ومنها ( وهذا أهمها على الأطلاق ) :
التلبيس : وهو دس الأفكار الباطلة ، والمذاهب الفاسدة ، ضمن حَشْد أفكار صحيحة ، أو مقبولة إجمالاً ولها حظٌّ من النظر الفكري السليم ، ولو كانت ظنوناً لم ترق إلى مستوى الحقائق العلمية ، فالظنون الراجحة مقبولة في العلوم حتى يأتي ما هو أقوى منها ، ولكنّ اللعبة الشيطانية الماكرة تتمثل في مجيء سموم الأفكار الباطلة الضالة مندسة ضمن حشد كبير من أفكار المعارف المقبولة في مناهج البحث العلمي .
وربما يكون عرض الفكرة الباطلة في أواخر عرض الأفكار الأخرى ، وبذلك تتسلل الفكرة الباطلة إلى داخل النفس دون أن تجد عيوناً حذرةً تكشفها ، وتبصر الزيف الذي يكتنفها ويغطيها .
إن من طبيعة الإنسان أن يستجمع في أوائل الأمور كل ما يملك من قدرات حذَرٍ لديه ، وبها يفحص كل كبيرة وصغيرة فحصاً دقيقاً يقظاً يقظةً واعية تناسب ما لديه من قدرات ، حتى إذا طال عليه الأمد في الفحص الحذر اليقظ الواعي ، دون أن يعثر على ما فيه من زيف ظاهر ، أو باطل مدسوس بقصد ، مل من شدة الفحص والمراقبة ، وبدأ النعاس يدبّ إلى مراكز المراقبة داخل نفسه ، ثمّ تهدأ نفسه ، ويذهب عنها التوتر الحذِر ، وترتخي أعصابه ، ثمّ تبدأ الطمأنينة تتسلل إلى قلبه شيئاً فشيئاً ، فإذا اطمأن منح ثقته دون حذر ، وقد يصل إلى حالة المستقبلِ الواثق دون نقد ولا اعتراض ، ثمّ إلى وضع المستسلم استسلاماً تاماً.
وعندئذٍ تستطيع الأفكار الباطلة المندسة أن تتسلل إلى عمق النفس ، وإلى مركز ثوابت الأفكار ، دون أن تجد عقبة تصدّها ، أو أجهزة تفتيش ومراقبة تكشف زيفها ، وتستبين بطلانها ، ويردد المستقبل الواثق الأفكار الباطلة دون تحرير ولا مناقشة ، ثقة بحصافة كاتبها أو ممليها .
ويستغل المضلون هذه الحيلة الشيطانية استغلالاً واسعاً جداً ، فيما يكتبون ، وفيما ينشرون ، وفيما يعرضون من مقولات وأبحاث ، بمختلف وسائل التعليم والإعلام ، لتتسلل زيوفهم إلى عمق النفوس ، دون أن تستوقفها أجهزة تفتيش أو فحص أو مراقبة ، وقد تتحول إلى مفاهيم ثابتة ، ثمّ إلى عقائد راسخة ، رغم بطلانها .
بهذه الحيلة الشيطانية قد تدخل النقود المزيفة على أمهر صيرفي نقاد ، وقد تدخل الأفكار الباطلة على أمهر عالم فحص ، فكيف بالذين لا خبرة عندهم ، أو تحصيلهم من المعرفة قليل ، أو ذهنهم في إدراك الزيف كليل ؟؟.
والخطير في عمليات التلبيس أن يكون دس الأفكار الباطلة ، والمذاهب الفاسدة ، ضمن قواعد العلوم التجريبية أو الوصفية ، ويلاحظ أنه غالباً ما تكون الأفكار الباطلة ، والمذاهب الفاسدة ، المندسة في العلوم التجريبية أو الوصفية ، آراءً فلسفية ليس لها دليل تجريبي ، ولا دليل حسي ، والمكيدة الشيطانية تجعلها إحدى الأسس النظرية التي تدل عليها الملاحظة ، أو تثبتها التجربة ، مع أن الملاحظة لا تدل عليها مطلقاً ، والتجربات والتطبيقات ترفضها وتدل على خلافها .
