نقاط الاختلاف بين الجيلين

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • قائدة الأمة الإسلامية
    النجم الفضي
    • Jul 2007
    • 1933

    نقاط الاختلاف بين الجيلين

    لأجل أن نصل إلى تفاهم مشترك وجو أسريّ صحِّي يسوده الاحترام والمحبّة والتعاون ، لا بدّ لنا أيضاً كآباء وكأبناء أن نتعرّف على مظاهر الاختلاف بين الجيلين، لكي يفهم كلّ جيل طبيعة الجيل الآخر، لا أن ينتقده أو ينتقص من قدره أو يهزأ ويسـخر منه ، وإنّما ليُدرِك الفوارق الطبيعية لكلِّ مرحلة من مراحل العمر، فلايعدّ شيئاً منها منقصة .
    وقد ذكر بعض الباحثين العديد من الفوارق ، ومنها :
    ـ الشبّان يطمحون إلى الجديد ، فيما الكبار يرفضون الجديد ويألفون القديم .
    ـ الشبّان يعيشون الروح الثورية المغامرة من جرأة وتهوّر واندفاع ، فيما تسيطر على الكبار الالفة للعادات والتقاليد ، أي أ نّهم محافظون محتاطون .
    ـ الشبّان ـ في الغالِب ـ خياليون نظريّون ، والكبار ـ في العادة ـ نظاميون وعمليون بدرجة أكبر .
    ـ الشبّان ـ في الأعم الأغلب ـ متفائلون ، والكبار ـ بشكل عام ـ يعتقدون بالجدّ والسّعي .
    ـ الشبّان متسرِّعون ، والكبار يتريّثون .
    ـ الشبّان يستغرقون في المستقبل ، والكبار يستغرقون في الماضي .
    ـ تجارب الشبّان ـ عادة ـ قليلة ، وتجارب الكبار ـ في العادة ـ كثيرة .
    ـ الشبّان يسعون إلى أن تنسجم البيئةُ معهم ، والكبار ينسجمون مع البيئة .
    ولكن هذه الفـوارق ليست نهائيـة ، ولا هي خاصّة بجيل دون جيل ، فقد تجد شبّاناً متريِّثين ، وقد تجد كباراً متسرِّعين ، وقد تجد كباراً طموحين وشبّاناً لا يعيشون التطلّع والطموح ، فالأمر يرجع إلى تربية كلّ شخص وخلفيّته الثقافية وتجاربه التي عاشها . فهي فوارق يُنظَر إليها في الاطار العام وليس على المستوى الفردي لكل شخص .
    والأمر المهم في معرفة هذه الفوارق أو الاختلافات الطبيعية أ نّها تخفِّف من حملات الهجوم التي يشنّها كلّ جيل ضدّ الجيل الآخر ، فكما أنّ على الأب الكبير أن يُقدِّر احترام الشبّان للجديد ، فعلى هؤلاء أيضاً أن يُقدِّروا احترام الكبار للقديم ، ذلك أنّ طبيعة الأشياء تفرض أنْ ليس هناك مطلقٌ في أفضليّة الجديد على القديم ، ولا القديم على الجديد ، فلكلٍّ إيجابياته ولكلٍّ سلبيّاته ، والعاقل ـ في الشبّان وفي الكبار ـ الذي يأخذ من الأشياء أحسنها .
    ومعرفة الفوارق تتطلّب أيضاً معرفة الوضع النفسي لكلِّ جيل ، فالشاب متسرِّع لأنّ دماء الشباب تفور في جسده ، وهو يريد أن يصل إلى مُبتغاه بأقصى سرعة ، وربّما يُفكِّر بطيِّ المراحل أحياناً ، وهذا الأمر ليس سلبياً دائماً ولا إيجابياً دائماً ، فقد تحتاج بعض المراحل إلى حرق وتجاوز السّير السلحفاتي في قطع المسافات ، خاصّة مع توافر الإرادة والجدِّية والرّوح المثابرة والاستعداد النفسي لاختصار المسافة ، كما في ضغط بعض المراحل الدراسية .
    أمّا القفز على السلّم وعدم التفكير بعواقب الاُمور وعدم طبخها على نار هادئة ، فقد يجعل الصّدمة في بعض الأحيان كبيرة .
    أمّا الأب الكبير في السنّ ، فقد يعيش الهدوء والتريّث والصّبر ، وربّما التردّد ليس من جهة وضعه الصحِّي فقط ، بل نتيجة لما عاشه من بعض التجارب والصّدمات ، وربّما تقديره أنّ اللّهاث خلف بعض الرّغبات قد يمكّن من إدراكها ، لكن ذلك سيكون على حساب أمور أكثر أهمية ، وما إلى ذلك .
    فليس في تسرّع الشباب عيب إلاّ إذا كان قفزاً على السلّم ، ولا في تريّث الكبار عيب لا سيّما إذا كان زهداً في بعض مطامح الحياة الدّنيا . ولذا لا بدّ للجيـلين من أن يتّفقا أو يتوافقا على أنّ في كلّ مرحلة حسنات وسيِّئات ، وأنّ الأجـيال تتكامل ، والحـياة تحتاج إلى كلّ الجيل الشابّ ، وإلى كلّ الجيل المسنّ ، لأنّ طبيعتها تفرض أن يجتمع ( الحار ) و ( البارد ) في أسلاك الكهرباء حتى يتدفّق النور .
    ولقد أجرى أحد الباحثين العاملين في السلك التربوي حواراً بين (الجذور) في الشجرة وبين ( الأغصان)، ممثِّلاً للآباء والأجداد بالجذور ، وللأبناء والأحفاد بالأغصان ، فكان الحوار في البداية يعكس تشبّث الجذور بقيمتها وقيمها ، وتمسّك الأغصان بخصالها وخصائصها .
    ومن النقد الذي وجّهته الأغصان للجذور أ نّها تعيش تحت التربة وتقبع في الظّلام ، بينما هي تعيش في النور وفي الهواء الطّلِق ، وكان الجواب الحكيم للجذور أنّ غذاء تلك الأغصان يأتي عن طريقها ( أي من الجذور ) ، كما أنّ الجذور تبقى حيّة بما تستمدّه الأغصان من ضوء الشمس والهـواء النقي ، فهما (نسغٌ صاعد ) و (نسغٌ نازِل ) ، ولا يمكن للشجرة أن تقوم إلاّ بهما معاً .
    وهكذا هي شجرة الحياة لا تقوم ولا تستوي على جذعها إلاّ بالآباء والأجداد وبالأبناء والأحفاد ، فلو دام التواصل بين الجيلين لتجاوزَ الشبّان الكثير من اضطرابات مرحلتهم ، ولاغتنى الآباء بالدماء الجديدة الشابّة التي تُحرِّك حياتهم في تلمّس نبض العصر وإيقاعه .
يعمل...