اتبعوا و لا تبتدعوا
بقلم :معاوية محمد هيكل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ففي هذا المقال نتناول بمشيئة الله أقسام البدع كما بينها أهل العلم. فنقول مستعينين بالله عز وجل:
تنقسم البدع إلى أنواع عديدة بحسب مخالفتها للشرع، من جهة كونها تتعلق بالعقائد أو بالأحكام، وبحسب ارتباطها بأزمنة معينة أو أمكنة معينة أو بحسب ما يندرج تحتها من مخالفات للشرع، وإليك البيان:
القسم الأول: البدع التركية والبدع الفعلية
القسم الثاني: البدعة الحقيقية والبدعة الإضافية
القسم الثالث: البدعة الكلية والبدعة الجزئية
القسم الرابع: البدع الاعتقادية والبدع العملية
القسم الخامس: بدع الأزمنة والأمكنة
و اليكم التفاصيل
القسم الأول: البدع التركية والبدع الفعلية
أولا: البدعة التركية: فقد تكون البدع بترك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بزعم التقرب به إلى الله تعالى: من أمثلة ذلك:
(1) بدع تركية في الاعتقادات:
كل اعتقاد كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم من السلف الصالح فإنه يجب الأخذ به والملازمة له، وأنه هو الصواب الذي لا محيد عنه وكل فرقة من فرق الضلال والابتداع قد تركت شيئًا أو أشياء مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك:
أ الرافضة:
تركت اعتقاد محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وموالاتهم.
ب الخوارج:
تركوا طاعة إمام المسلمين.
ج المرجئة:
تركوا اعتقاد دخول العمل في الإيمان.
د الجهمية:
تركوا اعتقاد الصفات لله عز وجل.
وكل فرقة من الفرق الضالة تركت بعض الحق واعتنقت مكانه باطلا.
(2) بدع تركية في العبادات:
من أمثلة ذلك:
1 ما يزعمه ملاحدة الصوفية من سقوط التكاليف عن العارف وجواز تركه للوحي ولوازمه استغناءً عنه بالعلم اللدني.
2 ترك الرافضة المسح على الخفين.
(3) بدع تركية في المعاملات:
أ مثل: ترك الزواج، وترك كسب الرزق الحلال لأجل التفرغ للعبادة والخلوة من أجل مزيد القربة كما يفعله المتصوفة ويعتقدونه دينًا وطاعة لله.
ب ترك الخوارج مؤاكلتهم المسلمين وممبايعتهم ومناكحتهم وغير ذلك.
(4) بدع تركية في الأقوال:
أ كترك المتصوفة القرآن والحديث والاستعاضة عنهما بالغناء والرقص والأوراد المبتدعة كصلاة الفاتح ونحوها وكتركهم للأذكار الشرعية واستبدالها بأذكار طرقهم البدعية المليئة بالشركيات والخرافات والبدع.
(5) بدع تركية في العادات: مثل ترك كثير من المتصوفة تناول الطيبات من الرزق تنسكًا، وتعذيبًا للنفس وحرمانها من الحلال تعبدًا لله.
قال تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين
{المائدة:87}.
ففي الآية نهي عن تحريم ما أحل الله، وإشعار بأن ذلك اعتداء لا يحبه الله.
وفي الحديث: أن بعض الصحابة أرادوا أن يحرموا على أنفسهم أنواعًا من الحلال فحرم بعضهم على نفسه نوم الليل وحرم الآخر الأكل بالنهار وآخر أكل اللحم وآخر إتيان النساء. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا؟ لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني". متفق عليه
.
ثانيا: البدعة الفعلية: قد تكون بفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يتعبد به النبي صلى الله عليه وسلم .
أ كتخصيص يوم من الأيام بصيام مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصصه بصيام.
ب وكتخصيص ليلة من الليالي بصلاة وقيام مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصصها بقيام وصلاة.
ج وكتخصيص زيارة المقابر في أيام معينة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصصه بالزيارة.
وفي كل ذلك يزعم صاحبها التقرب إلى الله تعالى، وجلب خير لنفسه أو للمسلمين.
القسم الثاني: البدعة الحقيقية والبدعة الإضافية
أولا: البدعة الحقيقية: هي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا من سنة ولا من إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل كما بين ذلك الشاطبي.
