

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في خضم الحياة التي نعيشها, المليئة بالتناقضات والسلبيات ..نحتاج بين الفينة والأخرى إلى بريق نور يضيء لنا الطريق.. نتلمس من خلاله معالم الطريق الصحيح, ونتيقن بأننا عليه نسير..فلا نتردد ولا نزيغ..
نحتاج إلى أكفٍ تشدُّ على أيدينا وتدفعنا لكي نحث الخطى في درب النجاة معاً..
نحتاج إلى أكفٍ تشدُّ على أيدينا وتدفعنا لكي نحث الخطى في درب النجاة معاً..
ليكن هذا الموضوع
رسالة حبٍ
لكل من فقد الأمل في هذه الأمة, وأثقلته همومها حتى ظنَّ أن الخلاص بعيد المنال؛ نقول له كما قال الأستاذ حسن البنا مخاطباً شباب الدعوة:
أيها الإخوان....
لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين, وحقائقُ اليوم أحلامُ الأمس, وأحلامُ اليوم حقائقُ الغد, ولا زال في الوقت متسع, ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة, رغم طغيان مظاهر الفساد...


أيها الإخوان....
لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين, وحقائقُ اليوم أحلامُ الأمس, وأحلامُ اليوم حقائقُ الغد, ولا زال في الوقت متسع, ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة, رغم طغيان مظاهر الفساد...
وهو رسالةٌ أيضاً لكل من تمسّك ببذور الخير ينثرها أينما حلّ أو ارتحل؛ نقول له:
نحن معك..
نسير على الدرب معاً, وتأكد أن من زرع حصد ومن سار على الدرب وصل..
نحن معك..

نسير على الدرب معاً, وتأكد أن من زرع حصد ومن سار على الدرب وصل..
من المؤكد أنّ كلاً منا مر ببعض الشخصيات الذين خلّفوا وراءهم أثراً عميقاً في القلوب قبل العقول..أشخاصٌ لا تملك حين ترى مواقفهم سوى أن تقول: "الحمد لله..لا زالت الدنيا بخير"

سأذكر لكم بعض القصص والمواقف التي حُفرت في ذاكرتي..بعضها عايشتها بنفسي والبعض الآخر نقلته لكم من أفواه أصحابها:


تاجرٌ معروف ذو صيتٍ حسنٍ وسمعةٍ طيبة..يحظى بالاهتمام والاحترام والتوقير أينما ذهب..تضطره معاملاته التجارية للتعامل مع البنوك الربوية ولكنه يحرص كل الحرص على أن تكون معاملاته في إطار المشروع..
يستقبله موظفو البنك بالحفاوة والترحيب ويعرضون عليه الضيافة..ولكنه يرفض أن يأكل أو أن يشرب شيئا..موضحاً سبب ذلك بكل صراحة..مما يزيد من هيبته واحترام الموظفين له ويتسابقون لخدمته وتسهيل معاملته!


قابلتها عندما كنت في رحلة الحج ..أثناء سفرنا من المدينة إلى مكة تحديداً لتأدية مناسك الحج..
كانت حريصة على استغلال كل دقيقة بالتسبيح والذِكر والتلبية..وكانت حريصة على ألا يفوت هذا الأجر أحداً من النساء المرافقات لها..فكانت تدور عليهم واحدةً واحدةً تشد من عزمهن وتذكرهن بالثواب..ابتسامتها المشرقة تسبق كلماتها الحانية..
استغرقت الرحلة ما يقارب الثماني ساعات..وفي منتصف الطريق تسلل النعاس إلى أجفان النساء وبدأت أصواتهن تخبو..فما كان من أختنا إلا أن طلبت مني أن أساعدها في إزالة النوى من مجموعة من التمر كان معها ..وقامت بحشو كل تمرة بحبةٍ من المكسرات..وقامت تحمل كيس التمر..ومرت على كل حاجّة وأطعمتها بيدها حبة تمر لكي تبعث النشاط فيها لمعاودة الذكر والتلبية.. حتى أنا لم تنساني وأصرت أن تطعمني بيدها.. راغبةً في الأجر والثواب من الكريم المنان..فيا لها من امرأة!! أسأل الله أن يجزيها عنا خير الجزاء وأن يرزقها ما تتمنى..قولوا آمين..


