أنا معدة عبد الله
أ.د. عرفان يلماز // علوم
-----------------------------------------------
حبيبي عبد الله!..
عندما كلمك جاري، القلبُ الموجود فوقي، وعرّفك بنفسه سمعت ما قاله لك، وربما ساورك بعض الغضب بسبب حديثه، لكن أعتقد أن كل كلامه لصالحك أنت. فهو من جانبٍ قدّم لك نصائح تهمّ صحتك، ومن جانب آخر وجّه نظرك إلى الخالق الذي وهب لك القلب ففتح بذلك آفاق تفكيرك. وقد أعجبني كلامه جدًّا، وسررت منه، لذا ساورتني الرغبة -أنا المعدة- للتحدث إليك والتسامر معك. وأعتقد أنك إن أصخت السمع فستستفيد من الناحيتين المادية والمعنوية.
أين مكاني؟
أنا أشغل مكانًا في القسم العلويّ من تجويف البطن وتحت التجويف الصدري. ولكي لا يتولد أي ضرر بيني وبين جارَيّ الموجودَين فوقي، القلب والرئة، فقد وضع خالقنا ستاراً داخل القفص الصدري، أي وضعهما داخل قفص عظميّ. ولكن لا تتصور أنني غير مصانة، فقد صان ربنا كل واحد منا بالشكل المناسب. فلو كان هناك سقف من العظام فوقي لوجدتَ صعوبة في الأكل والشرب. ثم نظرًا لعجزي آنذاك من خزن ما تأكله، كنتَ تضطر آنذاك لتناول وجبات طعام بكمّيات قليلة ولكن بشكل دائم. ولكن نظراً لوجودي في تجويف ذي جدران مرنة جدّاً -مثل التجويف البطني- فإنني أستطيع الاحتفاظ بما تأكله وتشربه حتى إتمام عملية الهضم. وهكذا تستطيع تناول الطعام في وجبات معينة للتفرغ بعدها لمشاغلك الأخرى.
قد يبدو شكلي العام بسيطًا جدًّا في نظرك. لذا ترى بعض من يتكلم عني يقول مهونًا من شأني بأنني عضو يشبه الكيس. وإذا أردت أن تعرف قدري ومقدار أهميتي، فاسأل من أصيب بالقرحة أو بسرطان المعدة. ذلك لأنني إن تعطلتُ أو أصابني الخلل أو المرض ضاقت أمامك الدنيا، فكل شربة ماء أو لقمة طعام ستكون عذابًا لك، فلا تجد طعمًا لحياتك ولا لذة.
دماغ ثانٍ
تتألف جدراني التي تشبه الكيس ظاهريا من أربع طبقات من أنسجة خاصة. تتكون الطبقة الخارجية من نسيج قوي، وتليها طبقات من العضلات العرضية والطولية، تليها طبقة رخوة تحتوي على الغدد، والطبقةُ الأخيرة طبقة داخلية رقيقة من نسيج "ظهاري" (Epithelium). طبعاً لا يجوز أن ننسى شبكة الشرايين الدمَوية التي تغذي جدران هذه الطبقات العضلية، وكذلك شبكة الألياف العصبية التي تنتشر في كل أجزائها.
وشبكة الألياف العصبية هذه التي أمتلكها معقّدة إلى درجةٍ مذهلة. فأنا أملك شبكة كبيرة من الأعصاب بحيث أكون مطلعة على ما يجري في جميع أنحاء الجسم وكأنني دماغ ثانٍ. فلو أصيبتْ قدمُك بشوكة، أو لو حزنتَ لأمرٍ ما، أو فرحت كثيراً وضحكت تأثّرتُ بكل هذه الأمور. وهذه الشبكة من الأعصاب حساسة جدّاً بحيث يمكن أن تؤثر على حركتي وعلى إفرازات غددي، وقد تعطلها أو تخرّبها.
عمل الشبكة العصبية
بفضل هذه الشبكة العصبية أبدأ بالسيطرة على حركتِي وعلى إفرازات غددي بدءً من قيامك بشم رائحة الطعام والتهيّؤ للأكل، وهكذا أُنقذك من أي ضيق بعد تناول الطعام.
كذلك فأنا سهلة القياد، إذ تستطيع -إن أردتَ وعقدتَ العزم- أن تروّضني لطراز جديد من الحياة. فهناك من تعوّد على تناول ثلاث وجَبات من الطعام يوميّاً، وبعضهم على وجبتَين، وآخرون على وجبةٍ واحدة فقط. أمّا نصيحتي لك فهي الاعتياد على وجبتين في اليوم.
ولكي تتجزأ الأغذية التي تتناولها ويتمّ امتصاصها من قِبل أمعائك وتكون جزءً من جسدك لا بد أن تمر بي. لأنه لا تتم تجزئةٌ كيميائيّة كبيرة في الفم: كلّ ما يحصل هو تفتّت الطعام إلى قطع صغيرة بطريقة ميكانيكية وتحوّلها إلى قِوام لين يمكن قبوله من قِبلي. فإن استعجلت في الأكل وبلعت الطعام دون مضغٍ ودون تليين كافيَين أتْعبتَني جدّاً. كما أن اللُّقَم الآتية إليّ بهذا الشكل قد تقوم بخدش جدران قناة المريء، وقد تُدميها. والأفضل هو مضْغ كل لقمة ثلاثين مرة. ولكن معظم الناس لا يفعلون هذا مع الأسف، فبعد مضغٍ لمرتين أو ثلاث يرسلون الطعام لي. وهم لا يُحسون بأنهم شبعوا، لذا يأكلون كثيراً فيُخلّون بتوازني.
وأما إذا أكلتَ ببطء فإني فورَ أخذك حاجتك من الطعام سأقوم بإخبار المركز المختصّ في الدماغ بذلك ليقوم بقطع شهيتك.
وهكذا تكون قد وفّرت عليّ التعب من جهة، وتجنبتَ الإسراف من جهة أخرى. وعندما تأكل بسرعة أكون قد امتلأتُ قبل أن أجد الفرصة لإرسال الجزئيات التي تبعث إشارات الشبع، فلا يبقى عندي مكان لا للماء ولا للهواء.
الروابط المفضلة