ترى..
هل تساءلتَ يوما.. إذا ما كان بمقدوركَ أن تعطي لغيركَ من الحق مثل الذي تحب أن تأخذه منه
سواء ذلك بالأقوال والأفعال في الرضا والغضب مع من تحب ومع من لا تحب ؟
هي نعمة من نعم الله على عباده
قال ابن حزم رحمه الله إن (من أفضل نعم الله على المرء أن يطبعه على العدل وحبّه، وعلى الحق وإيثاره )
وهل لك، عندما تعرف أن جزاءها منابر من نور عن يمين الرحمان عز وجل..
هل تغريك هذه المعرفة أن تكون من المتصفين بهذه الصفة..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمان عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا ) رواه مسلم /1827
هل يا ترى جوار الرحمان على منابر من نور يجعلنا جديرين بأن نؤدي حقوق العباد وألا نطالبهم بما ليس لنا ؟
وأن نتعامل معهم بما نحب أن يعاملونا به ؟
وأن نحكم لهم أو عليهم بما نحكم به لأنفسنا أو عليها ؟
والإنصاف..
لا يمكننا أن نتحدث عن العدل من دون أن نتحدث عن الإنصاف..
هل صادف أن أخطأت بحقّ شخص ثمّ اعترفت بحضرته أنّك مُخطئ طالبا صفحه وتجاوزه عنك؟
اعترافك بخطئك اقتصاص من نفسك.. وهذا هو الانصاف منك..
إذن فالعدل أن تحترم حقوق الناس فلا تتجاوز عليهم.. والانصاف أن تجعل نفسك ميزانا بينك وبين الآخرين.. تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لها.. ولذلك قيل: «لا عدلَ كالإنصاف»
العدل من أسمى القيم
يسمو بنا الى القمــــــــم
هو كذلك..
ويكفيه كصفة أنه من صفات الله سبحانه وتعالى
قال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )الأنعام/115
فهو الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه فلا يظلم مثقال ذرة
ولا يُحَمل أحدا وزر أحد ولا يُجازي العبد بأكثر من ذنبه وهو الذي يؤدي الحقوق إلى أهلها
فلا يدع صاحب حق إلا أوصل إليه حقه..
وهو العدل في تدبيره وتقديره فهو الموصوف بالعدل في فعله..
وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة ليس فيها شائبة جور..
فـ أمر بها رسوله..
(فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ...) الشورى/15
وأمر بها عباده..
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيرًا ) النساء/ 58
وأمر عباده المؤمنين أن يتعاملوا بها حتى مع الأعداء فما بالك بمن تربطهم بهم رابطة الإيمان والإسلام والدين..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8
فإن اتصف الله بالعدل أو الإنصاف، وضده الجور، وأمر به رسوله وعباده
فذلك لما لهذه الصفة من أصل في صلاح الدنيا بما يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة فيأمن العباد والحكام
وما أمر سبحانه باتقاء الظلم والجور إلا لما لهذه الصفة من أصل في خراب الأرض بما تفسده في ضمائر الخلق
وإنَّ الأمــنَ كلَّ الأمـنِ عــدلٌ يـُلاذ بظــلّه و به احـتـمــــــــــــاءُ
ورمز القسط قاضٍ قد تساوَى ذَوُو ضـعـفٍ لديهِ وأقـويــاءُ
وعينُ القسط مـيـزانٌ تساوَى أخو فــقـــرٍ لــديهِ وأغـنيــــــــــــاءُ
اِنصف الناس من نفسك.. اِعدل وساوِ بينهم.. فسوف يكثر أحباؤك وأصدقاؤك..
بل ويدوم لك حبّهم وصفاؤهم
والعَادِلُـــــــونَ بيننَــــــــــــــا
مِثلَ النجُومِ في الظَّلَمِ
فاعدِلْ ولَوْ معَ الـــذِي
جـَـــــــارَ عليكَ أَوْ ظَلَـــمِ
سرقت امرأة أثناء فتح مكة، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحدَّ ويقطع يدها، فذهب أهلها إلى أسامة بن زيد وطلبوا منه أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقطع يدها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أسامة حبَّا شديدًا
فلما تشفع أسامة لتلك المرأة تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: (أتشفع في حد من حدود الله؟) ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس، وقال: (فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله (أداة قسم)، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها) /البخاري
فإذا كان هذا نموذج العدل عند الحبيب المصطفى
المنصف بين عباد الله
الذي لم يستثني تطبيق العقوبة على أحب الحبيبات إلى قلبه.. ابنته الزهراء
فلا عجب أن يضرب لنا أسلافنا أروع النماذج في العدل والإنصاف مع المخالف وغير المخالف..