من أمثلتها:
1 الطواف بغير الكعبة، والوقوف بغير عرفة، ووضع الهياكل والشموع حول القبور والأضرحة.
2 الرؤى والكشوف الشيطانية عند المتصوفة، حيث يبنون أعمالهم وأقوالهم المبتدعة على رؤيا رآها أحدهم أو رؤيت له أو رآها شيخه أو على كشف شيطاني بان له أو على ذوق نفسي وجده.
وإنكار الاحتجاج بالسنة وتقديم العقل على النقل، كما هو حال معتزلة العصر أتباع المدرسة العقلية، الذين يزعمون أن العقل سفينة النجاة.
3 اختراع عبادة ما أنزل الله بها من سلطان، كالصلاة بغير طهارة.
ثانيًا: البدعة الإضافية: هي ما لها من الأدلة متعلق، فلا تكون مخالفة للشرع من هذه الجهة، ولها كذلك جهة ليس لها متعلق من الشرع فهي به بدعة.
أي أنها: بالنسبة إلى إحدى الجهتين موافقة للشرع مستندة إلى دليل، وبالنسبة للجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء.
الفرق بين البدعة الإضافية والبدعة الحقيقية
والفرق بين البدعة الإضافية والبدعة الحقيقية من جهة المعنى: أن الدليل على الإضافية من جهة الأصل قائم ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها دليل، مع أنها محتاجة إليه، لأن العبادات توقيفية تحتاج لدليل شرعي.
روى ابن وضاح بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: "كنت جالسًا عند الأسود بن سريع وكان مجلسه في مؤخر المسجد الجامع فافتتح سورة بني إسرائيل حتى بلغ: (وكبره تكبيرا) فرفع أصواتهم الذين كانوا جلوسًا حوله، وجاء مجالد بن مسعود يتوكأ على عصاه فلما رآه القوم قالوا: مرحبًا مرحبًا. اجلس. قال: ما كنت لأجلس إليكم وإن مجلسكم حسنٌ. ولكنكم قبل صنعتم شيئًا أنكره المسلمون فإياكم وما أنكر المسلمون".
فتحسينه المجلس كان لقراءة القرآن وأما رفع الصوت بالتكبير عند الآية فهو الأمر المحدث الذي نهى عنه مجالد وأنكره، وهذه هي البدعة الإضافية.
من أمثلة البدع الإضافية:
1 صلاة ليلة النصف من شعبان: وهي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة الإخلاص إحدى عشرة مرة.
2 صلاة الرغائب: وهي اثنتا عشرة ركعة عقب صلاة المغرب ليلة الجمعة الأولى من رجب يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاث مرات، والإخلاص اثنتي عشرة مرة.
قال الإمام النووي في صلاة الرغائب: "ليس لأحد أن يستدل على شرعيتها لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلاة خير موضوع فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه وقد صح النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة" اه.
3 صلاة بر الوالدين.
4 صلاة مؤنس القبر.
وهذه كلها بدع قبيحة.
ووجه مشابهة الشرع استحباب صلاة التطوع لقوله صلى الله عليه وسلم : "الصلاة خير موضوع" رواه الطبراني في الأوسط، وهي بدعة من جهة التزام وقت مخصوص وكيفية مخصوصة ونية مخصوصة مخالفة للشرع لم تثبت.
5 التلحين في الأذان والزيادة فيه:
بإخراج كلماته عن كيفيتها الشرعية بإيقاعها على ألحان بدعية وزيادة لفظ التسييد في "شهادة أن محمدًا رسول الله" والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم مع الأذان جهرًا وجعلها بمنزلة الأذان.
6 التأذين للعيدين: فالأذان قربة وهنا بدعة.
7 ختم الصلاة بصورة جماعية وبكيفية مخالفة في أذكارها لما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
8 قراءة الصمدية مائة ألف مرة.
تنبيه: صاحب البدعة الإضافية يتقرب إلى الله تعالى بمشروع وبغير مشروع، والتقرب إنما يكون بمحض المشروع، إذ لا يتقرب إلى الله إلا بما شرع، فكما يجب أن يكون العمل مشروعًا باعتبار ذاته يجب أن يكون مشروعًا باعتبار كيفيته. كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم : "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم.
