توصلت الأبحاث إلى نتيجة مؤكدة وهي أن مرض الدوالي لا يسببه عامل واحد بل مجموعة متشابكة قد تتوفر منفردة أو مجتمعة لدى الشخص ذاته على درجات متفاوتة من الأهمية بعضها مسؤول بشكل مباشر وأخرى تلعب دورا مساعدا في انتشار وتفاقم المرض.
بعض هذه العوامل ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
1- الوراثة.
2- الإفرازات الهورمونية.
3- الجنس.
4- الوقوف المطول.
5- العوامل البيئية والغذائية.
6- البدانة.
7- التعرض للحرارة.
8- الرياضة.
9- العوامل العرقية والجغرافية.
01- العمر.
11- العوامل المتعلقة بالملابس والأحذية
الإفرازات الهرمونية
تشهد المرأة خلال حياتها العديد من التقلبات والهزات التي تفرضها عليها إفرازات الهورمونات الجنسية والتناسلية وفي مقدمتها الإستروجين والبروجسترون. ويبلغ التضارب ما بين جسم المرأة وهورموناتها ذروته في مناسبات عديدة منها:
1- فترة الحمل.
2- فترة الحيض.
3- أثناء استخدام حبوب منع الحمل.
4- عند اقتراب سن اليأس.
5- أثناء استعمال علاج هرموني بديل بعد بلوغ المرأة سن اليأس.
وإن كان هناك مجال لا يتساوى فيه الرجل والمرأة فهو بالتأكيد عالم مرض الدوالي حيث تعادل نسبة النساء المصابات ثلاثة أضعافها لدى الرجال مما يعتبر مؤشرا واضحا على دور الإفرازات الهورمونية في التسبب في المرض، بل ومن الممكن اعتبار الأوردة بمثابة الضحية الرئيسية لهذه التقلبات والتغييرات الهورمونية، ولهذا تدفع المرأة ثمنا غاليا ليس على شكل "دوالي" وقصور وريدي سطحي بل والأكثر أهمية وخطورة على شكل جلطات وريدية سطحية كانت أو داخلية.
الإستروجين والبرجسترون هرمونان ضروريان ومفيدان لجسم المرأة عندما يبقى معدلهما ضمن الحدود الطبيعية دون زيادة أو نقصان، كما وأن الإستروجين الطبيعي الذي يفرزه الجسم يحمي شرايين القلب التاجية من التصلب، ولكن الأصناف المستعملة في الأسواق ليست جميعها من أصل إنساني وقد تسبب بعض الآثار السلبية وخصوصا على مستوى الأوعية الدموية الحساسة للتغيرات الهورمونية.
وقد توصلت الأبحاث في السنوات الأخيرة إلى اكتشاف مستقبلات لهذين الهورمونين داخل جدار الوريد وخصوصا في أوردة الساق والفخذ تساعد في الأحوال العادية على انقباض الوريد وإفراز مواد مانعة لتخثر الدم، ولكن عندما تزيد نسبة إفرازات الهورمونات عن حدها الطبيعي فإن هذه المستقبلات تحدث توسعات وتخثرات في الأوردة مما يسفرعن الجلطات الوريدية ودوالي الأطراف السفلى لدى النساء.
ويمكن دون الدخول في تفاصيل معقدة تلخيص تأثير الهورمونات على الأوردة بالقول أنه ينصب على محورين رئيسين:
1- تأثيرها على جدار الوريد الذي يصبح قليل الحركة وتصاب خلاياه بالاسترخاء وتزداد الطبقة الداخلية منه سمكا.
2- تأثيرها على بعض عوامل تميع الدم التي تشهد تغييرات مهمة مسؤولة عن حدوث الجلطات الوريدية.
ومن المهم جدا التركيز على أن خطر الهورمونات قليل للغاية لدى السيدات اللواتي لا يوجد لديهن عوامل الخطر المعروفة بتسببها بحدوث جلطات دموية، بينما يزداد الخطر بشكل واضح عند وجود نقص في بعض عوامل تميع الدم، ولدى السيدات البدينات المدخنات والمصابات بارتفاع في معدل الدهنيات والسكريات بالإضافة إلى من لديهن سوابق شخصية أو عائلية في تجلط الأوردة.
الدوالي والحمل
يؤدي الحمل إلى حدوث تغييرات مبكرة ومهمة في جسم المرأة، وتعتبر التوسعات التي تحدث في أوردة الأطراف السفلى والتي تؤدي إلى إصابتها بالدوالي إحدى أهم هذه التغييرات. وهناك بالتأكيد علاقة كبيرة ما بين الحمل والدوالي وقد أصبحت هذه الأمور تشكل هواجس لدى النساء قبل أو بعد الزواج والحمل خوفا على رشاقة وجمال أجسامهن، ، وكثيرا ما يتردد على ألسنة النساء الشابات اللواتي يفضلن استشارة طبيب أخصائي قبل بداية الحمل الأول، السؤال التالي:
سمعت من والدتي وجدتي بأن الدوالي بدأت تغزو سيقانهن أثناء الحمل الأول وازدادت مع كل حمل، فهل معنى ذلك أنني سأعاني بدوري من هذه المشكلة وماذا يجب أن أفعل لأتفادى ظهورها؟
وهناك عدد لا بأس به من النساء اللواتي يهرعن لعيادة الطبيب الأخصائي منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للحمل الأول للاطمئنان وطلب النصيحة نظرا لظهور خطوط أو بقع بنفسجية أو حمراء اللون تشوه منظر السيقان وتولد الخوف في مخيلتهن.