إن أي مضلل بفكرة ، أو مذهب ، أو طريقة باطلة ، لا يستطيع التأثير في مجموعة من الناس ، ولا يستطيع أن يكون لآرائه الفاسدة مفسدة مسير في الأفكار ، ما لم يدس ما يريد التضليل به ضمن مجموعة من الأفكار الصحيحة ، والأفكار المقبولة إجمالاً ، أو التي لها حظٌّ من النظر ، ولو لم تثبت بعدُ صحتها .
إنه بعمله هذا يغطي ويستر الباطل البين الواضح الفساد ، إن عرض جملة من الأفكار الصحيحة ، والأفكار المقبولة إجمالاً ، تجعل أذهان الناس تستسلم وتطمئن لسلامة قصد عارضها أو مقدمها ، لا سيما حينما يزينها بزخرف من القول ، وينضدها تنضيداً ذكياً ، ويرتبها ترتيباً منطقياً .
ثمّ تأتي الأفكار المندسة محاطة من سوابقها ولواحقها بما يسترها ، إذ للصحيح وللمقبول من الأفكار ظلال تسمح بمرور الباطل المندس بينها ، دون أن نثير الانتباه ، ودون أن تكشف الأذهان بطلانه .
وهكذا يُغشّي المبطلون بالدس الماكر وبزخرفٍ من القول زيوفهم الفكرية ، فتعبُر أفكارهم المزيفة ضمن ما يعبر إلى أذهان الناس من أفكار أخرى .
ولولا ذلك لاكتشف الناس الباطل بسرعة ، ولرفضوه ، فالجماهير من الناس ترفض بمنطقها التلقائي ما تراه باطلاً ، أو تعتقد بطلانه .
وواجب المسلم الحصيف أن يستجمع كل وعيه ، ويفحص كل كبيرة وصغيرة من أفكار الناس وآرائهم ومقولاتهم ومذاهبهم ، فإذا لم يكن أهلاً لذلك فعليه أن يسأل أهل العلم والمعرفة والخبرة والتخصص ، من أئمة المسلمين الذين يخشون الله واليوم الآخر ، وعرفوا بتقواهم وصفاء أفكارهم ، وقدرتهم على النقد والفحص وتمييز الحق من الباطل ، وكشف زيوف الأفكار والمذاهب .
فالشياطين كثيرون ، ومكرهم عظيم ، وحيلهم قد تخدع أئمة أولي الألباب .
ويجدر التنبيه على أن الباطل في مجموع البناء الفكري لمذاهب المضلين قد يكون بمثابة الأساس الخفي عن الأنظار ، والذي يكون كَشَفا جُرُفٍ هارٍ . وقد يكون بمثابة قضبان من الورق المقوى ، مدهونة بلون الحديد ، توضع بدل قضبان الحديد في سقف من الاسمنت المسلح . وقد يكون الباطل بمثابة قطرات قاتلات من السم الزعاف ، مدسوسة في كأس شراب من الماء والعسل .
وحيلة التلبيس هذه من حيل اليهود وأساليبهم في المكر والتضليل ، ولذلك خاطبهم الله عزّ وجلّ بقوله في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول):
{وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
ثمّ خاطبهم أيضاً بقوله عزّ وجلّ في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول):
{ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
ويجدر التنبيه أيضاً على أن مقاومة الباطل لا تكون بادعاء بطلان كل أجزاء المذهب الذي يضعه المبطلون ، أو بطلان كل الأفكار التي يعرضها المبطلون أو يروجونها ، ليستغلوها في تحقيق أغراضهم .
إنما تكون مقاومة الباطل بكشف عناصر الباطل الموجودة في المذهب ، أو في الآراء المعروضة ، وببيان بطلانها .