لذلك ينبغي للدعاة الاهتمام البالغ عند بيان البدعة الإضافية لأنها تلتبس على كثير من الناس لعدم دراية فاعليها بحقيقة مخالفة الشرع فيها.
القسم الثالث: البدعة الكلية والبدعة الجزئية
أولا: البدعة الكلية: هي التي تعتبر كالقاعدة أو الأصل لبدع أخرى تبنى عليها ويتعدى أثرها إلى أمور كثيرة كما بين ذلك الشاطبي في الاعتصام.
من أمثلة ذلك:
1 بدعة عصمة الأئمة عند الروافض:
فهي بدعة كلية يترتب عليها جملة من الضلالات والبدع.
كإنزالهم أئمتهم منزلة لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل واعتقاد الصواب المطلق في أقوالهم وأفعالهم.
وكاعتقاد خروج المهدي من السرداب إلى غير ذلك من الضلالات.
2 القول بأن للشريعة ظاهرًا وباطنًا كما يقول الباطنية.
3 الزعم بأن منزلة الولي فوق منزلة النبي كما يقول زنادقة الصوفية.
4 ترك العمل بالحديث النبوي كما يفعل الخوارج.
5 وإنكار الأحاديث النبوية. أو إنكار حجية أخبار الآحاد في العقائد، فيندرج تحتها مالا نهاية له من المخالفة لفروع من أحكام الشريعة.
ثانيًا: البدعة الجزئية:
فهي لا تتجاوز ذاتها فلا يبنى عليها شيء من البدع ولا يمتد أثرها إلى شيء من الأعمال الأخرى التي يفعلها صاحبها فهي على عكس البدع الكلية.
ومن أمثلتها:
1 بدعة المداومة على المصافحة عقب الصلوات كقول بعضهم لبعض بعد التسليم "حرمًا".
2 وبدعة الجهر بالنية في الصلاة.
3 وبدعة تلقين الميت في قبره بعد دفنه وبدعة التلحين والزيادة في الأذان.
القسم الرابع: البدع الاعتقادية والبدع العملية
أولا: البدع الاعتقادية:
كاعتقاد خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا على وجه المعاندة للشرع بل بنوع من شبهة:
1 كغلو الرافضة والمتصوفة في أهل البيت والمشايخ والأولياء.
2 كبدعة الخوارج في اعتقادهم تكفير عصاة المسلمين بل بأهوائهم اعتقدوا كفر عدد من الصحابة.
3 كالمجسمة والمشبهة الذين شبهوا الله بخلقه تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
4 كالجهمية الذين نفوا الصفات والأشاعرة الذين أولوا الصفات.
5 كإنكار القدر وتعطيل الصفات أو تأويلها، وجعل الإيمان مجرد القول والاعتقاد فقط.
ثانيا: البدع العملية: كالذكر أمام الجنائز وبدع زيارة القبور (كقراءة الفاتحة ويس على المقابر، وقصد القبر للدعاء رجاء الإجابة، وقصدها للصلاة، والتوسل إلى الله بالمقبور وطلب الحاجات من الموتى، اعتقادًا منهم أن الميت يتصرف في الأمور من دون الله عز وجل) تعالى الله عن ما يقولون علوًا كبيرا.
القسم الخامس: بدع الأزمنة والأمكنة
وذلك باعتبار الأزمنة أو الأمكنة التي تقع فيها البدع:
1 بدع الأزمنة: كبدع الموالد والأعياد والمواسم مثل: الاحتفال بعيد شم النسيم وعيد رأس السنة الميلادية وغير ذلك من الأعياد المبتعدة.
2 بدع الأمكنة: كبدع المساجد والمقابر والجنائز والمآتم، وهي كثيرة غير محصورة.
وقد تكون البدع عامة لا تختص بزمان ولا بمكان كتقليد المتفرنجين للأوربيين وأهل الجاهلية فيما هو مخالف للشرع.
وبعد فإن الأمثلة التي ذكرناها تحت كل قسم من أقسام البدع ليست حصرًا ولا استقصاءً لها، وإلا فحصرها لا ينتهي بل هي بعدد الأهواء، بل بعدد أنفاس أهل البدع.
هدانا الله وإياهم إلى طريق أهل السنة والجماعة ووقانا الله وإياهم البدعة والخلاف والفرقة.