دون محاباة أو التحيز إلى صف القوي أو صاحب المنزلة والمكانة والسلطان والصيت..
والْتَزَمُوا بالعدل والإنصاف..
مع القريب والبعيد..والصديق والعدو..والموسر والمعسر..والغني والفقير..
دليلهم في ذلك تقوى الله وطلب رضاه
فحين جاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له: يا أمير المؤمنين، لقد تسابقتُ مع ابن عمرو بن العاص والي مصر، فسبقتُه فضربني بسوطه، وقال لي: أنا ابن الأكرمين.
فماذا فعل عمر؟
كتب إلى عمرو بن العاص: إذا أتاك كتابي هذا فلتحضر إلى ومعك ابنك، فلما حضرا أعطى عمر بن الخطاب السوط للرجل المصري ليضرب ابن عمرو قائلا له: اضرب ابن الأكرمين.
وكانت القاعدة عنده ما وصى بها أحد ولاته: "أوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشي الناس في الله"
وعمر بن الخطاب من أكثر الصحابة الذين رويت فيهم آثار في قمة العدل والإنصاف..
اجتازت الآفاق وتجاوزت الحدود العربية حتى وصلت إلى الإفرنجة..
حتى أنه حين جاءه رسول القيصر
لينظر أحواله ويشاهد أفعاله، فلما دخل المدينة سأل عن عمر وقال : أين ملككم ؟ فقالوا : مالنا ملك بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة ، فخرج في طلبه فرآه نائماً فوق الرمل، وقد توسد درته، وهي عصاً صغيرة كانت دائماً بيده يغير بها المنكر، فلما رآه على هذه الحال وقع الخشوع في قلبه وقال : رجل يكون جميع الملوك لا يقر لهم قرار من هيبته ، وتكون هذه حالته ، ولكنك يا عمر عدلتَ فأمنتَ فنمتَ.
والعدل أنواع..
منه: العدل بين المتخاصمين.. والعدل في الميزان والمكيال.. والعدل بين الزوجات
والعدل بين الأبناء.. والعدل مع كل الناس...
ولكن الراية واحدة وهي قوله سبحانه: (وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) الحجرات/ 9
والعدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، ويُشْعره بالعزة والفخر
والعدل يشيع الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم
والعدل يمنع الظالم عن ظلمه، والطماع عن جشعه، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض
فلا عجب أن تكون إجابة الخليفة عمر بن عبد العزيز
رضي الله عنه، حين طلب منه أحد الولاة مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول ولايته فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طُرُقها من الظلم
ذهب هؤلاء.. أصحاب المعادن الصافية من البشرية
وبقي العدل فضيلة سامية تصبو إلى تحقيقها كل القوانين والنظم الإنسانية في كل زمان ومكان
فتوصل البعض إلى تحقيقه وأخفق البعض الآخر
واستقامت الأمور لدى البعض وسارت في مسارها الصحيح.. ولم تستقم لدى البعض
واطمأنت نفوس إلى نيل حقوقها واستيفائها والوفاء بها.. ولم تطمئن لدى البعض
وضُرِبت في هذه الصفة الدرر الكثيرة هنا وهناك..
*إذا أتاك أحد الخصمين وقد فُقِئَتْ عينه فلا تقض له حتى يأتيك خصمه فلعله قد فُقِئَتْ عيناه*
*من عَفَّ عن ظلم العباد تورعا.. جاءته ألطاف الإله تبرعا*
*إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة* (ابن تيمية)
همســــــــــــــــــــــــة
لا تَظــلِمنَّ إذا مـا كُنـتَ مُقْتَــــــــدِرًا
فالظلـمُ تَرجِـعُ عُقْبَاهُ إلى الـنَّـــدَمِ
تَنـامُ عيـناكَ والمظلومُ مُنْتَبِــــــــــــهٌ
يـدعُو عليـكَ وعَيـنُ الله لم تَـنَـــمِ
* بقلمي*
العبر والأشعار..
من هنا وهناك..
الروابط المفضلة