الأسباب التي يعتصم
بها العبد من الشيطان
بها العبد من الشيطان
جمعها الفقير إلى الله
عبد الله بن جار الله آل جار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
عبد الله بن جار الله آل جار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
-1-
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته واهتدوا بهديه إلى يوم الدين.مقدمة
أما بعد:
فإن عدو الله إبليس -أعاذنا الله والمسلمين منه- هو عدونا اللدود الذي أخرج أبانا آدم من الجنة، وسعى في منع بني آدم من العود إليها بكل سبيل، وأقسم على أن يغوي بني آدم ويصدهم عن صراط الله المستقيم وقال:(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: 16-17].
وأخبر الله تعالى أن إبليس صدق عليهم ظنه فاتبعوه إلا من عصمه الله من عباده المؤمنين وأوليائه المتقين وحزبه المفلحين، قال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[سبأ: 20].
وإذا كان يوم القيامة ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قام الشيطان خطيبًا فيهم وتبرأ منهم، قال الله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[إبراهيم: 22].
وأمرنا الله بالدخول في جميع شرائع الإسلام وأن لا نطيع الشيطان بتركها، أو ترك بعضها، فقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[البقرة: 208] أي بين العداوة، وأن الشيطان يعدنا الفقر لئلا ننفق أموالنا في سبيل الله، والله يعدنامغفرة منه على الإنفاق وفضلاً منه بالخلف العاجل والآجل، فقال: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا)[البقرة: 268].
وأخبرنا ربنا أن الشيطان يخوفنا بأوليائه ويعظمهم في صدورنا، ونهانا أن نخافهم، وأمرنا أن نفرد ربنا بالخوف إن كنا مؤمنين، فقال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 175].
ونهانا ربنا عن اتباع خطوات الشيطان وهي طرقه التي يدعو إليها من الفواحش والشهوات المحرمة وترك الواجبات وفعل المحرمات، وأخبرنا مولانا أن الشيطان لنا عدو وأمرنا أن نتخذه عدوًا وأنه يدعو أتباعه ليكونوا من أهل النار -أعاذنا الله والمسلمين منها-، فقال تعالى:(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6] .
ولكن بعض الناس اتخذوه صديقًا لهم فأطاعوه في معصية الله، وأخبرنا ربنا عن خسران من اتخذ الشيطان وليًا فأطاعه في معصية الله فقال:(وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)[النساء: 119].
فالعجب ممن عرف ربه ثم عصاه وعرف الشيطان فأطاعه قال تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) [الكهف: 50].
وقد حذرنا مولانا منه وقد أعذر من أنذر فقال تعالى:(يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)[الأعراف: 27].
ومن رحمة الله بعباده أن شرع لهم من الأذكار والأدعية والتعوذات ما يتحصنون به من هذا العدو، فلنحارب عدونا ولنجاهد بالاستعاذة بالله منه ومخالفته والعزم على عصيانه -أعاذنا الله والمسلمين منه.
أيها القارئ الكريم لما تقدم من بيان عداوة الشيطان لبني آدم ولما سيأتي من بيان مظاهر عداوته من الوسوسة وبث الخوف عند الإنسان وإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، وصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، فقد جمعت في هذه الرسالة ما أمكن جمعه من الأسباب التي يعتصم بها العبد من الشيطان، وبيان مظاهر عداوته، وبيان مداخله التي منها الغضب والشهوة والعجلة وترك التثبت في الأمور وسوء الظن بالمسلمين والتكاسل عن الطاعات وارتكاب المحرمات، والرفيق السيء الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل». [رواه أبو داود والترمذي وحسنه].
ومن أعظم مداخل الشيطان: اتباع الهوى وعدم الاستجابة للحق، قال تعالى:(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ)[القصص: 50].
كما أن من أخطر مداخل الشيطان الكبر، وهو عدم قبول الحق واحتقار الناس، كما تكبر إبليس عن طاعة ربه حين أمره بالسجود لآدم فلعن وطرد من رحمة الله، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر كما في الحديث الذي رواه مسلم.
كما ذكرت في هذه الرسالة وسائل العلاج من مداخل الشيطان وعلاج وسوسته، وأنواع شر الشيطان وما يعصم منه، وبيان أهداف الشيطان، وذكر أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان، إلى غير ذلك مما سيراه القارئ موضحًا في هذه الرسالة على طريق الاختصار.
والذي دعاني إلى تأليفها ما لوحظ في اتباع كثير من الناس لعدوهم الشيطان، حيث أطاعوه في معصية الله بترك الواجبات وفعل المحرمات، وتحذيرهم من ذلك ومن سوء عاقبته، والأخذ بأيديهم إلى اللجوء إلى الله والاعتماد عليه والاعتصام به وحده، والتحصن به من هذا العدو اللدود، وأن الله قد أعطانا أسلحة نكافح بها هذا العدو من الإيمان الصادق والعمل الصالح والتوبة النصوح ثم الإكثار من ذكر الله ودعائه، واستغفاره والاستعاذة به من هذا العدو فهو المعيذ وحده وهو الكافي لعبده القادر على حمايته من عدوه وحفظه منه بحوله وقوته وقدرته الكاملة، وقد قال الله تعالى لإبليس:(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) [الإسراء: 65] وقال تعالى:(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)[النحل: 99-100].
وهذه الرسالة مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام المحققين من أهل العلم.
أسأل الله تعالى أن ينفع من كتبها أو طبعها أو قرأها أو سمعها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم. كما أسأله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعيذنا وأولادنا وإخواننا المسلمين من الشيطان الرجيم وأن يعصمنا منه وأن لا يجعل له علينا سلطانًا إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
تعليق