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ففي هذا المقال نتناول بمشيئة الله أقسام البدع كما بينها أهل العلم. فنقول مستعينين بالله عز وجل:
تنقسم البدع إلى أنواع عديدة بحسب مخالفتها للشرع، من جهة كونها تتعلق بالعقائد أو بالأحكام، وبحسب ارتباطها بأزمنة معينة أو أمكنة معينة أو بحسب ما يندرج تحتها من مخالفات للشرع، وإليك البيان:
القسم الأول: البدع التركية والبدع الفعلية
القسم الثاني: البدعة الحقيقية والبدعة الإضافية
القسم الثالث: البدعة الكلية والبدعة الجزئية
القسم الرابع: البدع الاعتقادية والبدع العملية
القسم الخامس: بدع الأزمنة والأمكنة
و اليكم التفاصيل
القسم الأول: البدع التركية والبدع الفعلية
أولا: البدعة التركية: فقد تكون البدع بترك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بزعم التقرب به إلى الله تعالى: من أمثلة ذلك:
(1) بدع تركية في الاعتقادات:
كل اعتقاد كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم من السلف الصالح فإنه يجب الأخذ به والملازمة له، وأنه هو الصواب الذي لا محيد عنه وكل فرقة من فرق الضلال والابتداع قد تركت شيئًا أو أشياء مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك:
أ الرافضة:
تركت اعتقاد محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وموالاتهم.
ب الخوارج:
تركوا طاعة إمام المسلمين.
ج المرجئة:
تركوا اعتقاد دخول العمل في الإيمان.
د الجهمية:
تركوا اعتقاد الصفات لله عز وجل.
وكل فرقة من الفرق الضالة تركت بعض الحق واعتنقت مكانه باطلا.
(2) بدع تركية في العبادات:
من أمثلة ذلك:
1 ما يزعمه ملاحدة الصوفية من سقوط التكاليف عن العارف وجواز تركه للوحي ولوازمه استغناءً عنه بالعلم اللدني.
2 ترك الرافضة المسح على الخفين.
(3) بدع تركية في المعاملات:
أ مثل: ترك الزواج، وترك كسب الرزق الحلال لأجل التفرغ للعبادة والخلوة من أجل مزيد القربة كما يفعله المتصوفة ويعتقدونه دينًا وطاعة لله.
ب ترك الخوارج مؤاكلتهم المسلمين وممبايعتهم ومناكحتهم وغير ذلك.
(4) بدع تركية في الأقوال:
أ كترك المتصوفة القرآن والحديث والاستعاضة عنهما بالغناء والرقص والأوراد المبتدعة كصلاة الفاتح ونحوها وكتركهم للأذكار الشرعية واستبدالها بأذكار طرقهم البدعية المليئة بالشركيات والخرافات والبدع.
(5) بدع تركية في العادات: مثل ترك كثير من المتصوفة تناول الطيبات من الرزق تنسكًا، وتعذيبًا للنفس وحرمانها من الحلال تعبدًا لله.
قال تعالى:
ففي الآية نهي عن تحريم ما أحل الله، وإشعار بأن ذلك اعتداء لا يحبه الله.
وفي الحديث: أن بعض الصحابة أرادوا أن يحرموا على أنفسهم أنواعًا من الحلال فحرم بعضهم على نفسه نوم الليل وحرم الآخر الأكل بالنهار وآخر أكل اللحم وآخر إتيان النساء. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا؟ لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني". متفق عليه
.
ثانيا: البدعة الفعلية: قد تكون بفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يتعبد به النبي صلى الله عليه وسلم .
أ كتخصيص يوم من الأيام بصيام مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصصه بصيام.
ب وكتخصيص ليلة من الليالي بصلاة وقيام مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصصها بقيام وصلاة.
ج وكتخصيص زيارة المقابر في أيام معينة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصصه بالزيارة.
وفي كل ذلك يزعم صاحبها التقرب إلى الله تعالى، وجلب خير لنفسه أو للمسلمين.
القسم الثاني: البدعة الحقيقية والبدعة الإضافية
أولا: البدعة الحقيقية: هي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا من سنة ولا من إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل كما بين ذلك الشاطبي.
