تتدبر !
عبدالرحمن الشهيب
يسحب الزوج نفساً عميقاً من لي المعسل ثميدخل يده في جيبه ساحباً الجوال ليهاتف أم العيال: وصلتوا...! أنا سأتأخر قليلاً فياستراحة التسدح!... ثم يأتي لمنزله قبالة
الفجر..الأولاد من أن يدخلوا المنزليرمون كل شيء في أيديهم... حقائبهم المدرسية، أحذيتهم، بقايا فسحتهم... ثم يصيحالصبي ذو العاشرة في وجه الخادمة الآسيوية: "جيبي لي مويه"،
فتركض فزعة لتحضركوب الماء لهذا الصبي المأفون، وهو لا يريد ماء، قدر ما كان يريد أن يلقي أوامر! أطفالنا ما أطول ألسنتهم أمام أمهاتهم والخادمات ولكنهم أمام الكاميرا
يصبحونكالأرانب المذعورة، لا أدري كيف يحدث هذا..
أحسن شيء سائق وشغالة، من يتحملمشاوير أم العيال، ومن يتحمل قيادة السيارات في شوارعنا المكتظة بالمخالفاتالمرورية والطائشين والسائقين النزقين، فليتحمل المسئولية
السائق الآسيوي فكلهاحفنة ريالات. ومن يتحمل تغسيل الصحون والملابس وشطف البلاط وتسقية الحديقة وكيالملابس... آه ما أثقل دم كي الملابس... هاهي حفنة ريالات أخرى لخادمة
آسيويةتعمل كل هذه الأعمال الشاقة... ولتتفرغ أم العيال لتصليح الحلى والبنات لمتابعةالفضائيات والتجول في الأسواق والأولاد لمضايقة بنات الناس في الأسواق! وهو لا يدري
أنها ممكن أن تكون أخته في يوم من الأيام،
الكسل أحلى من العسل.. ماذاجنى الأولاد والبنات من هذا الكسل؟ لا شيء سوى الطفش! دائماً صغارنا وكبارناطفشانين.. لأنهم لا يعملون شيئاً.. من لا يتعب لا يحس بطعم الراحة ومن لا
يجوعلا يحس بطعم الأكل، كل مشاوير بيتزاهت وماكدونالد لم تعد تسعد صغارنا ولم يبق إلامتعة صغيرة في النوم في بيت الخالة والتي لا يسمح بها دائماً ولذلك بقي لها شيء من
المتعة!
هذا السيناريو السائد في معظم المنازل السعودية والخليجية،المصيبة لا تحدث الآن ولكنها تحدث بعد عشرين سنة من التبطح تكون نتيجتها بنت غيرصالحة للزواج وولد غير صالح
لتحمل أعباء الزواج، لأنه ببساطة غياب تحملالمسؤولية لمدة عشرين عاماً لا يمكن أن يتغير من خلالها الابن بسبب قرار الزواج أوبسبب تغير سياسة المنزل، لأن هذه خصال وقدرات
إذا لم تبن مع الزمن فإنه منالصعوبة بمكان استعادتها. الانضباط ممارسة يومية لا يمكن أن تقرر أن تنضبط في عمرمتأخرة لكي يحدث الانضباط. وبلا انضباط لا يمكن أن تستقيم حياة.
بيل غيتسأغنى رجل في العالم يملك 49 ألف مليون دولار أي ما يعادل 180 ألف مليون ريال سعوديويعمل في منزله شخصان فقط! تخيلوا لو كان بيل غيتس خليجياً كم سيعمل في منزله منشغاله؟ 30، 40،
ألف، أو أهل اندونيسيا كلهم!
أذكر أيام دراستي في أمريكاأنني سكنت مع عائلة أمريكية ثرية ولم يكونوا يأكلون في ماكدونالد إلا مرة في الشهروتحت إلحاح شديد من أولادهم، ولم يكن أولادهم يحصلون على
مصروف إلا عن طريقالعمل في شركة والدهم عن أجر بالساعة. لا أحد "يبعزق" الدراهم على أولاده كأهلالخليج.
جيل الآباء الحاليين في الخليج عانى من شظف العيش وقسوة التربية فجاءالإغداق المالي والدلال على الجيل الحالي بلا حدود كتعويض عن حرمان سابق. حتىأثرياء عرب الشام ومصر
أكثر حذراً في مسألة الصرف على أولادهم.
الآنأجيال كثيرة في الخليج قادمة للزواج لن تستطيع تحمل الأعباء المالية لخادمة، حتىوإن كانت خادمة بيت الأهل تقوم بهذا الدور مؤقتاً فإنها لن تستطيع على المدىالطويل..
