بســم اللـــه الـرحمن الـرحيم
لاحظت وأنا أتصفح ما جادت به قرائح إخواني المنتسبين ، أن بعضهم لا يعيراهتماما في تدخلاته للطابع الجمالي للغة ، وهذا عن قصد أو غير قصد ، عن قصد خوفا من الوقوع في الأخطاء ، وعن غير قصد قد يكون لضعف طبيعي فيها .
ومهما يكن ، تبقى اللغة هي اللغة ،وهي دائما كما عبر عنها مصطفى صادق الرافعي ( ... اللغة صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها ، وجودا متميزا قائما بخصائصه : فهي قومية الفكر ، تتحد بها الأمة في صور وأساليب أخذ المعنى من المادة ، والدقة في تركيب اللغة دليل على دقة الملكات في أهلها ، وعمقها هو عمق الروح ودليل الحس على ميل الأمة إلى التفكير والبحث في الأسباب والعلل . وكثرة مشتقاتها برهان على نزعة الحرية وطماحها ....
وإذا كانت اللغة بهذه المنزلة . وكانت أمتها حريصة عليها ، ناهضة بها ، متسعة فيها ، مكبرة شأنها ، فما يأتي ذلك إلا من روح التسلط في شعبها والمطابقة بين طبيعته وعمل طبيعته ، وكونه سيد أمره ، ومستعمل قوته والآخذ بحقه . فأما إذا كان منه التراخي والإهمال وترك اللغة الطبيعية السوقية وإصغار أمرها وتهوين خطرها ، وإيثار غيرها بالحب والإكبار ، فهذا شعب خادم لا مخدوم ، تابع لا متبوع ، ضعيف من تكاليف السيادة ، لا يطيق أن يحمل عظمة ميراثه ، مجتزئ ببعض حقه ، مكتف بضرورات العيش ، يوضع لحكمه القانون الذي أكثره الحرمان وأقله الفائدة التي هي كالحرمان ...)
وكم يعجبني ويثلج صدري كثيرا أن أجد متحدثا بليغ القول ،عذب الأسلوب ، وإن كان بعيدا عن التخصصات اللغوية ، وعن أهلها ، ولنا أبلغ الدروس والعبر في البعثات الديبلوماسية الأجنبية إلى الوطن العربي كيف أنها تتكلم وكأننا نحن الغرباء ، وهم أهل الديار ، أمر يثير الدهشة والعجب ، يفقده الكثير من أبنائها ، فلماذا نحن نتنكر للغتنا وكنوز لغتنا ، في حين يهتم بها غيرنا ؟ وأيهما أولى بذلك ؟ هم إذا فعلوا ذلك من باب من تعلم لغة قوم أمن شرهم ، أما نحن في تنكرنا لها بصراحة ... لا أستطيع أن أقول الجواب وإن كان واضحا بينا .
لا يظن إخواني أن هذا الكلام هو من باب التجريح والتشهير وتثبيط العزائم ، معاذ الله ما أردت وقصدت إلى ذلك سبيلا ، وإنما حز في نفسي كثيرا كما يحز في نفوس الكثيرين من أبناء هذه الأمة الغيورين عليها وعلى لغتها لغة القرآن ، ونحن أمة بلاغة وفصاحة ، فإن لم نرشد ونوجه بعضنا فمن يرشدنا ويوجهنا ؟ أننتظر ذلك من عدونا ؟ كلا وألف كلا ،فإنه يريدنا أن نزداد بعدا بعد المشرقين عن لغتنا وأصالتنا، لأن ذلك هو مربط الفرس ، يخدمه ويخدم مصالحه، به يستطيع ركوبنا ،ويفرض علينا لغته وقيمه، ونتقبل هذا الركوب على أنه حضارة وتطور و هذا ما يدمي القلب ، وحالنا كمن استبدل الرمضاء بالنار.
لهذه الأسباب أطرح هذا الرأي للمناقشة والإثراء وتبادل الآراء في جو من النقاش الفكري البناء المثمر الذي تسوده الرزانة والسكينة ، يعلي الهمم ويطور الفكر ويدل دلالة صادقة وقاطعة على أننا أمة حوار ولنا ثقافة الحوار .

تعليق