من أمثلتها:
1 الطواف بغير الكعبة، والوقوف بغير عرفة، ووضع الهياكل والشموع حول القبور والأضرحة.
2 الرؤى والكشوف الشيطانية عند المتصوفة، حيث يبنون أعمالهم وأقوالهم المبتدعة على رؤيا رآها أحدهم أو رؤيت له أو رآها شيخه أو على كشف شيطاني بان له أو على ذوق نفسي وجده.
وإنكار الاحتجاج بالسنة وتقديم العقل على النقل، كما هو حال معتزلة العصر أتباع المدرسة العقلية، الذين يزعمون أن العقل سفينة النجاة.
3 اختراع عبادة ما أنزل الله بها من سلطان، كالصلاة بغير طهارة.
ثانيًا: البدعة الإضافية: هي ما لها من الأدلة متعلق، فلا تكون مخالفة للشرع من هذه الجهة، ولها كذلك جهة ليس لها متعلق من الشرع فهي به بدعة.
أي أنها: بالنسبة إلى إحدى الجهتين موافقة للشرع مستندة إلى دليل، وبالنسبة للجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء.
الفرق بين البدعة الإضافية والبدعة الحقيقية
والفرق بين البدعة الإضافية والبدعة الحقيقية من جهة المعنى: أن الدليل على الإضافية من جهة الأصل قائم ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها دليل، مع أنها محتاجة إليه، لأن العبادات توقيفية تحتاج لدليل شرعي.
روى ابن وضاح بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: "كنت جالسًا عند الأسود بن سريع وكان مجلسه في مؤخر المسجد الجامع فافتتح سورة بني إسرائيل حتى بلغ: (وكبره تكبيرا) فرفع أصواتهم الذين كانوا جلوسًا حوله، وجاء مجالد بن مسعود يتوكأ على عصاه فلما رآه القوم قالوا: مرحبًا مرحبًا. اجلس. قال: ما كنت لأجلس إليكم وإن مجلسكم حسنٌ. ولكنكم قبل صنعتم شيئًا أنكره المسلمون فإياكم وما أنكر المسلمون".
فتحسينه المجلس كان لقراءة القرآن وأما رفع الصوت بالتكبير عند الآية فهو الأمر المحدث الذي نهى عنه مجالد وأنكره، وهذه هي البدعة الإضافية.
من أمثلة البدع الإضافية:
1 صلاة ليلة النصف من شعبان: وهي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة الإخلاص إحدى عشرة مرة.
2 صلاة الرغائب: وهي اثنتا عشرة ركعة عقب صلاة المغرب ليلة الجمعة الأولى من رجب يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاث مرات، والإخلاص اثنتي عشرة مرة.
قال الإمام النووي في صلاة الرغائب: "ليس لأحد أن يستدل على شرعيتها لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلاة خير موضوع فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه وقد صح النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة" اه.
3 صلاة بر الوالدين.
4 صلاة مؤنس القبر.
وهذه كلها بدع قبيحة.
ووجه مشابهة الشرع استحباب صلاة التطوع لقوله صلى الله عليه وسلم : "الصلاة خير موضوع" رواه الطبراني في الأوسط، وهي بدعة من جهة التزام وقت مخصوص وكيفية مخصوصة ونية مخصوصة مخالفة للشرع لم تثبت.
5 التلحين في الأذان والزيادة فيه:
بإخراج كلماته عن كيفيتها الشرعية بإيقاعها على ألحان بدعية وزيادة لفظ التسييد في "شهادة أن محمدًا رسول الله" والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم مع الأذان جهرًا وجعلها بمنزلة الأذان.
6 التأذين للعيدين: فالأذان قربة وهنا بدعة.
7 ختم الصلاة بصورة جماعية وبكيفية مخالفة في أذكارها لما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
8 قراءة الصمدية مائة ألف مرة.
تنبيه: صاحب البدعة الإضافية يتقرب إلى الله تعالى بمشروع وبغير مشروع، والتقرب إنما يكون بمحض المشروع، إذ لا يتقرب إلى الله إلا بما شرع، فكما يجب أن يكون العمل مشروعًا باعتبار ذاته يجب أن يكون مشروعًا باعتبار كيفيته. كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم : "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم.