والابن الفاضل سيتأفف من أول مشوار لزوجته الجديدة ثم تبدأ الشجاراتالصغيرة والكبيرة التي تتطور وتصل للمحاكم وتنتهي بالطلاق وهذا مايفسر ارتفاعمعدلات الطلاق في
المملكة والخليج في السنوات الأخيرة.
نحن في الخليج كمنيلعب مباراة كرة قدم ومهزوم فيها تسعة صفر وفي الدقيقة 44 من الشوط الثاني للمباراةلا يريد أن يتعادل فقط بل يريد أن يفوز! وهذا في حكم المستحيل، هذا ما يحدث
بالضبط في الخليج على المستوى الأسري وأحياناً على المستوى الدولي.
الحياة كمباراة كرة القدم إذا أردت أن تكسبها، فلابد أن تعد نفسك لها إعداداً جيداًبالتدريب والممارسة الجيدة والأهم من ذلك أن تلعب بجد من الدقيقة الأولى منالمباراة
وليس في الدقيقة الأخيرة
في الخليج يعيشون الحياة على طريقة "تتدبر"! يذهبون إلى السينما متأخرين ثم يجدون التذاكر نفدت ثم يجادلون بائعالتذاكر "دبر لنا ياخي"!!
هذه التذاكر ينطبق عليها ما ينطبق على تربيةالأولاد وتحمل المسؤولية والمستقبل وتبعاته، في المجتمع المدني يجب أن تدبر أموركمبكراً وفي أمور الحياة يجب أن تبذل عمرك
كله، الطفل الذي يرمي حقيبته بجانبأقرب جدار في المنزل سيدفع ثمن هذه اللامبالاة حينما يكبر ومن أصعب الأشياء تغييرالطبائع والسلوك.
"تتدبر" هذه تصلح قديماً في زمن الغوص وزمن الصحراء والحياةفي انتظار المطر، ولكنها لا تصلح للحياة المدنية التي تحتاج إلى انضباط ومنهجوتخطيط وتدبير منا نحن في كل شؤون
حياتنا منذ الدقيقة الأولى من المباراة!
الآن من نلوم على هذه اللامبالاة، هل نلوم النفط؟ أم الآباء أم الأمهات، أمالأولاد أم البنات؟ أم تتدبر!!
عبدالرحمن الشهيب
يسحب الزوج نفساً عميقاً من لي المعسل ثميدخل يده في جيبه ساحباً الجوال ليهاتف أم العيال: وصلتوا...! أنا سأتأخر قليلاً فياستراحة التسدح!... ثم يأتي لمنزله قبالة
الفجر..الأولاد من أن يدخلوا المنزليرمون كل شيء في أيديهم... حقائبهم المدرسية، أحذيتهم، بقايا فسحتهم... ثم يصيحالصبي ذو العاشرة في وجه الخادمة الآسيوية: "جيبي لي مويه"،
فتركض فزعة لتحضركوب الماء لهذا الصبي المأفون، وهو لا يريد ماء، قدر ما كان يريد أن يلقي أوامر! أطفالنا ما أطول ألسنتهم أمام أمهاتهم والخادمات ولكنهم أمام الكاميرا
يصبحونكالأرانب المذعورة، لا أدري كيف يحدث هذا..
أحسن شيء سائق وشغالة، من يتحملمشاوير أم العيال، ومن يتحمل قيادة السيارات في شوارعنا المكتظة بالمخالفاتالمرورية والطائشين والسائقين النزقين، فليتحمل المسئولية
السائق الآسيوي فكلهاحفنة ريالات. ومن يتحمل تغسيل الصحون والملابس وشطف البلاط وتسقية الحديقة وكيالملابس... آه ما أثقل دم كي الملابس... هاهي حفنة ريالات أخرى لخادمة
آسيويةتعمل كل هذه الأعمال الشاقة... ولتتفرغ أم العيال لتصليح الحلى والبنات لمتابعةالفضائيات والتجول في الأسواق والأولاد لمضايقة بنات الناس في الأسواق! وهو لا يدري
أنها ممكن أن تكون أخته في يوم من الأيام،
الكسل أحلى من العسل.. ماذاجنى الأولاد والبنات من هذا الكسل؟ لا شيء سوى الطفش! دائماً صغارنا وكبارناطفشانين.. لأنهم لا يعملون شيئاً.. من لا يتعب لا يحس بطعم الراحة ومن لا
يجوعلا يحس بطعم الأكل، كل مشاوير بيتزاهت وماكدونالد لم تعد تسعد صغارنا ولم يبق إلامتعة صغيرة في النوم في بيت الخالة والتي لا يسمح بها دائماً ولذلك بقي لها شيء من
المتعة!