من أكثر المواقف تأثيرا في حياتي هي تلك التي مررت بها أثناء حجي العام الماضي..أذكر واحداً منها تعلمت منه أشياء كثيرة وأدركت أنّ الدنيا لا زالت بخير وأن هناك من يفعل الخير لأجل الله دون مقابلٍ يُرجى..
عندما كنت في الحج مع أمي وأبي ذهبنا إلى جدة للزيارة وللتسوق في أسواقها المشهورة.. وصلنا جدة مع أذان العصر نزلنا في فندق ..صلينا ونمنا إلى المغرب..ثمّ نزلنا إلى السوق وتسوقنا في المحلات القريبة من الفندق وبعد ذلك قررنا أن نذهب إلى أحد المجمعات (كانت خالتي قد زارته سابقا فأوصت به أمامنا) وبالفعل رجعنا إلى الفندق وضعنا أغراضنا ونزلنا لنأخذ سيارة إلى ذلك المجمع..دام انتظارنا تقريبا ثلث الساعة دون أن نجد سيارة تقّلنا أو يطلب السائق مبلغ كبير يرفض أبي دفعه..
ونحن واقفون مرت سيارة خاصة من أمامنا ما لبث السائق أن أوقفها أمامنا..تكلم معه أبي وسأله إذا كان مستعد أن يوصلنا إلى المكان المطلوب فوافق بدون أن يأخذ أجرة..
ونحن واقفون مرت سيارة خاصة من أمامنا ما لبث السائق أن أوقفها أمامنا..تكلم معه أبي وسأله إذا كان مستعد أن يوصلنا إلى المكان المطلوب فوافق بدون أن يأخذ أجرة..
وصلنا إلى المجمع واكتشفنا أنه يبعد مسافة كبيرة جدا عن الفندق..المهم وصلنا المجمع وحاول أبي أن يدفع له شيئا ولكنه رفض وبشدة..بعدها أبدى استعداده أن ينتظرنا إلى حين أن ننتهي من تسوقنا طبعا نحن رفضنا بالبداية ولكنه أصر على ذلك فوافقنا..وبالفعل بعد أن انتهينا من التسوق وجدناه ينتظرنا في الخارج..ركبنا بالسيارة وأبي يشكره ويثني عليه..الآن نحن وجهتنا إلى الفندق وكانت الساعة تقريبا 11 ليلا..سأل أبي هل لكم حاجة أخرى في جدة قال له أبي :لا..فقال لأبي أنه كان أصلا متوجها إلى مكة عندما قرر أن يقلنا في البداية حيث أنه وجدنا في هيئة الحجاج فقال لنفسه أوصلهم بطريقي إلى مكة..تخيلوا أخرناه عن ذهابه إلى مكة كل هذه المدة..وفي النهاية عرض علينا أن يوصلنا في طريقه..(إحنا طبعا ما صدقنا لكن رفضنا وهو أصر فقبلنا )..صعدنا إلى الغرفة لنحضر أغراضنا..وعندما نزلنا وجدناه أحضر ثلاث كاسات (شاي بالزنجبيل) بسبب أني أنا وماما كنا نعاني من احتقان وكنا نسعل طوال الوقت..
وقبل أن نتوجه إلى مكة أخذنا إلى الكورنيش وإلى معالم كثيرة في جدة وأخذ يشرح لنا هذا ميدان كذا وهذا دوار كذا وهذا السوق الفلاني وهذه الشركة الفلانية..يعني سياحة سريعة مجانية
..

وبعد ذلك توجهنا إلى مكة وخلال الطريق إلى الفندق أرشد أبي إلى محلات جيدة لبيع الفاكهة وأرشده أيضا إلى مطعم يقدم مأكولات عربية طيبة..وأخيرا وصلنا إلى الفندق وعبارات شكرنا له تعجز أن توفيه حقه وبالطبع تبادل هو وأبي أرقام التليفون لكي يبقوا على تواصل..لأن الإنسان قلما يجد شخص مثل هذا بارك الله فيه وجزاه الله عنا كل خير..