وحين لا يتيسر للباحث كشف العناصر الباطلة ، فينبغي أن لا يزيد على بيان أن المذهب أو جملة الآراء المعروضة لا يجوز الأخذ بها في مجموعها الكلي ، بسبب الباطل المندس فيها ، والمفسد لها . نظير حكمنا على كأس شراب العسل المسموم بأنه يجب الامتناع عن تناول أي مقدار منه ، لأنه قاتل .
لكننا حينما نستطيع التمييز والفصل بين الحق والباطل ، في عناصر المذهب أو جملة الآراء والأفكار المعروضة في نظام فكري يغري بالقبول ، فإن اللجوء إلى هذا التمييز والفصل هو الأحق بأن يكون منهجنا ، وهو المنهج الذي يتبعه رواد الحق وعشاقه ، والباحثون عنه والداعون إليه .
وعلى الباحث وفق هذا المنهج أن يفصل أي موضوع ذي عناصر إلى عناصره ووحداته الجزئية ، ثمّ يبحث في كل عنصر منها وفق أصول البحث العلمي ، ثمّ يبني حكمه بالاستناد إلى ما وصل إليه بحثه في ذلك العنصر ، وهكذا حتى يستوفي كل العناصر ، ولا تغرَّنه كثرة عناصر الصواب ، إذْ يكفي عنصر فاسد واحد لإفساد نظرية الموضوع كله .
بيد أن هذا المنهج هو من وظائف المتفوقين من أهل البحث والنظر العلمي ، أما الجماهير التي تأخذ المذهب اتباعاً تقليدياً ، فهي لا تستطيع التمييز ولا الفصل ، لذلك فمن واجبها الاجتناب الكلي ، خشية أن تتأثر بالباطل من حيث لا تشعر .
والسطحيون الذين يندفعون مع بادئ الرأي ، أو بادي الرأي ، دون تريث ولا تفكير عميق دقيق ، وينخدعون بالأصباغ والألوان الظاهرة ، وزخرف القول ، دون فحص لما يعرض عليهم الشياطين فحصاً جزئياً مجهرياً ، يسقطون في مكيدة الزيف ، ويسلمون أعنتهم لجزاريهم .
هؤلاء السطحيون المغفلون ، يندفعون كالقطعان إلى حتوفهم وحتوف أمتهم ، وطعم قطع الحلوى التي تقدم لهم وهم يتسابقون في الطريق ، يشغل ساحة التفكير بتأثير من شهواتهم الحاضرة ، فلا يفكرون فيما هم إليه صائرون ، وما هم إليه سائرون .
ويتسابقون وهم يتضاحكون ، ومئات القتلى منهم يتساقطون على أيدي سائقيهم إلى مذابحهم ، وبسذاجة تامة ، وغباء مطبق ، يفسرون تساقط المتساقطين منهم بكل تفسير ، إلا التفسير الحقيقي الذي يكشف أنهم منخدعون بقادتهم ، وبأئمة الضلال الذين يدفعون بهم في الطريق التي هم فيها يتراكضون ، وإلى هلاكهم يتسابقون .
وقد يرون أئمتهم يجلدونهم ، ويذبحون رفاقهم ، أو يسلطونهم على قتل رفاق طريقهم ، فيعتذرون عنهم بأنهم مخدوعون من قبل أعداء المذهب ، وهم في الحقيقة قادة مخلصون ، ورفاق أوفياء ، وهم يعملون للمبادئ المتفق عليها بصدق وتضحية .
ما أشد غباء ضحايا الزيف ، ترى من زعم لهم أنه الرفيق المخلص ، يجلدها ، ويشحذ سكينه ليذبحها ، ثمّ تظل غافلة عن مكيدته ، وتصطنع له المعاذير من عند أنفسها ، أو يوحي لها بهذه المعاذير الشياطين من أجراء أئمة الضلال .
