يمكن إيجاز الفرق بين المرض النفسي والآخر العقلي، في أن الأول يعي معه المصاب بغرابة سلوكه المرضي، فيَضجر منه أو يكتئب له أو حتى يتعايش معه. أما بالنسبة للمرض العقلي، فصاحبه لا يعي مرضه، بل قد يبدو له الآخرين هم الغرباء، والسلوك عنده غير متسق ولا يتواءم والمواقف التي يتبدى أثناءها.
الإستثناء من هذه القاعدة هو مرض شائع بمجتمعنا، إنه البارانويا، أو ما يعرف أيضا بالهذيان. قبل التطرق إلى ارتباط هذا المرض بمجتمعنا، نوجز أهم ما يميز هذا الإختلال وأعراضه.
الأعراض
البارانويا مرض عقلي، والمفارقة هنا هو أن المصاب به يبدو إنسان عادي جدا، بل يُعرف بأنه مرض الأذكياء أو المتفوقين ذهنيا على الآخرين؛ الكثير من العلماء والزعماء والفنانين عُرفوا بالبارانويا وبرروا حماقاتهم وأعمالهم المجنونة ـ إلى جانب العظيمة أحيانا ـ على أنها إنجازات خارقة لا يفهمها العامة!
إذا تحدثت إلى مريض البارانويا تجده لبقا وذكيا ولا يجهد في تحليل أو إيجاد حلول مبهرة لمشاكلك. لكن ما إن تحدثه عن موضوع معين (الذي يشكل نقطة مرضه) حتى تحسبه يمزح؛ إن ارتاح إليك، فقد يعترف بأنه يعمل لصالح وكالة دولية لتغيير نظام الحكم وإعلان قيام إمبراطورية عظيمة! أو أنه يتواصل مع سكان الفضاء، أو أنه متورط في علاقة مع الجن.. إلخ. ما إن تحيد عن هذا الموضوع حتى يعود إلى ذكائه وغروره المميزين لهذا المرض.
ما يُوقع المريض في هذا الخلط هو قدرته على الربط المنطقي للوقائع رغم أن المنطلق واهٍ، لدرجة قدرته على كسب تعاطفك بتصديقك له في البداية إن هو تحدث عن هذيان مرتبط بوقائع موجودة أصلا (قضية أمنية مثلا).
البارانويا سمة مجتمعنا
تتمحور البارانويا عموما حول الشعور بالعظمة أو الإضطهاد أو هما معا، لابد وأنك صادفت من يبرر طوال الوقت إخفاقاته ب((الحضية)) أو ((التابعة)) أو حتى بمن يكيد له بالسحر وتسليط الجن عليه.. ترى الرجل أو المرأة في هندام مبهر، شهادة عالية، منصب عال، نمط حياة عصري.. لكن رزقه يستنزف على المشعوذين.. يطوف عليهم بقاع البلاد ويبذل في سبيلهم الغالي والنفيس.
الكثير ممن يسمون أنفسهم مخرجين والذين تلاعبوا بمستوى ضغطنا الدموي بأفلامهم المجنونة ما هم إلا مرضى بارانويا؛ ما إن تستعد لتفهم قصصهم حتى يفاجئك الجنريك! يتكلمون كثيرا ويتهمون كثيرا.. وهم في الواقع لم يجدوا بعد من يعطف عليهم بأخذهم لمصحة عقلية.
((سياسيون)) قضوا حيواتهم يصارعون طواحين هواء تبدو لهم وحوشا، لا تهمهم قواعد السياسة وعلومها، فقط النضال من أجل النضال، والعدو دائما هو العدو مهما فعل (لا نتحدث عمن سقطوا من الشرفاء لنقف نحن).
الكثير من الأشخاص خربوا أحلامهم بأيديهم بغيرة لا تصدق؛ طوال الوقت هم في تعقب خفي وعلني وفُرجوي لأزواجهم.. أي نظرة أو حركة تفسر على أنها خيانة وترتيب للقاءات حميمية.
