عرفوهم قيمتهم
د.عبدالرحمن أقرع
المدير العام لشبكة الزهراوي الطبية
----------------------
د.عبدالرحمن أقرع
المدير العام لشبكة الزهراوي الطبية
----------------------
(ما هذا الجيل)
عبارة يتكرر سماعي لها كل يومٍ تقريباً حتى مللتها ، بيدَ أني لم أحتمل السكوت أكثر بالأمس أثناء توجهي إلى عملي في الجامعة في أول يومٍ من أيام الفصل الدراسي حين كررها على مسامعي سائق سيارة الأجرة الذي أقلني في سويعات الصباح ، فلم يكن مني إلا أن بادرته بالسؤال:
-ومن أين جاء هذا الجيل؟ هل هبط من المريخ مثلاً؟
لم يُخفِ السائق نظرة استغرابٍ من سؤالي ، فبادر سائلا بدوره:
-ماذا تقصد؟
فأجبت :
- هذا الجيل يا عزيزي امتداد لجيلنا ، وهو ثمرة تربيتنا إن أحسن فقد أحسنا ، وإن أساء فهذا مؤشر على إساءتنا. إن نجح فقد قلدنا وسام النجاح ، وإن فشل فلنطأطئ رؤوسنا خجلا لفشلنا.
لا أنكر أن معظم تجاربي التربوية الطامحة بدت وتبدو لي قبل غيري مجرد أحلامٍ وردية تنبت على استحياءٍ في تربة الشباب المتقد همةً وحماساً سرعان ما تذبل لقلة غيث أو لهبوب ريحٍ أو لحرقٍ بشعاعٍ شمسيٍ في يومٍ قائظ ، بيدَ أنني لم أحمل الجيل الشاب يوماً مسؤولية ذلك ، ولم أقر أمام نفسي على الأقل بعدم أهليته كمادةٍ خام يمكن تشكيلها كما نبغي أن تتشكل الأفراد المبدعة القابلة أن تكون لبنات متينة في بنيان مجتمعٍ معطاءٍ راقٍ ومنتج.
المشكلة في الجيل تكمن في عدم إدراكِ أبنائه لقيمة كل منهم في معادلة البناء بكافة أشكاله وصوره.
قمت لمراتٍ ومرات بسؤال العديد من طلبة الجامعات ، ومن مختلف الكليات سؤالا واحداً:
-لماذا تدرس ؟
فكان الجواب يتوزع بين رغبة في الحصول على وسيلة للعيش عبر الشهادة الجامعية ، أو افتتاح أفقٍ نحو عالمٍ آخر بعيداً عن الهم والغم اليوميين ، أو مجرد كسب رضا الوالدين عبر إطاعتهما والعمل على تحقيق حلمهما في ابن مهندس أو ابنة طبيبة...الخ، ولم يجب إلا البعض الذين لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة أنه يتلقى العلم رغبةً في بناء وطنٍ أو رفعة أمة.
بين البحث عن جذور السبب ، والتخطيط لثمار التغيير تعقد ندوات ومؤتمرات وورشات عمل أحرص على حضورها حينا وأكتفي بقراءة توصياتها أحياناً ، وفي كلتا الحالتين يغيب التشخيص الحقيقي عن المسرح: إدراك القيمة الذاتية ، وخلق القدوة.
لا لشيءٍ إلا أننا لا نمنح الجيل ما نفتقد اليه من هذين العاملين..ففاقد الشيء لا يعطيه قط، وليعذرني من أحلامهم أكبر من أحلامي ، ومن قدرتهم على الحلم أكبر من قدرتي ، وهم في زحمة المربين كالصادقين في زحمة الناس.
تعليق