التلبيس : وهو دس الأفكار الباطلة ، والمذاهب الفاسدة ، ضمن حَشْد أفكار صحيحة ، أو مقبولة إجمالاً ولها حظٌّ من النظر الفكري السليم ، ولو كانت ظنوناً لم ترق إلى مستوى الحقائق العلمية ، فالظنون الراجحة مقبولة في العلوم حتى يأتي ما هو أقوى منها ، ولكنّ اللعبة الشيطانية الماكرة تتمثل في مجيء سموم الأفكار الباطلة الضالة مندسة ضمن حشد كبير من أفكار المعارف المقبولة في مناهج البحث العلمي .
وربما يكون عرض الفكرة الباطلة في أواخر عرض الأفكار الأخرى ، وبذلك تتسلل الفكرة الباطلة إلى داخل النفس دون أن تجد عيوناً حذرةً تكشفها ، وتبصر الزيف الذي يكتنفها ويغطيها .
إن من طبيعة الإنسان أن يستجمع في أوائل الأمور كل ما يملك من قدرات حذَرٍ لديه ، وبها يفحص كل كبيرة وصغيرة فحصاً دقيقاً يقظاً يقظةً واعية تناسب ما لديه من قدرات ، حتى إذا طال عليه الأمد في الفحص الحذر اليقظ الواعي ، دون أن يعثر على ما فيه من زيف ظاهر ، أو باطل مدسوس بقصد ، مل من شدة الفحص والمراقبة ، وبدأ النعاس يدبّ إلى مراكز المراقبة داخل نفسه ، ثمّ تهدأ نفسه ، ويذهب عنها التوتر الحذِر ، وترتخي أعصابه ، ثمّ تبدأ الطمأنينة تتسلل إلى قلبه شيئاً فشيئاً ، فإذا اطمأن منح ثقته دون حذر ، وقد يصل إلى حالة المستقبلِ الواثق دون نقد ولا اعتراض ، ثمّ إلى وضع المستسلم استسلاماً تاماً.
وعندئذٍ تستطيع الأفكار الباطلة المندسة أن تتسلل إلى عمق النفس ، وإلى مركز ثوابت الأفكار ، دون أن تجد عقبة تصدّها ، أو أجهزة تفتيش ومراقبة تكشف زيفها ، وتستبين بطلانها ، ويردد المستقبل الواثق الأفكار الباطلة دون تحرير ولا مناقشة ، ثقة بحصافة كاتبها أو ممليها .
ويستغل المضلون هذه الحيلة الشيطانية استغلالاً واسعاً جداً ، فيما يكتبون ، وفيما ينشرون ، وفيما يعرضون من مقولات وأبحاث ، بمختلف وسائل التعليم والإعلام ، لتتسلل زيوفهم إلى عمق النفوس ، دون أن تستوقفها أجهزة تفتيش أو فحص أو مراقبة ، وقد تتحول إلى مفاهيم ثابتة ، ثمّ إلى عقائد راسخة ، رغم بطلانها .
بهذه الحيلة الشيطانية قد تدخل النقود المزيفة على أمهر صيرفي نقاد ، وقد تدخل الأفكار الباطلة على أمهر عالم فحص ، فكيف بالذين لا خبرة عندهم ، أو تحصيلهم من المعرفة قليل ، أو ذهنهم في إدراك الزيف كليل ؟؟.
والخطير في عمليات التلبيس أن يكون دس الأفكار الباطلة ، والمذاهب الفاسدة ، ضمن قواعد العلوم التجريبية أو الوصفية ، ويلاحظ أنه غالباً ما تكون الأفكار الباطلة ، والمذاهب الفاسدة ، المندسة في العلوم التجريبية أو الوصفية ، آراءً فلسفية ليس لها دليل تجريبي ، ولا دليل حسي ، والمكيدة الشيطانية تجعلها إحدى الأسس النظرية التي تدل عليها الملاحظة ، أو تثبتها التجربة ، مع أن الملاحظة لا تدل عليها مطلقاً ، والتجربات والتطبيقات ترفضها وتدل على خلافها .