هذا السيناريو السائد في معظم المنازل السعودية والخليجية،المصيبة لا تحدث الآن ولكنها تحدث بعد عشرين سنة من التبطح تكون نتيجتها بنت غيرصالحة للزواج وولد غير صالح
لتحمل أعباء الزواج، لأنه ببساطة غياب تحملالمسؤولية لمدة عشرين عاماً لا يمكن أن يتغير من خلالها الابن بسبب قرار الزواج أوبسبب تغير سياسة المنزل، لأن هذه خصال وقدرات
إذا لم تبن مع الزمن فإنه منالصعوبة بمكان استعادتها. الانضباط ممارسة يومية لا يمكن أن تقرر أن تنضبط في عمرمتأخرة لكي يحدث الانضباط. وبلا انضباط لا يمكن أن تستقيم حياة.
بيل غيتسأغنى رجل في العالم يملك 49 ألف مليون دولار أي ما يعادل 180 ألف مليون ريال سعوديويعمل في منزله شخصان فقط! تخيلوا لو كان بيل غيتس خليجياً كم سيعمل في منزله منشغاله؟ 30، 40،
ألف، أو أهل اندونيسيا كلهم!
أذكر أيام دراستي في أمريكاأنني سكنت مع عائلة أمريكية ثرية ولم يكونوا يأكلون في ماكدونالد إلا مرة في الشهروتحت إلحاح شديد من أولادهم، ولم يكن أولادهم يحصلون على
مصروف إلا عن طريقالعمل في شركة والدهم عن أجر بالساعة. لا أحد "يبعزق" الدراهم على أولاده كأهلالخليج.
جيل الآباء الحاليين في الخليج عانى من شظف العيش وقسوة التربية فجاءالإغداق المالي والدلال على الجيل الحالي بلا حدود كتعويض عن حرمان سابق. حتىأثرياء عرب الشام ومصر
أكثر حذراً في مسألة الصرف على أولادهم.
الآنأجيال كثيرة في الخليج قادمة للزواج لن تستطيع تحمل الأعباء المالية لخادمة، حتىوإن كانت خادمة بيت الأهل تقوم بهذا الدور مؤقتاً فإنها لن تستطيع على المدىالطويل..
والابن الفاضل سيتأفف من أول مشوار لزوجته الجديدة ثم تبدأ الشجاراتالصغيرة والكبيرة التي تتطور وتصل للمحاكم وتنتهي بالطلاق وهذا مايفسر ارتفاعمعدلات الطلاق في
المملكة والخليج في السنوات الأخيرة.
نحن في الخليج كمنيلعب مباراة كرة قدم ومهزوم فيها تسعة صفر وفي الدقيقة 44 من الشوط الثاني للمباراةلا يريد أن يتعادل فقط بل يريد أن يفوز! وهذا في حكم المستحيل، هذا ما يحدث
بالضبط في الخليج على المستوى الأسري وأحياناً على المستوى الدولي.
الحياة كمباراة كرة القدم إذا أردت أن تكسبها، فلابد أن تعد نفسك لها إعداداً جيداًبالتدريب والممارسة الجيدة والأهم من ذلك أن تلعب بجد من الدقيقة الأولى منالمباراة
وليس في الدقيقة الأخيرة
في الخليج يعيشون الحياة على طريقة "تتدبر"! يذهبون إلى السينما متأخرين ثم يجدون التذاكر نفدت ثم يجادلون بائعالتذاكر "دبر لنا ياخي"!!
هذه التذاكر ينطبق عليها ما ينطبق على تربيةالأولاد وتحمل المسؤولية والمستقبل وتبعاته، في المجتمع المدني يجب أن تدبر أموركمبكراً وفي أمور الحياة يجب أن تبذل عمرك
كله، الطفل الذي يرمي حقيبته بجانبأقرب جدار في المنزل سيدفع ثمن هذه اللامبالاة حينما يكبر ومن أصعب الأشياء تغييرالطبائع والسلوك.
"تتدبر" هذه تصلح قديماً في زمن الغوص وزمن الصحراء والحياةفي انتظار المطر، ولكنها لا تصلح للحياة المدنية التي تحتاج إلى انضباط ومنهجوتخطيط وتدبير منا نحن في كل شؤون
حياتنا منذ الدقيقة الأولى من المباراة!
الآن من نلوم على هذه اللامبالاة، هل نلوم النفط؟ أم الآباء أم الأمهات، أمالأولاد أم البنات؟ أم تتدبر!!
تعليق