مهما ((ترقى)) الزوجين فهم في استهلاك تاريخي لفكرة ((النسيبة)).. حتى التلاميذ عندنا يفشلون لأن أستاذا ما وقف بالمرصاد في طريق نجاحهم.
من اجتازت الثلاثين دون أن ((تحصل)) على زوج لا تراجع سلوكاتها وتغير طقوس تعارفها.. وإنما هي عديمة الحظ وضحية ((ثقاف)) ربما.
كلنا نتعايش مع البارانويا بنسب متفاوتة حتى أصبحت سمة تطبع حتى إعلامنا وجل مثقفينا؛ ما إن تنصت إلى بعضهم حتى تحسب أن العدو الصهيوني والقوى الامبريالية هم من يحرض على عدم احترامنا لبعضنا البعض وخرق إشارات المرور والغش في العمل..!
هلاوس البارانويا
الأعراض الإعتقادية بهذا الشكل اعتدنا عليها. لكن أخطر مظاهر البارانويا هي أن تكون من ضمن أعراضها الهلاوس. هذه الأخيرة هي إدراك خاطيء للواقع؛ بمعنى أن الشخص قد يري أو يسمع أو يشم ما هو غير موجود أصلا في العالم الواقعي! تتعدى الهلاوس حدود الأفكار لتصبح ((واقعا)) يعيشه المريض بحيث قد يَمثل أمامه جني أو رجل فضاء أو قد يسمع إسمه بالحرف أثناء الاستماع لنشرة إخبارية بالتلفزة.. كما قد يعتقد بفكه لشفرات عسكرية سرية من خلال التدقيق في مقالات صحفية عادية! إنها أقصى وأقسى درجات البارانويا، فلا مجال لأن تشكك في معتقد المصاب بها وإلا صنّفك فورا ضمن المتآمرين عليه! ما إن تجادل في شيء مع مريض من هذا النوع حتى يتظاهر بأنه كان يمزح معك؛ فأنت في عداد الأعداء الآن وليس من الحكمة الإفصاح لك بالخطط السرية!
العلاج
عموما، تعتبر البارانويا من أكبر التحديات أمام للعلاج لأن المريض بكل بساطة يرى في الأطباء والممرضين حلقة من استراتيجية التآمر عليه، وبالتالي ينبهه ((ذكاؤه)) بضرورة ادعاء التعافي أمامهم (ما يسمى بالإستبصار بمتطلبات المستشفى) إذ يعلم أن تبنيه لسلوك يريده منه المعالجين (المتآمرين عليه في نظره) سينقذه من قبضتهم، فيدعي بالتالي الإمتثال للشفاء بينما ينزوي في خلواته إلى جنونه بقية حياته.
لكن الأبحاث الجديدة أبانت على أن أفضل علاج في هذه الحالة، هو استهداف الأعراض وليس النظر إلى مجموع الحالة؛ إذ سُجل تراجع مهم للهلاوس في الكثير من الحالات، كما أن عوامل أخرى كمرونة الشخصية والتكوين العلمي المتميز والذكاء تجعل الشخص إلى حد معين واع بمرضه وبالتالي يتعاون لتغيير حياته أو يتعايش مع مشاكله لمعرفته إياها أنها مجرد هلاوس.
المشكلة تكمن في وقوع أزمات عاطفية أو عملية مرتبطة بموضوع المرض إلى حد معين ولو بالصدفة، هنا تكون احتمالات الإنتكاسة واردة.

مشهد من فلم Beautiful mind الذي جسد فيه Russel Crow الشخصية الواقعية للعالم الحائز على جائزة نوبل John Nash بعد أن نجح في التعايش مع هلاوسه الاضطهادية

عزيز عبو
مقتبي من http://www.ilayka.com/?p=98

ثانكس ع الموضوع

معلومات جديده استفذت منها

يعطيك العافيه

معلومات جديده استفذت منها

يعطيك العافيه

يعطيك العاقيـــــــــــــــــــــــة

جزاك الله خيرا

يعطيك العافيه موضوع رائع جدا
تسلمي