إن أي مضلل بفكرة ، أو مذهب ، أو طريقة باطلة ، لا يستطيع التأثير في مجموعة من الناس ، ولا يستطيع أن يكون لآرائه الفاسدة مفسدة مسير في الأفكار ، ما لم يدس ما يريد التضليل به ضمن مجموعة من الأفكار الصحيحة ، والأفكار المقبولة إجمالاً ، أو التي لها حظٌّ من النظر ، ولو لم تثبت بعدُ صحتها .
إنه بعمله هذا يغطي ويستر الباطل البين الواضح الفساد ، إن عرض جملة من الأفكار الصحيحة ، والأفكار المقبولة إجمالاً ، تجعل أذهان الناس تستسلم وتطمئن لسلامة قصد عارضها أو مقدمها ، لا سيما حينما يزينها بزخرف من القول ، وينضدها تنضيداً ذكياً ، ويرتبها ترتيباً منطقياً .
ثمّ تأتي الأفكار المندسة محاطة من سوابقها ولواحقها بما يسترها ، إذ للصحيح وللمقبول من الأفكار ظلال تسمح بمرور الباطل المندس بينها ، دون أن نثير الانتباه ، ودون أن تكشف الأذهان بطلانه .
وهكذا يُغشّي المبطلون بالدس الماكر وبزخرفٍ من القول زيوفهم الفكرية ، فتعبُر أفكارهم المزيفة ضمن ما يعبر إلى أذهان الناس من أفكار أخرى .
ولولا ذلك لاكتشف الناس الباطل بسرعة ، ولرفضوه ، فالجماهير من الناس ترفض بمنطقها التلقائي ما تراه باطلاً ، أو تعتقد بطلانه .
وواجب المسلم الحصيف أن يستجمع كل وعيه ، ويفحص كل كبيرة وصغيرة من أفكار الناس وآرائهم ومقولاتهم ومذاهبهم ، فإذا لم يكن أهلاً لذلك فعليه أن يسأل أهل العلم والمعرفة والخبرة والتخصص ، من أئمة المسلمين الذين يخشون الله واليوم الآخر ، وعرفوا بتقواهم وصفاء أفكارهم ، وقدرتهم على النقد والفحص وتمييز الحق من الباطل ، وكشف زيوف الأفكار والمذاهب .
فالشياطين كثيرون ، ومكرهم عظيم ، وحيلهم قد تخدع أئمة أولي الألباب .
ويجدر التنبيه على أن الباطل في مجموع البناء الفكري لمذاهب المضلين قد يكون بمثابة الأساس الخفي عن الأنظار ، والذي يكون كَشَفا جُرُفٍ هارٍ . وقد يكون بمثابة قضبان من الورق المقوى ، مدهونة بلون الحديد ، توضع بدل قضبان الحديد في سقف من الاسمنت المسلح . وقد يكون الباطل بمثابة قطرات قاتلات من السم الزعاف ، مدسوسة في كأس شراب من الماء والعسل .
وحيلة التلبيس هذه من حيل اليهود وأساليبهم في المكر والتضليل ، ولذلك خاطبهم الله عزّ وجلّ بقوله في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول):
{وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
ثمّ خاطبهم أيضاً بقوله عزّ وجلّ في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول):
{ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
ويجدر التنبيه أيضاً على أن مقاومة الباطل لا تكون بادعاء بطلان كل أجزاء المذهب الذي يضعه المبطلون ، أو بطلان كل الأفكار التي يعرضها المبطلون أو يروجونها ، ليستغلوها في تحقيق أغراضهم .
إنما تكون مقاومة الباطل بكشف عناصر الباطل الموجودة في المذهب ، أو في الآراء المعروضة ، وببيان بطلانها .