الاستشهادي الفلسطيني مسلمة الأعرج –تقبله الله شهيدا وأسكنه في عليين-..تتحدث أمه عن برّه بها وتقول أنها عندما كانت توقظه لصلاة الفجر كان يبتسم في وجهها ويقول: لا إله إلا الله..اتركيني أنام قليلا يا أمي..فتعود وتوقظه فيعيد على مسامعها ما قال سابقا وهكذا حتى يستيقظ..فسبحان الله..من اعتاد على ذِكر الله في يقظته لا يصدر عنه الكلام البذيء حتى في نومه..
وتذكر أيضاً من برِّه بها كان لا يقبل أن يجلس في الطابق العلوي من المنزل أو على السطح وهي في الطابق السفلي..وفي إحدى المرات استقبل أصحابه في الطابق العلوى فاستغربوا وعندما سألوه عرفوا أن أمه ليست في المنزل..


ربما أصبح نادرا ما نرى أن يقوم الشاب لكي يُجلس الشيخ العجوز في الباص أو أن تقوم الشابة لكي تُجلس الأم وطفلتها الرضيعة..ولكنه يحدث حقيقةً..ولا زالت الدنيا بخير..
كان باص الجامعة ممتلئاً عن آخره والطالبات الواقفات بعدد الجالسات تقريبا..كانت إحدى الطالبات تقف حاملةً طفلتها الباكية..وأخذت أيدي الجالسات تتلقف الطفلة كوسيلة للتخفيف عن الأم الواقفة ولكن هذا الحل لم يُجدي لأن صراخ الطفلة كان يزداد كلما بعدت عن أمها..فما كان من إحدى الطالبات إلا أنها وقفت وأجلست الأم وطفلتها..فانهالت عليها الأم بالشكر والثناء..


إحدى الأخوات قامت بشراء مجوعة من الأشياء وعند الدفع أخطأ البائع في المبلغ المطلوب دفعه..دفعت ما طلبه وخرجت وبعدما بعدت عن المحل انتبهت أن البائع قد أخطأ في الحساب وكان من الصعب أن تعود في هذا الوقت..ولكنها صممت أن تعيد المبلغ حتى لو لم ينتبه البائع لذلك..وبالفعل ..بعد شهر تعود لتشتري من نفس المحل وبعد أن حسب البائع المبلغ المطلوب أضافت فوقه المبلغ المتبقي من المرة الماضية وسط دهشة البائع!!


قصدتني إحدى الأخوات لكي أراجع لها مشكلتها في الجامعة..فذهبت إلى أستاذ المادة التي تدور حولها المشكلة.. دخلت مكتبه بعدما استأذنت فوجدت رجلا ملتحياً قد انتهى لتوه من صلاته..فسألته بخصوص المشكلة التي قَدِمت من أجلها..فأخبرني أن حلها ليس بيده وأشار لي على مكتب الموظف المسئول..ثم ما لبث أن قام من مكانه قائلا: رغم أنه ليس من اختصاصي ولكنني سأسعى لكِ في حلها..وذهب إلى مكتب ذلك الموظف فلم يجده في المكتب فبحث عنه وأحضره من يده وطلب منه أن يرى المشكلة فأخبرني الموظف أن على الطالبة أن تأتي بنفسها وأن عليها تقديم بعض الأوراق "الشَكلية" لكي تتيسر معاملتها..فخرجت من المكتب بعد أن شكرت الأستاذ الفاضل..
ولكن بعد قليل تفاجئت أن الأستاذ قد لحق بي وأخبرني أنه ضغط على الموظف وجعله ييسر المعاملة والمشكلة الآن قد حُلت..بصراحة عَجِز لساني وقتها عن شكره فهو بذلك قد أزال هماً كبيراً عن تلك الطالبة لأنها طالبة خريجة وإن لم تنحل المشكلة كانت ستضطر أن تتأخر فصلا آخر وظروفها لا تسمح بذلك أبدا..
عدت لكي أخبرها بالنتيجة وأنا غير مصدقة وعندي شك كبير بأنه ربما يعرفها أو يقرب لها..ولكنها أكدت لي عكس ذلك..بل لا يعرفها بتاتاً لأنها لم تكن تحضر المحاضرات بسبب ظروفها..
فسبحان الله فعلها لله..وماذا خَسِر؟! بضع خطوات سارها بين مكتبه ومكتب ذلك الموظف ..
وماذا كسب بالمقابل؟ كسب عدداً هائلاً من الدعوات مني ومن الطالبة..والأجر الذي وعد الله به من يسعى في حاجة أخيه المسلم ويفرّج عنه كربة من كربات الدنيا. وكسب أن أحيا بي الأمل بأن "الدنيا لا زالت بخير" وأن هناك من يفعل الخير لوجه الله تعالى ولا ينتظر من الناس جزاءً ولا شكوراً..

