رب العباد ونحن لم نسامح عباده؟ بل تجد عندنا تحفظات على أخطائهم وملفات لزلاتهم، وذاكرة لا تنسى أغلاطهم، والغالب علينا نحن البشر أننا نحفظ الإساءة وننسى الإحسان، فهل آن لنا في شهر رمضان ونحن نقف في المساجد باكين خاشعين، نطلب من ربنا أن يعتق رقابنا من النار ولكننا لم نعتق رقاب الناس من تربصنا وتهديدنا ووعيدنا، إذا لم نصدر عفوا عاما عن عباد الله ونعفيهم من القصاص والانتقام والتربص، أفلا نخجل من حالنا ونحن نمد أيدينا إلى ربنا ونقول: «ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين»؟ إن من أراد العفو من الله فلا بد أن يهيئ أسباب القبول، فيغسل قلبه من الحسد والحقد والكراهية والبغضاء والشحناء" د. عائض القرني.



        فضل العفو والعافين عن الناس
        الله سبحانه وتعالى أرشدنا إلى العفو وأنه من تقوى الله تعالى ، وهو مما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تبارك وتعالى : { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ البقرة237 ] .

        الله جل وعلا يحب العافين ، أفلا نكون من العافين ، من الذين يحبون العفو ، من الذين يحبون ربهم وينفذون أمره ، ويقبلون إرشاده وتوجيهه ، أفلا نرغب في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للعافين عن الناس ، والمتنازلين عن الحقوق ، اسمعوا قول الله تعالى : { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ , الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران 133-134 ] .

        العفو سمة الأتقياء ، وشارة الأوفياء ، والعبَّاد الأنقياء ، العفو يزيد في حسنات الميت ، والعافي عن الجاني ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَا مِنْ رَجُلٍ يُجْرَحُ في جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَيَتَصَدَّقُ بِهَا ، إلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى عَنْهُ مِثْلَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ " [ أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، وقال الألباني صحيح لغيره ] .

        وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قال الله تعالى : عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللّهُ " [ أخرجه مسلم ] .

        وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُشْرَفَ لَهُ الْبُنْيَانُ ، وَتُرْفَعَ لَهُ الدَّرَجَاتُ ، فَلْيَعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ ، وَيُعْطِ مَنْ حَرَمَهُ ، وَيَصِلْ مَنْ قَطَعَهُ " [ أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ] .

        إنّ العفو والتجاوز لا يقتضِي الذّلَّةَ والضعف ، بل إنه قمَّة الشجاعة والامتنانِ وغلَبَة الهوى ، لاسيَّما إذا كان العفوُ عند المقدِرَة على الانتصار ، فقد بوَّب البخاريّ رحمه الله في صحيحه بابًا عن الانتصارِ من الظالم لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } [ الشورى39 ] ، وذُكِرَ عن إبراهيم النخعيّ قوله : " كانوا يكرَهون أن يُستَذَلّوا ، فإذا قدروا عفَوا" [ أخرجه البخاري ]

        وقد جاءتِ الآيات متضَافِرةً في ذكرِ الصفح والجمعِ بينه وبين العفو كما في قولِه تعالى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ } [ المائدة13 ] ، وقوله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } [ البقرة109 ] ، وقوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًا لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ التغابن14 ] .



        أقوال في العفو:

        قال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما : " لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه ، واعتذر في أُذني الأخرَى ، لقبِلتُ عذرَه " [ الآداب الشرعية لابن مفلح 1/319 ] .

        وقال جعفرُ الصادِق رحمه الله : " لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً ، أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة " [ أدب المجالسة لابن عبد البر 116 ] .

        وقال الفضيل بنُ عياض رحمه الله : " إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلاً فقل : يا أخي ، اعفُ عنه ؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمِل قلبي العفوَ ، ولكن أنتصر كما أمرَني الله عزّ وجلّ فقل له : إن كنتَ تحسِن أن تنتَصِر ، وإلاّ فارجع إلى بابِ العفو ؛ فإنّه باب واسع ، فإنه من عفَا وأصلحَ فأجره على الله ، وصاحِبُ العفو ينام علَى فراشه باللّيل ، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور ؛ لأنّ الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان " .



        النبي صلى الله عليه وسلم يعفو :

        الصّفح والعفو هما خلُقُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأين المشمِّرون المقتَدون ؟! أين من يغالِبهم حبُّ الانتصار والانتقام ؟! أين هم من خلُق سيِّد المرسَلين صلى الله عليه وسلم ؟! سُئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلُق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق ، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح " [ أخرجه أحمد والترمذي وقال : حديث حسن صحيح وأصله في الصحيحين ] .

        ما أعظم عفو وصفح الحبيب محمد _ صلى الله عليه وسلم _ عندما دعا قومه إلى دين الحق ، والصراط المستقيم ، عندما دعاهم لما يحييهم ، وينقذهم من عذاب أليم ، دعاهم شفقة ورحمة بهم ، فما كان منهم إلا أن كذبوه ، واتهموه بالسحر ، والكذب ، والجنون ، وسلطوا عليه سفهاءهم .