وحين لا يتيسر للباحث كشف العناصر الباطلة ، فينبغي أن لا يزيد على بيان أن المذهب أو جملة الآراء المعروضة لا يجوز الأخذ بها في مجموعها الكلي ، بسبب الباطل المندس فيها ، والمفسد لها . نظير حكمنا على كأس شراب العسل المسموم بأنه يجب الامتناع عن تناول أي مقدار منه ، لأنه قاتل .
لكننا حينما نستطيع التمييز والفصل بين الحق والباطل ، في عناصر المذهب أو جملة الآراء والأفكار المعروضة في نظام فكري يغري بالقبول ، فإن اللجوء إلى هذا التمييز والفصل هو الأحق بأن يكون منهجنا ، وهو المنهج الذي يتبعه رواد الحق وعشاقه ، والباحثون عنه والداعون إليه .
وعلى الباحث وفق هذا المنهج أن يفصل أي موضوع ذي عناصر إلى عناصره ووحداته الجزئية ، ثمّ يبحث في كل عنصر منها وفق أصول البحث العلمي ، ثمّ يبني حكمه بالاستناد إلى ما وصل إليه بحثه في ذلك العنصر ، وهكذا حتى يستوفي كل العناصر ، ولا تغرَّنه كثرة عناصر الصواب ، إذْ يكفي عنصر فاسد واحد لإفساد نظرية الموضوع كله .
بيد أن هذا المنهج هو من وظائف المتفوقين من أهل البحث والنظر العلمي ، أما الجماهير التي تأخذ المذهب اتباعاً تقليدياً ، فهي لا تستطيع التمييز ولا الفصل ، لذلك فمن واجبها الاجتناب الكلي ، خشية أن تتأثر بالباطل من حيث لا تشعر .
والسطحيون الذين يندفعون مع بادئ الرأي ، أو بادي الرأي ، دون تريث ولا تفكير عميق دقيق ، وينخدعون بالأصباغ والألوان الظاهرة ، وزخرف القول ، دون فحص لما يعرض عليهم الشياطين فحصاً جزئياً مجهرياً ، يسقطون في مكيدة الزيف ، ويسلمون أعنتهم لجزاريهم .
هؤلاء السطحيون المغفلون ، يندفعون كالقطعان إلى حتوفهم وحتوف أمتهم ، وطعم قطع الحلوى التي تقدم لهم وهم يتسابقون في الطريق ، يشغل ساحة التفكير بتأثير من شهواتهم الحاضرة ، فلا يفكرون فيما هم إليه صائرون ، وما هم إليه سائرون .
ويتسابقون وهم يتضاحكون ، ومئات القتلى منهم يتساقطون على أيدي سائقيهم إلى مذابحهم ، وبسذاجة تامة ، وغباء مطبق ، يفسرون تساقط المتساقطين منهم بكل تفسير ، إلا التفسير الحقيقي الذي يكشف أنهم منخدعون بقادتهم ، وبأئمة الضلال الذين يدفعون بهم في الطريق التي هم فيها يتراكضون ، وإلى هلاكهم يتسابقون .
وقد يرون أئمتهم يجلدونهم ، ويذبحون رفاقهم ، أو يسلطونهم على قتل رفاق طريقهم ، فيعتذرون عنهم بأنهم مخدوعون من قبل أعداء المذهب ، وهم في الحقيقة قادة مخلصون ، ورفاق أوفياء ، وهم يعملون للمبادئ المتفق عليها بصدق وتضحية .
ما أشد غباء ضحايا الزيف ، ترى من زعم لهم أنه الرفيق المخلص ، يجلدها ، ويشحذ سكينه ليذبحها ، ثمّ تظل غافلة عن مكيدته ، وتصطنع له المعاذير من عند أنفسها ، أو يوحي لها بهذه المعاذير الشياطين من أجراء أئمة الضلال .
تعليق