لذلك ينبغي للدعاة الاهتمام البالغ عند بيان البدعة الإضافية لأنها تلتبس على كثير من الناس لعدم دراية فاعليها بحقيقة مخالفة الشرع فيها.
القسم الثالث: البدعة الكلية والبدعة الجزئية
أولا: البدعة الكلية: هي التي تعتبر كالقاعدة أو الأصل لبدع أخرى تبنى عليها ويتعدى أثرها إلى أمور كثيرة كما بين ذلك الشاطبي في الاعتصام.
من أمثلة ذلك:
1 بدعة عصمة الأئمة عند الروافض:
فهي بدعة كلية يترتب عليها جملة من الضلالات والبدع.
كإنزالهم أئمتهم منزلة لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل واعتقاد الصواب المطلق في أقوالهم وأفعالهم.
وكاعتقاد خروج المهدي من السرداب إلى غير ذلك من الضلالات.
2 القول بأن للشريعة ظاهرًا وباطنًا كما يقول الباطنية.
3 الزعم بأن منزلة الولي فوق منزلة النبي كما يقول زنادقة الصوفية.
4 ترك العمل بالحديث النبوي كما يفعل الخوارج.
5 وإنكار الأحاديث النبوية. أو إنكار حجية أخبار الآحاد في العقائد، فيندرج تحتها مالا نهاية له من المخالفة لفروع من أحكام الشريعة.
ثانيًا: البدعة الجزئية:
فهي لا تتجاوز ذاتها فلا يبنى عليها شيء من البدع ولا يمتد أثرها إلى شيء من الأعمال الأخرى التي يفعلها صاحبها فهي على عكس البدع الكلية.
ومن أمثلتها:
1 بدعة المداومة على المصافحة عقب الصلوات كقول بعضهم لبعض بعد التسليم "حرمًا".
2 وبدعة الجهر بالنية في الصلاة.
3 وبدعة تلقين الميت في قبره بعد دفنه وبدعة التلحين والزيادة في الأذان.
القسم الرابع: البدع الاعتقادية والبدع العملية
أولا: البدع الاعتقادية:
كاعتقاد خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا على وجه المعاندة للشرع بل بنوع من شبهة:
1 كغلو الرافضة والمتصوفة في أهل البيت والمشايخ والأولياء.
2 كبدعة الخوارج في اعتقادهم تكفير عصاة المسلمين بل بأهوائهم اعتقدوا كفر عدد من الصحابة.
3 كالمجسمة والمشبهة الذين شبهوا الله بخلقه تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
4 كالجهمية الذين نفوا الصفات والأشاعرة الذين أولوا الصفات.
5 كإنكار القدر وتعطيل الصفات أو تأويلها، وجعل الإيمان مجرد القول والاعتقاد فقط.
ثانيا: البدع العملية: كالذكر أمام الجنائز وبدع زيارة القبور (كقراءة الفاتحة ويس على المقابر، وقصد القبر للدعاء رجاء الإجابة، وقصدها للصلاة، والتوسل إلى الله بالمقبور وطلب الحاجات من الموتى، اعتقادًا منهم أن الميت يتصرف في الأمور من دون الله عز وجل) تعالى الله عن ما يقولون علوًا كبيرا.
القسم الخامس: بدع الأزمنة والأمكنة
وذلك باعتبار الأزمنة أو الأمكنة التي تقع فيها البدع:
1 بدع الأزمنة: كبدع الموالد والأعياد والمواسم مثل: الاحتفال بعيد شم النسيم وعيد رأس السنة الميلادية وغير ذلك من الأعياد المبتعدة.
2 بدع الأمكنة: كبدع المساجد والمقابر والجنائز والمآتم، وهي كثيرة غير محصورة.
وقد تكون البدع عامة لا تختص بزمان ولا بمكان كتقليد المتفرنجين للأوربيين وأهل الجاهلية فيما هو مخالف للشرع.
وبعد فإن الأمثلة التي ذكرناها تحت كل قسم من أقسام البدع ليست حصرًا ولا استقصاءً لها، وإلا فحصرها لا ينتهي بل هي بعدد الأهواء، بل بعدد أنفاس أهل البدع.
هدانا الله وإياهم إلى طريق أهل السنة والجماعة ووقانا الله وإياهم البدعة والخلاف والفرقة.
والحمد لله رب العالمين
تعليق