والآن جاء دوركم لكي تحكوا لنا مواقفَ مررتم بها أو سمعتم عنها..
لعلّها تجدد أملاً قد خبا..وعزماً قد فتر..
عزمٌ على التغيير والإصلاح, وأملٌ بصباحٍ مشرق يطل على حضارةٍ بهية
ستبنيها تلك الأيادي البيضاء التي تعطي بلا حدود..
نعم, حضارة..ألم يقل الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ::: فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وكما يقول الشيخ عباس السيسي: (إن الإنسان الذي يقوم بهذه الواجبات, إنما يغرس محبته في قلوب الناس ويحفر مبادئ الإسلام في المجتمع..وهذا هو شأن الداعية) وهذا هو ما تتعطش إليه النفوس..

وختاماً..أوجه كلمتي إلى كل ناقدٍ ساخطٍ على الأمة..
نعم,, إنّ إنكار الباطل من بشائر إزالته ومن دلائل السلامة..ولكن!!
أن يكون هذا ديدننا وحالنا صباحَ مساء..النقد والسخط على كل الناس بسبب أفعال البعض بدون تحريك أي ساكن أو محاولة لتصحيح الوضع..حتى وصل الأمر أن يبادر أحدهم فور رؤيته لأي موقف سلبي أن يقول: "ألسنا عرب!"!! وأن يكتب آخر مقال بعنوان "ابتسم فأنت في بلد عربي!" لا يذكر فيه سوى سلبيات الدول العربية والتي لا يقتصر وجودها عند العرب وحدهم!.. لذا لا بد من وقفة..!!
علينا أن نعطي الأمور حقها دون مبالغة أو نقصان..
وأن ننتبه إلى أن كثرة الحديث عن المخالفات والسلبيات التي تحدث في المجتمع (دون طرح حلول لها..يعني كلام من أجل الكلام فقط)..فإن هذا يشجع بعض ضعاف النفوس لكي يرتكبوا تلك المخالفات والسلبيات من باب أن الأمر لم يقتصر عليه وحده..فهو مع الركب أينما سار!!
وأيضا يجب ألا نكون أعواناً للشيطان على بني جلدتنا..ننكرهم ونتذمر منهم ونتجنبهم دون تقديم النصح والمساعدة لهم..
وكما نعلم فإنّ الخير والشر متلازمان إلى يوم الدين..وقد يغلب الشرُ على الخير ويعلو صوته ولكن سنة الله في أرضه أن الغلبة لأهل الخير بعودتهم إلى ربهم وبقوة إيمانهم وبتمسكهم بأخلاق نبيهم..
فلنبدأ التغيير من أنفسنا قبل إلقاء اللوم على الآخرين..ثم ننتقل إلى من حولنا ..
عندها فقط سيكون للنقد معنى وجدوى..
ولنتذكر أنّ (..اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )

هي دعوةٌ للتفاؤل أتمنى أن تكون قد وصلت إلى قلوبكم المؤمنة كما أردت..
وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى..
وأسأله تعالى أن يعفو عنا وأن يصلح أحوالنا وأن يحسّن أخلاقنا..
دمتم في حفظ الله ورعايته..


تعليق