ليس معنى ذلك أن الدوالي هي فرض على كل النساء الحوامل، فكم من امرأة أنجبت ستة أو سبعة أطفال دون أن تظهر أية توسعات في أوردة ساقيها، بينما نجد في بعض الأحيان امرأة في الثلث الأخير من حملها الأول تملأ الدوالي سيقانها، وذلك يعني أن المرض يعتمد على القابلية أو الاستعداد لدى بعض النساء للتعرض أكثر من غيرهن للدوالي أثناء فترات الحمل، وتأتي الإحصائيات لتثبت مدى مسؤولية الحمل عن انتشار الدوالي في الأطراف السفلى، فما يعادل 70% من النساء اللواتي رزقن بخمسة أطفال لديهن "دوالي" بينما تصل النسبة إلى 60% بعد ثلاثة مواليد، ويمكن القول بأن احتمالية الإصابة بالدوالي تعادل ضعفها لدى امرأة حملت مرتين مقارنة بامرأة لم تحمل بعد.
تظهر الدوالي بصورة مبكرة منذ بداية الحمل وتتطور بسرعة ولكنها تخف في العادة بل ويختفي معظمها أحيانا بعد الولادة بشهرين أو ثلاثة. ولكن إذا لم تتخذ الحامل الاحتياطات الملائمة فستتفاقم الدوالي من حمل إلى آخر وستؤدي في المستقبل إلى نتائج وخيمة على رشاقتها وجمالها ومن هنا تعتبر الاستشارة المبكرة مفتاح الوقاية لضمان سيقان سليمة وجميلة.
وإذا كان الحمل والدوالي لا يتآلفان سوية في نصف حالات الحمل تقريبا فإن ذلك يجب ألا ينسينا دور العوامل السلبية الأخرى( الوراثة، البدانة، العمل المجهد وقوفا، عدم الحركة والكسل) التي إن اجتمعت مع الحمل أدت إلى ظهور وانتشار الدوالي بصورة أكثر قساوة.
هناك عوامل عديدة تساهم في التأثير على الأوردة والإصابة بالدوالي أثناء الحمل أهمها :
1- العوامل الهورمونية: التي تلعب الدور الأكبر في تكوين الدوالي لدى المرأة الحامل حيث أن نسبة هورموني الإستروجين والبروجسترون ترتفع عاليا وتؤدي إلى حدوث تغييرات مهمة ومبكرة في جدران الأوردة التي تتوسع وتؤدي إلى ابتعاد حواف الصمامات عن بعضها فتصبح سلسة وتسمح للدم بالجريان في الاتجاه المعاكس، ومن هنا تنشأ الدوالي. ويتركز تأثير الهورمونات على الأوردة بشكل خاص في المناطق التي تصعب فيها الدورة الدموية خلال الحمل، ولهذه الأسباب فإن الأطراف السفلى هي التي تقع ضحية الدوالي في الدرجة الأولى.
2- تغييرات وتبديلات في حركة وسرعة تدفق الدم: والتي تحدث لدى قرابة 20% من النساء الحوامل خلال فترة الحمل الأولى و50% خلال الحمل الثاني، وتظهر هذه التغييرات بشكل جدي في النصف الثاني من الحمل وتحدثها زيادة حجم كمية الدورة الدموية لدى المرأة الحامل والتي قد تزيد بمعدل 50% في الشهر التاسع.
3- زيادة الضغط داخل أوردة الأطراف السفلى.
4- تغييرات في عوامل تميع الدم (زيادة في معدل بعضها أو نقصان في أخرى) وخصوصا خلال النصف الثاني من الحمل، والفترة التي تلي الولادة مباشرة، مما قد يتسبب أيضا بحدوث جلطات في الأوردة الدموية للأطراف السفلى خلال هاتين الفترتين.
5- العوامل الميكانيكية: المتمثلة بالضغط الذي يفرضه رحم الحامل على أوعية الحوض بشكل عام.
وتختلف الأعراض من حمل إلى آخر ومن امرأة إلى أخرى، ويمكن للدوالي أن تظهر خلال الحمل الأول وقد لا تظهر إلا خلال فترات الحمل القادمة، وتتفاوت الأعراض من تبقعات وخطوط شعرية محدودة إلى توسعات وريدية منتشرة في الساقين، وكذلك في منطقتي العجان والفرج، تزعج الحامل وتقلقها حول مستقبلها، وتمتاز هذه الدوالي بإمكانية زوالها الجزئي وأحيانا الكلي بعد الولادة، بينما الدوالي التي كانت موجودة قبل الحمل وزادت أهميتها معه ستبقى بعد الولادة. وقد تشكو المرأة الحامل من أعراض أخرى على شكل تشنجات ليلية وثقل في بطة الساق وتورم في منطقة الكعب وأحيانا تنمل في الساق.
