بسم الله الرحمن الرحيم
رساله الى الأبناء المقصرين
في حقوق الوالدين.....
ما من يومٍ إلا وتطالعنا الصحف بجرائم يهتزُّ لها الوجدان، ويرفض العقل تصديق أنها جرائم يرتكبها فلذات الأكباد في حق آبائهم وأمهاتهم، وتخلوا عن أسمى المشاعر وأنبل الأحاسيس، والمثير للانتباه حقًّا هو أن تزداد هذه الظاهرة وتنمو بصورةٍ تستدعي التعرف على أسبابها ومحاولة علاجها:
ثريا نقلت ملكية شقتها التي لا تملك غيرها إلى ابنتها الوحيدة وتزوجت ابنتها ووقعت الخلافات بينها وبين زوجها الذي رفض وجود الأم، فما كان من ابنتها إلا أن طلبت من أمها أن تُغادر شقتها لتصبح بلا مأوى!!
وهذا ولدٌ قتل أبويه.. وآخر زوَّج أمه المسنة كارهةً ليستقل بمسكنها.. وثالث أوثق والده ليقتله إخوته.. ورابعة- والعجيب أنها فتاة- استغلت محبة والدها القعيد وسحبت جميع مدخراته التي سجَّلها باسمها وتزوجت وهربت من البلاد وتركته بلا عائل، وابن يضرب أمه ضربًا مبرحًا لرفضها تزويجه لأنه متعثرٌ في الدراسة ولا يعمل.
وفي دور المسنين نجد أيضًا أمومةً وأبوةً معذبةً ممتهنةً ألقوا بها في دورِ الرعاية، تناقش علنًا قضاياها على صفحات الجرائد فظهرت الأصوات التي تنادي بالتخلص من هؤلاء بدعوى الشفقة، وابتكروا لهم وسائل الإبادة الناعمة باعتبارهم قوةً معطلةً لا حاجةَ إليها، ومنهم من كان أكثر موضوعيةً إذ قدموا لآبائهم في إحدى دور المسنين، هدية عيد الميلاد، فأحرقوا الدار على مَن فيها.
رساله الى الأبناء المقصرين
في حقوق الوالدين.....
ما من يومٍ إلا وتطالعنا الصحف بجرائم يهتزُّ لها الوجدان، ويرفض العقل تصديق أنها جرائم يرتكبها فلذات الأكباد في حق آبائهم وأمهاتهم، وتخلوا عن أسمى المشاعر وأنبل الأحاسيس، والمثير للانتباه حقًّا هو أن تزداد هذه الظاهرة وتنمو بصورةٍ تستدعي التعرف على أسبابها ومحاولة علاجها:
ثريا نقلت ملكية شقتها التي لا تملك غيرها إلى ابنتها الوحيدة وتزوجت ابنتها ووقعت الخلافات بينها وبين زوجها الذي رفض وجود الأم، فما كان من ابنتها إلا أن طلبت من أمها أن تُغادر شقتها لتصبح بلا مأوى!!
وهذا ولدٌ قتل أبويه.. وآخر زوَّج أمه المسنة كارهةً ليستقل بمسكنها.. وثالث أوثق والده ليقتله إخوته.. ورابعة- والعجيب أنها فتاة- استغلت محبة والدها القعيد وسحبت جميع مدخراته التي سجَّلها باسمها وتزوجت وهربت من البلاد وتركته بلا عائل، وابن يضرب أمه ضربًا مبرحًا لرفضها تزويجه لأنه متعثرٌ في الدراسة ولا يعمل.
وفي دور المسنين نجد أيضًا أمومةً وأبوةً معذبةً ممتهنةً ألقوا بها في دورِ الرعاية، تناقش علنًا قضاياها على صفحات الجرائد فظهرت الأصوات التي تنادي بالتخلص من هؤلاء بدعوى الشفقة، وابتكروا لهم وسائل الإبادة الناعمة باعتبارهم قوةً معطلةً لا حاجةَ إليها، ومنهم من كان أكثر موضوعيةً إذ قدموا لآبائهم في إحدى دور المسنين، هدية عيد الميلاد، فأحرقوا الدار على مَن فيها.
إن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء: من الآية 23)، صدق الله العظيم، ووضع الحكيم العليم أهلة النور العلوية على أرضٍ دحاها بقدرته كإشارةٍ لبدء التكليف بالخلافة، وذلك من خلال إيمان بوحدانية، شهدت به فطرة سوية لكي تعمر الدنيا بالسكينة والاطمئنان، وعقيدة تصنع حضارة، وعبادة تربي جيلاً صالحًا، ثم جعل الأبوة وعاء القدرة ونقطة البدء، وجعل منها البنوة، ليحفظ بها سر الديمومة... بنوة هي بعض الأبوة.
ويصور القرآن الكريم الأبوة والبنوة، فترى الأبوة اللاهفة دومًا والبنوة العاقة منها والبارة، ففي قصة نوح- عليه السلام- يقول تعالى على لسانه: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ (هود: من الآية 42)، وعندما كاد ولده يشرف على الهلاك قال تعالى على لسانه أيضًا: ﴿... فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)﴾ (هود)، فبرغم العقوق الذي طمس بصيرة الولد فأرداه في لجة الموج، فقد وقف الأب ملتاعًا محزونًا لم تنسه الأحداث حسرته على ولده وتمنيه النجاة له.. إنها لوعة الأبوة اللاهفة.
وفي قصة موسى يصف القرآن الكريم في أبلغ تعبير وأجل حال أم موسى بعد أن ألقته في لجة اليم المظلم فيقول تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (10)﴾ (القصص).
وإن يكن هذا هو حال الأبوة دائمًا فإن البنوة كذلك في الأصل تكون رحيمة؛ إذ يصور القرآن الكريم ذلك فيقول مادحًا يحيى- عليه السلام-: ﴿يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًَا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14)﴾ (مريم)، ويقول تعالى على لسان عيسى ابن مريم- عليه السلام-: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)﴾ (مريم).
وعلى الرغم من فطرة المحبة وقدسية العلاقة التي باركتها سائر الأديان السماوية، والوضعية والأعراف والقوانين، إلا أننا نلمح بين الفينة والفينة شذوذًا عن الجبلة، وانقلابًا على الفطرة، والعجيب أن هؤلاء الشذاذ ليسوا إلا آباء وأبناء تجمعهم الأبوة وتصلهم البنوة.
ومن خلال تتبعي هذه الظواهر الموجعة- وجدتُ أن غياب الإيمان وما يعززه من تراحم وعاطفة ومحبة وخير، وأيضًا الفهم الخاطئ للدين وتعاليمه، ثم أخذنا بالأساليب التربوية والاجتماعية المستوردة الدخيلة على مورثاتنا العقدية والثقافية، وراء هذه الانتكاسة.....
م ن ق و ل
تعليق