        كان خوفه صلى الله عليه وسلم على قومه من انتقام الجبار جل وعلا لتكذيبهم دعوته ، يجعله يهتم أشد الهم ، ولكنه سيدافع عن قومه ، لأنهم لا يعلمون ، فلما خرج من ثقيف أتاه ملك الجبال للانتقام ، عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه ؛ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللّهِ ! هَلْ أَتَىٰ عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ فَقَالَ : " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلَىٰ مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَىٰ وَجْهِي ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ _ قرن المنازل _ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ ، فَنَادَانِي فَقَالَ : إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، قَالَ : فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! إنَّ اللّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ " فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً " [ متفق عليه ] .

        يا له من نبي رحيم ، عفو كريم ، عفا عن قومه بعدما كذبوه وأدموا عقبيه ، فاخضبت رجلاه من الدم _ بأبي وأمي ونفسي هو صلى الله عليه وسلم _ .
        ولو أردنا تقصي مواقف الحبيب محمد _ صلى الله عليه وسلم _ في العفو والصفح عمن أساء إليه لاحتجنا وقتاً وجهداً ، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق .

        فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، وقدوة طيبة ، يجب أن نحتذي بها ، ونقتفي أثرها ، لاسيما في العفو والغفران ، والتجاوز عن الآخرين فيما إذا أساءوا لنا ، وندخر ذلك ذخراً لنا عند الله العفو الغفور الرحيم ، الذي تجاوز عن كثير من سيئاتنا ، وأمهلنا وأمد لنا في العمر ولم يأخذنا بالتقصير والتفريط في جنبه سبحانه ، فكم عصينا ربنا ، وكم تمردنا على علّام الغيوب ، وهو يستر العيوب ، ألا نغفر ونعفو نحن ونتازل لمرضاة الله تعالى ، ورجاء مغفرته يوم القيامة ، يوم العرض والحساب ، يوم أن يحتاج العبد إلى حسنة واحدة تدخله الجنة فلا يجد ، فربما وجد أثر العفو والصفح حسنات كالجبال ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم على منبره يقول :
        " ارحموا تُرحموا ، واغفروا يغفر الله لكم ، ويل لأقماع القول ، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون "
        [ أخرجه أحمد ، وصحح إسناده الشيخ / أحمد شاكر رحمه الله ] .

        عفا الله عنا وعن جميع المسلمين، وسامحنا الله وسامح كل المؤمنين.



        "عيوننا ستبقى دومًا صوب القدس والأقصى ولن تنحصر داخل حدود غزة، وإن مشروعنا المقاوم سيمتد كما كان دومًا إلى كل أرضنا المغتصبة إن عاجلاً أو آجلاً"
        الشهيد أحمد الجعبري-رحمه الله





        تعليق

        • خلود7
          النجم الفضي
          • Dec 2006
          • 1747

          جزاكى الله كل خير اختى على الموضوع الرائع

          تعليق

          • رويدا2005
            النجم البرونزي
            • Jan 2008
            • 510

            جزاك الله كل الخير والبركة

            تعليق

            • دلووووعهـ
              عضو جديد
              • Jul 2009
              • 24

              شكراااا عالموضوع نايس

              تعليق

              • ابريكه
                "نبض حروف المُلتقى"
                • Mar 2009
                • 8638

                موضوعك شيق
                طرحتي فابدعتي فابهرتي وافدتي القراء
                وجزاك الله اعظم جزاء
                زكاااااااااااااااااه الفطر
                لا تنسوها
                -:-

                ومبارك عليكم العيد



                [/CENTER]

                تعليق

                • yasmine_ 2006
                  جوري الروضة - شُعلة الثقافه "مُبدعة صيف 1430هـ"
                  • Jul 2006
                  • 5800

                  جزاك الله خيرا يا أختى وبارك فيك
                  وجعل ما تقدميه لنا فى ميزان حسناتك

                  وعيد سعيد علينا وعليكم وعلى كل الأمة الإسلامية

                  اللهم آمين

                  تعليق

                  • ست الحبايب0
                    بالعلم نرتقي
                    • Dec 2008
                    • 792










                    تعليق

                    • RANDA 1959
                      كبار الشخصيات , وسام المبدعين
                      • Jan 2007
                      • 14077

                      بالفعل موضوع بيستحق القراءة شكرا غاليتنا الغدير علي الطرح المفيد وكل عام وانتي بالف خيررررررررررررررررررررر


                      ]





                      تعليق

                      • عزوتي ابوي
                        كبار الشخصيات
                        • Dec 2006
                        • 9211

                        غدوره الله يجزاك الف خير ويكتب اجرك ياغاليه ...
                        محطاتك رائعه لا عدمناك ..
                        كلي شوق و أمل لرجعتك شقيقة الروح()


                        اللهم أجعل قرّة عيني قرير
                        عين
                        في عليين ياحي ياقيوم

                        تعليق

                        • بوبور
                          عضو نشيط
                          • Sep 2009
                          • 237

                          مشكووووووووووووووووووووووووره

                          تعليق

                          • مليكةnn
                            النجم الفضي
                            • Nov 2006
                            • 1323

                            جزاك الله خيرا

                            تعليق

                            • - هـمـم -
                              زهرة لا تنسى
                              • Jun 2009
                              • 5429

                              جزاك الله خيرا
                              وجعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله ..

                              ( نحن بخير) فقط! إن تعلقنا بالله وحده

                              :

                              تعليق

                              • OMO LINA
                                مصممة بارعة
                                • Jan 2009
                                • 1588

                                اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا

                                بارك الله فيك

                                وجعله في ميزان حسناتك

                                تعليق

                                يعمل...