ويجب ألا نلقي مسؤولية الإصابة بجميع حالات الدوالي عند المرأة الحامل على عاتق التغييرات الهورمونية والميكانيكية التي يحدثها الحمل على جسم المرأة، فكم من امرأة كان لديها دوالٍ قبل الحمل ولم تعالجه بصورة مبكرة وجدية فتفاقمت أهمية المرض مع الحمل الأول وازدادت سوءا من حمل إلى آخر حتى وصلت الأمور إلى الصورة الكلاسيكية الدارجة للسيقان المليئة بالدوالي عند النساء اللواتي أنجبن العديد من الأولاد.
وتجدر الإشارة هنا إلى صنف آخر للدوالي عند الحوامل أقل ندرة لكنه مختلف كليا عن النوعين المذكورين سابقا، ونقصد بذلك الدوالي التي نتجت عن إصابة المرأة الحامل بجلطة في الأوعية الدموية الداخلية، سواء أكان ذلك في الفترة التي تلت الولادة مباشرة أو حدثت في الأسابيع الأخيرة للحمل، ولم يتم تشخيصها بصورة مبكرة ولم تعالج بطريقة كافية مما أدى إلى تطور الدورة الدموية في الأوردة السطحية التي أصيبت بتوسع وبتغييرات في جدرانها وصماماتها أدت إلى ظهور الدوالي بشكل سريع وكبير.
وهناك بالطبع احتمالية حدوث مضاعفات خلال الحمل مع أنها نادرة للغاية، ولكن يجب التنويه بها، وأهمها خطر تعرض دوالي الفرج والمهبل إلى صدمة عند الولادة ومرور الوليد مما قد يؤدي إلى نزيف فيها، ولكن إذا أردنا الكلام عن المضاعفات الوريدية الرئيسية أثناء الحمل فإنها تتمثل بخطر حدوث جلطات وتخثرات دموية في أوردة الأطراف السفلى السطحية منها والداخلية.
فمن المعروف أن نسبة الجلطات الوريدية الداخلية أثناء فترة الحمل أو من خلال الساعات أو الأيام التي تلي الولادة تكثر لدى النساء المصابات بالدوالي، ومع أن نسبتها قد انخفضت بصورة واضحة نتيجة تثقيف المرأة وإرشادها ونهوضها المبكر بعد الولادة وعدم بقائها لفترة طويلة في السرير وكذلك بفضل بعض التدابير الطبية الوقائية إلا أن هذه الجلطات تتطلب الحذر الشديد واتخاذ الاحتياطات الضرورية لدى بعض النساء للحيلولة دون وقوعها، ولتشخيصها المبكر وعلاجها الرادع منذ ظهور الأعراض الأولى.
وإذا كان من السهولة للطبيب تشخيص جلطة في أوردة الأطراف السفلى الداخلية بسبب أعراضها الواضحة المتمثلة بتورم في الساق والفخذ، المصحوب بألم شديد وسخونة، وكذلك بفضل سرعة تشخيصها بواسطة فحص الصدى والأمواج فوق الصوتية الذي قلل من ضرورة إجراء تصوير ملون للأوردة، إلا أن جلطة أوردة الحوض العميقة يصعب تشخيصها بالفحص السريري وحده نظرا لقلة أعراضها وغموضها في بعض الأحيان عندما لا تصاحبها علامات واضحة مثل حدوث تورم ووجع في الطرف السفلي المصاب وتقتصر على دلائل غير كافية مثل ارتفاع متواضع في حرارة الجسم مع وجع أو التهابات في الحوض أو اضطرابات في وظيفة المثانة أو الشرج ولهذا فإن إجراء فحص الصدى والأمواج فوق الصوتية يعد في الوقت الحاضر أهم خطوة تسمح بتشخيص الجلطة دون تأخير والمباشرة بوصف العلاج المناسب.
ومع أن الجلطات تعادل أقل من 1% من جميع حالات الولادة ويحصل ثلثاها بعد الولادة مباشرة إلا أن خطورتها تقضي بإعطائها كل الأهمية المطلوبة وخصوصا في حالات البدانة والولادة القيصرية، وبأن يتعامل الطبيب معها بصورة حذرة في حالات الحمل المستقبلية بعد إجراء تقييم دقيق لوضع المريضة.
وبالإضافة إلى الجلطات العميقة فقد تتعرض المرأة الحامل للإصابة بتخثرات في الأوردة السطحية ذاتها المصابة بالدوالي وذلك على شكل وتر أحمر اللون ساخن ومؤلم يصاحبه التهاب على طول مسار الوريد الصافن المصاب بالدوالي. ويتم تشخيص هذه التخثرات ومعالجتها بسهولة بواسطة الأدوية القامعة للالتهابات بالإضافة إلى الأدوية المانعة لتراكم الصفائح الدموية مثل الأسبرين واستخدام الجوارب والأربطة الطبية الخاصة.
الروابط المفضلة